خريطة التحرش الجنسي في مصر، ربما تكون هذه المبادرة الأولى من نوعها في مصر التي خرجت بشكل واضح وصريح للوقف في وجه ظاهرة التحرش الجنسي، لهذا كتب الناشطات/الناشطون بالمبادرة على موقعها أن الحملة ولدت ” كرد فعل فى مواجهة تزايد مشكلة التحرّش الجنسي في شوارع مصر، والتي أصبح المجتمع متقبلًا و متسامحًا معها بشكل كبير ومتزايد”.
خريطة التحرش الجنسي عبارة عن موقع إلكتروني يحوي خريطة تفاعلية، من خلالها يتم الإبلاغ عن أي من حالات التحرش الجنسي في مختلف محافظات مصر، في البداية كان هذا التبليغ يتم عن طريق الإنترنت، لاحقا تم تطوير آلية الإبلاغ وإضافة إمكانية التبليغ عبر الرسائل القصيرة، يذكر موقع المبادرة أن نقطة البداية لخريطة التحرش الجنسي كانت ” استخدام نظام الإبلاغ من خلال الإنترنت (أونلاين) وتكنولوجيا رسم الخرائط لدعم الجهود على أرض الواقع من أجل تعبئة المجتمع في محاولة لكسر القوالب والصور النمطية، والتوقف عن تقديم الأعذار المختلفة للمتحرشين، وإقناع الناس بالتحدث والتحرك ضد ظاهرة التحرّش الجنسي.”
أوشاهيدي ورسائل فرونت لاين القصيرة
تستخدم المبادرة في موقعها برمجية “أوشاهيدي” وهي برمجية حرة ومفتوحة المصدر تقوم على ربط المعلومات والبيانات بالموقع الجغرافي، خرجت هذه البرمجية على يد مجموعة من مطوري البرمجيات والمدونين في عام 2007 عقب الانتخابات الكينية، حيث تم استخدامها لتوثيق أحداقث العنف وشهادات شهود العيان بمناطق مختلفة، لا حقا تم استخدام هذه البرمجية من قبل الكثير من النشطاء في مختلف الدول لمراقبة الانتخابات واستخدامها في أوقت الكوارث وغير ذلك من الاستخدامات التي تتطلق ربط المعلومات والبيانات بالمواقع الجغرافية.
بالإضافة لأوشاهيدي، تستخدم مبادرة التحرش الجنسي في مصر برمجية أخرى أنتجتها “منظمة فرونت لاين” وهي من مهتمة بالدفاع عن المدافعين عن حقوق الإنسان، هذه البرمجية تسمح باستخدام الرسائل النصية القصيرة مع برمجية أوشاهيدي بحيث يمكن ان يتم الإبلاغ عن حالات التحرش من خلال الرسائل النصية، في هذا يقول القائمون/القائمات على المبادرة “كانت هذه فرصة عظيمة ومناسبة لا يمكن إغفالها حيث كان حينها ما نسبته 97% من المصريين – نصفهم من النساء – يمتلكون هواتف محمولة (موبايلات) وبذلك يمكنهم بسهولة استخدام هذا البرنامج!” أيضا تستخدم المبادرة تويتر وفيسبوك ضمن عملها في رفع الوعي فيما يتعلق بالظاهرة والدعوة للفاعليات التي تقوم بها المبادرة والتواصل مع المتطوعين.
الخروج والتكوين
في عام 2005 كانت “ربيكا تشاو” – واحدة من أربع نساء شاركن في تأسيس المبادرة- تعمل في أحد منظمات المجتمع المدني في مصر، تعرضت هي وعدد من زميلاتها للتحرش الجنسي في مصر بصورة يومية، من هنا قررت ريبيكا ان تبحث وراء الظاهرة لتفهم ما إذا كان التحرّش الجنسي ظاهرة منتشرة بالفعل في المجتمع ككل. يذكر موقع الموقع المبادر أنه “بعد إجراء استبيان موسع أدركت “ريبيكا” الحجم الكبير للمشكلة والتي تؤثر تقريبًا على معظم نساء مصر، كما أدركت أيضًا حاجة الكثيرين للقيام بشيء ما حيال هذه المشكلة. وهكذا، وبمساعدة الأصدقاء والمتطوعين بدأت “ريبيكا” بحملة لمعالجة ظاهرة التحرّش الجنسي في مصر والتي تبناها في ما بعد “المركز المصري لحقوق المرأة“. بعد ذلك فى عام 2008، ومع زيادة تناول وسائل الإعلام لقضية التحرّش الجنسي، اتجه كثير من منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق المرأة للعمل على الدعوة إلى كسب التأييد من أجل وضع قوانين تحدّ وتمنع التحرّش الجنسي في مصر. في المقابل، بدلًا من انتظار الحكومة حتى تقوم باتخاذ إجراءات ضد هذه الظاهرة، شعرت “ريبيكا” والمؤسسات الأخريات لخريطة التحرّش بالحاجة الماسة لاتخاذ إجراء على أرض الواقع للتعامل مع ظاهرة التحرّش الجنسي ومدى القبول المجتمعي لها.”
