يتّخذ أصحاب القرار في لبنان تدابير يقولون عنها “إصلاحية” في قطاع الاتّصالات، ولكنّها في المقابل تحرم مئات الآلاف من حقّهم في الاتّصال.
في 27 أيّار/مايو، أقرَّ مجلس الوزراء اللبناني قانونَيْن اقترحهما وزير الاتّصالات، جوني القرم، سينعكسان سلبياً على العائلات والأفراد من ذوي الدخل المحدود بعد تطبيقهما في الأول من تمّوز/يوليو. يهدف الأوّل إلى رفع تعرفة الاتّصالات لتصبح بأسعار منصّة “صيرفة” التي يسعّر مصرف لبنان سعر صرف للّيرة أقلّ من سعر صرف السوق. وهذا يعني أنَّ الأسعار الحالية ستزداد بثلاثة أو أربعة أضعاف، ممّا يجعلها تُساوي تقريباً سُدس من الحدّ الأدنى للأجور. وينصّ القرار الثاني على وقف العمل بالكامل على شبكة الجيل الثاني (2G)، وجزء كبير من شبكة الجيل الثالث (3G)، من أجل خفض التكاليف في ظلّ “الانهيار الوشيك لقطاع الاتّصالات”.
خلال الأشهر القليلة المقبلة، ستُصبح الهواتف التي تعمل على شبكة 2G غير مُجدية لإجراء المكالمات الهاتفية أو تبادل الرسائل النصّية القصيرة، إذ ستتوقّف التغطية من الشبكة. وهذا يعني أنَّ أكثر من 230 ألف مشترك سيُصبحون غير قادرين على الاستفادة من خدمات الهاتف المحمول إلّا إذا قاموا بتحديث أجهزتهم – وهذا إنْ توفّرت لديهم الإمكانية المادّية للقيام بذلك.
لماذا ستلجأ وزارة الاتّصالات إلى وقف العمل بالبنية التحتية لشبكة 2G و80% من البنية التحتية لشبكة 3G؟ لكي نفهم تداعيات هذا القرار، نحتاج إلى فهم الاختلافات بين “النظام العالمي للاتّصالات الجوّالة” (GSM) وشبكة 3G، وشبكة “التطوُّر الطويل الأمد” (LTE 4G) وشبكة “نقل الصوت عبر التطوُّر الطويل الأمد” (VoLTE) (اتّصالات شبكة الجيل الرابع 4G Calling).
ما الفرق بين “النظام العالمي للاتّصالات الجوّالة” (GSM) وشبكة 3G وشبكة “إل تي إي” (LTE) أو 4G؟
مقارنة بين GSM وشبكة 3G
كما يعرف الكثيرون، تعمل الأجهزة الخلوية 2G على شبكة “النظام العالمي للاتّصالات الجوّالة” (GSM) التي تسمح بإرسال رسائل نصّية وإجراء مكالمات هاتفية من دون خيار الاتّصال بالإنترنت. ستوقف وزارة الاتّصالات اللبنانية هذه الشبكة تدريجياً إلى أن تتوقّف عن العمل نهائياً بحلول عام 2025.
أمّا 3G فهو الجيل الثالث من التقنيات المذكورة سابقاً، وتحديداً 2G.
ما هي شبكات 4G
يستخدم مصطلح “الجيل الرابع” (4G) لوصف شبكات “إل تي إي” (LTE) والتطويرات الأكثر تقدُّماً لشبكات 3G، مثل “الوصول العالي السرعة لرُزَم البيانات” (HSPA)، و”موبايل وايماكس” (Mobile WiMAX) البينيّة التشغيلية العالمية للولوج بالموجات الدقيقة. يتمثّل الهدف الأساسي في إنشاء سرعات أعلى للبيانات، ويُستخدَم “4G LTE” للاتّصال بـLTE تحديداً؛ هذه التقنية تحلّ مكان تقنية GSM/WCDMA/UMTS/HSPA وتقنية CDMA/EV-DO/WiMAX.
تسمح لك تقنية “الاتّصال عبر شبكة الجيل الرابع” (4G Calling)، والتي تُعرَف أيضاً بـ”نقل الصوت عبر التطوُّر الطويل الأمد” (VoLTE)، بمواصلة استخدام البيانات بسرعات أعلى أثناء المكالمة من دون إبطاء اتّصالك بالإنترنت. وهذه الخدمة غير متوفّرة في لبنان.
لا تدعم شبكة الجيل الرابع (4G LTE) المكالمات الصوتية في أبسط تطبيق، بل هي مجرّد نظام لنقل البيانات؛ وبالتالي، يجب أن ينتقل هاتفك إلى شبكة 2G أو 3G لإجراء مكالمة صوتية باستخدام عملية تقنية تُسمّى “تبديل الدائرة الاحتياطية” (CSFB).
الفرق بين شبكة “ال تي اي” (LTE) وشبكة “نقل الصوت عبر التطوُّر الطويل الأمد” (VoLTE):
شبكة مُثقَلة بأسعار باهظة
على الرغم من أنّ صيانة شبكة 2G أسهل وكلفتها أقلّ، قرَّرَت الحكومة أن تتجاوزها بحجّة أنَّ صيانتها مُكلِفة. وفقاً للمرسوم، ستبلغ الوفورات الناتجة عن إغلاق شبكة 2G التابعة لشركة “ألفا” حوالي 7.452 مليون دولار سنوياً، مقارنةً بـ150 ألف دولار فقط لشركة “تاتش”.
سيؤثّر إغلاق شبكة 2G على مُستخدِمي الهواتف المحمولة الذين يعيشون في المناطق الريفية في لبنان، حيث التغطية ضعيفة في الأساس والهواتف الحديثة تتخطّى القدرة المالية لمعظم السكّان. وبالنسبة إلى باقي مناطق البلد، سيؤدّي إيقاف شبكة 2G ومعظم شبكات 3G إلى إجهاد شبكة 4G، ممّا يجعل المكالمات والبيانات الخلوية أبطأ بكثير وأقلّ فعّالية.
تأتي هذه المعضلة في سياق أزمة اقتصادية تُثقِل كاهل سكّان لبنان، وخصوصاً في ظلّ التضخُّم الهائل. لا يحصل أكثر من 80% من سكّان البلد على حقوقهم الأساسية، بما في ذلك الصحّة والتعليم والخدمات العامّة. يعمل حوالي 300 ألف شخص في القطاع العام، وغالبيتهم في القطاع العسكري حيث لا يتعدّى متوسّط الرواتب حوالي 60 دولاراً في الشهر. لذا، فإنَّ إصدار هذين القرارَيْن سيؤدّي إلى إقصاء مئات الآلاف الذين لن يكونوا قادرين على شراء هواتف جديدة تعمل على شبكة 4G، ناهيك عن الأسعار المرتفعة للمكالمات وحُزَم البيانات.
في ضوء ذلك، ندعو وزارة الاتّصالات إلى إعادة النظر في قرار إغلاق شبكة 2G، وإيجاد حلول تضمن حقوق مُستخدِمي الهواتف المحمولة. نحتاج إلى خطّة واضحة لتشغيل الشبكة وتقليل النفقات والحدّ من تضخُّم التكاليف. وفي الوقت نفسه، لا بدّ للوزارة أن تُعالِج مصادر الفساد والهدر لدى مشغّلي الاتّصالات وفي الوزارة نفسها.