بعد الكلام التقني المفصل عن شبكات الإنترنت و الخدمات المنافسة بين مزودي الخدمة إما من شركات الإتصال او شركات الإنترنت في جلسة شبكات المستقبل: الخدمات و الإستعمالات، سأتطرق في حديثي لأهم عامل وجودي للإنترنت، و هو العامل البشري و سبب تفاعل كل هذه الشبكات المترابطة.
سأشارك برأيي و رأي الكثيرين الذين لم يكونوا جزء من هذه التظاهرة التقنية في تونس، و سأقسم فكرتي لإعطاء وقت للنقاش الى ٣ نقاط أساسية:
الهوية المشتركة: مع إندماج المجتمعات و تفاعلها من دون حدود جغرافية، إجتماعية، لغوية، و ثقافية، تكون لمستخدمي الإنترنت هوية مشتركة، هوية تعكس نمط عمل الإنترنت و المبادئ التي أُسس عليها. و تفاعل الشعوب العربية مع بعضها، و مع الآخرين ساهم في خلق هوية مشتركة بين مواطني هذه البسيطة، و سينعكس هذا من دون شك على علاقة المواطن مع القوانين المحلية و النمط السائد في العلاقة بين المواطنين و بين المواطن و الدولة، و سيسبب ذلك الى خلق فجوة لن تُردم الا بتغيير طريقة تفكير الأنظمة العربية، فنظرية الأب او الأخ الأكبر لما يُسمى رأس الدولة لم تعد تنفع في مقاربة مطالب المواطنين. بل ما حصل من فعل و ردات فعل خلال، و بعد الثورات العربية و إطلاق مطالب واضحة لأي نظام و هو في بناء الدولة، و تكوين أعمدتها من العدالة الإجتماعية، الشفافية، المنافسة الند للند، و تحديد معايير لأساس التقدم في الوطن العربي، و الثورات العربية التي بدأت، برغم تغيير مسارها لأسباب عديدة، لن تستكين الا بتحقيق هذه المطالب، عاجلاً او آجلاً.
حرية التعبير: تتصدر حرية التعبير سلم الأولويات للعمل الجدي لبناء إنسان حر و قادر. و مع وجود الإنترنت كوسيلة سهلة الوصول للتعبير و مشاركة الآراء، تستعمل الحكومات العربية شتى أنواع الطرق لقمع هذه الحرية، ان في السجن المباشر لأي فعل تعبيري يكون خارج نطاق الأطر الضيقة المرسومة سابقاً من قبل تلك الأنظمة عبر قوانين ظالمة، او عبر العمل على الحد من التفكير النقدي في المناهج الدراسية، الثقافية، الاعلامية، الخ .. و تساهم السياسة العربية المعتمدة في الدول العربية من دون إستثناء في خلق مجتمع خامل، غير طموح، معتمد على الوساطة، و المحسوبية، كخيار نمط حياتي للتطور، و كل الوسائل التي تحد من تطور الأفراد و إبداعهم. لكسر هذه الحلقة المفرغة و التقدم خطوة في هذا المجال، يجب:
أ- إلغاء المحاكمة العسكرية للمدنيين، و حصرهم بالمحاكم المدنية فقط
ب- تعديل و توضيح القوانين التي تحد حرية التعبير لجعلها تتماشى مع البند ١٩ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
المحتوى: عملية إنتاج المحتوى ضئيل في العالم العربي، و مع تحسن طفيف في الكمية، الا ان مقاربة مختلفة للموضوع مطلوبة اكثر من ذي قبل. فيجب التركيز على:
أ- نوعية المحتوى: مع إستثمار بعض الدول و المؤسسات العربية في تطوير المحتوى، الا ان المطلوب طريقة تفكير مختلفة و غير تقليدية في إغناء المحتوى، لكي نساهم في خفض معدلات البطالة، و تحضير جيل جديد منافس في أسواق العمل الحديثة التي تتطلب معرفة جديدة غير متوفرة بأنظمة التعليم التقليدي.
ب- الإستثمار في البرامج التعليمية عن بعد، و عبر الإنترنت. فبالعمل على تطويرها، سنستطيع المساهمة في ردم الفجوة الموجودة بين النظام التعليمي التقليدي، و المهارات المطلوبة لسوق العمل الحديث، كما توفرها عن بعد ستتمكن في نشر مهارات للأشخاص الغير متمكنين مادياً. و هذه الطريقة أصبحت شائعة، و معتمدة بشكل كبير في المجتمع الغربي، و لدينا العديد من الأمثلة: أكاديمية خان، كورسيرا، جامعة آي تيون، و غير ذلك. و نحن كمنظمة أطلقنا أيضاً اول تدريب عن بعد و هو برنامج نتحول، حيث نتطرق حالياً للتدريب خلال ٨ أسابيع على المناصرة الرقمية، و لدينا عشرات المشاركين من ١١ بلد عربي في أول تدريب، و العديد من البرامج ما زالت قيد الإنشاء او التخطيط.
ب- وسائط النقل المعرفي: لكل معرفة وسيلة للمساهمة في نقلها للمتلقي، و مع إستخدام الإنترنت توفر لدينا الكثير من وسائط للنقل المعرفي كالفيديو، الصور، و الرسوم، الخ.. لذلك يجب إستغلال هذه الأدوات و تطييعها لمصلحة تسريع وصول المعلومات للطلاب لفهمها.
الإنترنت مكان حر بطبيعته، و غير قابل لأن يخضع بالقوة، بل التفاعل و العمل الجدي لأي حكومة عربية يكون بالتعاون يد بيد مع كل شرائح المجتمع، كما هو مكان شفاف، و الخوف منه و التعامل مع مستخدميه كخوارج عن المجتمع هو بمثابة هروب للأمام، و إنكار المشكلة. إزدواجية الخطاب المعتمد للحكومات العربية و القمع الفكري لن يضر الا الحكومات نفسها على المدى الطويل، و لا أمل لأي تجربة لحكم عربي بالبقاء و التطور الا بالإلتزام بحقوق الإنسان، المحاسبة، الشفافية، و العدالة الإجتماعية.
كان لي الحظ ان أشارك هذه الأفكار بوجود ٥ وزراء و/او ممثلين في القاعة بالإضافة لمئات الممثلين عن حكومات عربية و شركات مختلفة، على امل ان يكون كلامي او جزء منه قد وصلهم، و المسيرة تكمل مع تزايد عدد مناصري الفكر الحر للوصول لهوية مجتمعية تنطلق للمساهمة في مواجهة مشاكلنا بشجاعة، و شفافية، و بطرق خلاقة.