بعد نشر مقالة الإنترنت ليس حقاً من حقوق الإنسان باللغة الإنكليزية في صفحة الآراء في النيويورك تايمز لفنت سيرف، و نظراً لطرحها فكرة جوهرية عن الإنترنت، نضع بين أيديكم الترجمة العربية للمقال، بإنتظار تعليقاتكم و آرائكم عن الموضوع
الوصول الى الإنترنت ليس حقّاً من حقوق الإنسان
من شوارع تونس الى ساحة التحرير وما بعدها، بُنيت المظاهرات حول العالم في العام الماضي على الإنترنت والأجهزة العديدة التي تتفاعل معها. ورغم أن المظاهرات قد حققّت نجاحاً باهراً لتمكّنها من جمع آلاف المشاركين، إلاّ أنها لم تكن لتحدث بالشكل الذي حدثت به لولا القدرة على التواصل، التنظيم، والإعلان التي توفّرها الإنترنت، بشكل فوري.
وليس أمراً مفاجئاً ان تطرح المظاهرات أسئلة حول ما إذا كان الوصول إلى الإنترنت هو فعلاً حقٌ مدني او حق من حقوق الإنسان ام يجب ان يكون كذلك. وتعتبر هذه قضية خطيرة في الدول التي قامت الحكومات فيها بتضييق الخناق على الوصول الى الإنترنت في محاولة لقمع المتظاهرين. في شهر حزيران، وربطاً بالإنتفاضات التي حصلت في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ذهب الناطق الرسمي بإسم الأمم المتحدة (باللغة الإنكليزية) الى حد بعيد في تقريره في حديثه عن الإنترنت من خلال وصفها “بأنها أصبحت أداة لا يمكن الإستغناء عتها لتحقيق جملة من حقوق الإنسان”. وعلى مرّ السنوات القليلة الماضية، قامت المحاكم والبرلمانات في دول كفرنسا وإستونيا، بتكريس حق الوصول الى الإنترنت كحق من حقوق الإنسان.
ولكن ذلك النقاش، و بغض النظر عن حسن نيّته، يتغاضى عن النقطة الأهم: التكنولوجيا هي وسيلة مُمَكِّنة لحقوق الإنسان وليست حقاً بحدّ ذاتها. هناك معيار عالي السقف لإعتبار أمرٍ ما حقاً من حقوق الإنسان. فمبدئياً، يجب أن يكون هذا الأمر من بين الأمور التي نحتاجها نحن كبشر لكي نتمكّن من عيش حياة صحية ذات معنى، مثل التحرر من التعذيب أو حرية الضمير.ومن الخطأ وضع أي نوع من أنواع التكنولوجيا في هذه الخانة السامية، لأنه عتدها وعلى مر الوقت سنقوم بتقييم الأشياء الخاطئة. فمثلاً في الماضي إذا لم يكن لديك حصان لكان صعباً عليك أن تكسب رزقاً. ولكن الحق الأهم هنا كان ، حق كسب الرزق وليس حق الحصول على حصان. الآن، إذا ضمنت لنفسي حق الحصول على حصان، فأنا لا أعرف أين يجب عليّ وضعه.
إن أفضل طريقة لوصف حقوق الإنسان هي عبر تحديد النتائج التي نحاول الوصول إليها. وهذه تشمل حرّيات مهمة كحرية التعبير وحرية الوصول الى المعلومات ـ وهي ليست محصورة بالضرورة بأي تكنولوجيا معينة او اي وقت محدد. وبالطبع، وحتى تقرير الأمم المتحدة، الذي تمت الإشادة به بشكل كبير لإعتباره أعلن ان الوصول الى الإنترنت هو حق من حقوق الإنسان، لاحظ ان الإنترنت ذات قيمة بإعتبارها وسيلة للوصول الى هدف ولكنها ليست هدفاً بحد ذاتها.
ولكن ماذا عن الإدعاء الذي يقول ان الوصول الى الإنترنت هو او يجب ان يكون حقّاً مدنياً؟ يمكننا هنا تطبيق نفس التفكير المنطقي الذي تم إعتماده سابقاً – الوصول الى الإنترنت هو دائماً مجرد أداة لتحقيق شيء آخر أكثر أهميّة – بالرغم من أن النقاش حول كونه حقاً مدنياً، بإعترافي، هو أقوى من ذلك المتعلق بكونه حق من حقوق الإنسان. والحقوق المدنية، بطبيعة الحال تختلف عن حقوق الإنسان إذا أنها تمنح لنا من قبل القانون وهي ليست حقوق جوهرية لنا كبشر.
وفي حين ان الولايات المتحدة لم يسبق لها ان أصدرت مرسوماً يقضي بأنه “يحق” للجميع بالحصول على هاتف ، إلاّ أننا إقتربنا من ذلك بفعل وجود “الخدمة العالمية” – فكرة ان خدمة الهاتف (والكهرباء، والآن الإنترنت ذات النطاق العريض) يجب ان تكون متوفّرة حتّى في أقاصي البلد. عندما نقبل بهذه الفكرة، فإننا نتجه الى فكرة ان الوصول الى الإنترنت هو حق مدني، لأن تأمين هذا الوصول هو سياسة تضعها الحكومة.
بيد أن جميع النقاشات الفلسفية تتغاضى عن قضية أكثر أهمية: مسؤولية خالقي التكنولوجيا أنفسهم حيال دعم الحقوق المدنية وحقوق الإنسان. لقد قدّمت الإنترنت منصة هائلة متساوية وسهلة الوصول من أجل خلق، مشاركة والحصول على المعلومات على مستوى عالمي. وكنتيجة، لدينا طرق جديدة للسماح للناس بممارسة حقوقهم المدنية والإنسانية.
في هذا السياق، فإنه ليس لدى المهندسين إلتزام هائل لتمكين المستخدمين فحسب، بل إلتزام للتأكد من سلامة المستخدمين على الإنترنت. وهذا يعني، مثلاً، حماية المستخدمين من الأخطار المعينة كالفيروسات والديدان التي تجتاح حواسيبهم بصمت. على التكنولوجيين أن يعملوا في هذا الإتجاه.
إنهم المهندسون – ومؤسساتنا المحترفة والهيئات التي تضع المعايير مثل جمعية مهندسي الكهرباء والإلكترونيات – الذين يقومون بخلق والحفاظ على هذه الإمكانيّات الجديدة. وخلال سعينا للتقدم بموقع الفن في التكنولوجيا وإستعمالها في المجتمع، يجب علينا أن نكون مدركين لمسؤولياتنا المدنية وخبراتنا الهندسية أيضاً.
إن تحسين الإنترنت هو وسيلة واحدة، ولكن هامّة، لتحسين الوضع الإنساني. ويجب آن يتم ذلك مع تقدير للحقوق المدنية والإنسانية التي تستحق آن يُحَافَظ عليها- دونما الإدّعاء ان الوصول الى الإنترنت هو بحد ذاته حقّ.
هو زميل في جمعية مهندسي الكهرباء والإلكترونيات، وهو نائب الرئيس والمدير لمناصري الإنترنت في
شركة غوغل.
ضحى قبلان ترجمته للعربية