لا حقا في ديسمبر 2010 تم إطلاق مبادرة خريطة التحرش الجنسي في مصر، في نفس الوقت الذي تم فيه عرض فيلم 678 لأول مرة، والذي يعّد علامة هامة في الأفلام الروائية الطويلة حيث تناول ظاهرة التحرّش الجنسي. ويذكر القائمات/القائمون على المبادرة أنه منذ بدأ العمل في 2010، ارتفعت نسبة التغطية الإعلامية لظاهرة التحرّش والاعتداء الجنسي بنسبة 350% على الأقل، وتتركّز نسبة كبيرة من هذه التغطية على عمل خريطة التحرّش.
بين الافتراضي والواقعي
لا يقتصر نشاط مبادرة خريطة التحرش الجنسي في مصر على الموقع والخريطة التفاعلية فحسب، بل يمتد النشاط إلى العالم الواقعي وبعيدا عن الإنترنت، حيث تخرج فرق المتطوعون بالحملة كل شهر إلى الشوارع وفتح نقاش مع المواطنين حول ظاهرة التحرش الجنسي، هذه الفرق تتوزع داخل 21 تجمع سكاني و17 محافظة في كافة أنحاء مصر ويتكون كل فريق من نساء ورجال، ويقود كل من هذه الفرق “كابتن المجموعة”. حول هذا النشاط يذكر موقع الحملة أنه ” قبل الخروج إلى الشوارع في أيام التوعية الشهرية يتم تدريب المتطوعين من قبل الكابتن المسؤول عن كل مجموعة على كيفية الحديث عن التحرّش، والإجابة على أسئلة الناس، وكيف يُطلب منهم البدء فى التدخل ضد التحرّش. يستخدم المتطوعون المعلومات التي تُجمع على خريطة التحرّش لتبديد الخرافات وكسر الصور النمطية حول التحرّش الجنسي، ليبينوا أن التحرّش هو مشكلة تحدث في الواقع داخل هذا الشارع نفسه، وليبدؤوا مع سكان الحي بالتفكير في كيفية التدخل لمنع ذلك”.
الفرق المتطوعة في مبادرة خريطة التحرش الجنسي يستهدفوا بنزولهم للشارع بعض الفئات التي يمكنها تكون مؤثرة في الجو العام للشارع ” فهم بشكل أساسي الأشخاص من الرجال والنساء الذين يقضون الكثير من الوقت في الشارع مثل أصحاب المتاجر وضباط الشرطة والبوابين ومالكي المطاعم والمقاهي. هؤلاء هم الأشخاص الذين لديهم في الواقع القدرة على التأثير في “ثقافة” وجو الشارع، حيث يمكن لهم أن يقرروا تجاهل حادثة التحرّش أو حتى المشاركة فيها، أو يمكنهم أن يقرروا التدخل ووضع حد للتحرّش.” المدهش أيضا أن 8 من كل 10 أفراد تحدثت معهم الفرق أصبحوا مقتنعين وقرروا اتخاذ مواقف اتجاه حالات التحرش. يقول القائمون/القائمات على الحملة عن الأفراد الذين تتعامل معهم فرق المتطوعين أن ” تحويل الجزء الذي يتواجدون فيه من الشارع إلى منطقة لا تتسامح بالمطلق مع التحرّش. وعندما يقبل الأشخاص بتحمل المسؤولية وعدم قبول تصرفات التحرّش في منطقتهم فإننا نقوم بإعطائهم ملصقًا يحمل شعار “منطقة خالية من التحرش” لوضعها في المحل أو الكشك أوالبناء الذي يعملون فيه لإظهار أنهم من الآن فصاعدًا سوف يتدخلون فورًا لوقف أي حادثة تحرّش تقع أمامهم. كما أننا فى خريطة التحرّش نحضر الآن لإطلاق برنامجنا “مناطق خالية من التحرّش” على نطاق أوسع بكثير في عام 2014، وسوف يشمل البرنامج المزيد من المناطق العامة مثل مراكز التسوق والمطاعم والنقل العام، كما سنوسع نشاطنا المجتمعي أيضًا ليشمل المدارس. “
العمل المشترك
يحسب لمبادرة خريطة التحرش الجنسي إنها من أوائل المبادرات المستقلة التي أولت اهتمام بشكل كامل لهذه الظاهرة. بعد الثورة في مصر انتشر التحرش الجنسي وسط تجمعات المتظاهرين، و يرى الكثيرون أن انتشار هذه الظاهرة وسط المظاهرات لها بعد سياسي.
مبادرة خريطة التحرش الجنسي في مصر لها عدد من الشركات مع منظمات وتجمعات مهتمه بظاهرة التحرش الجنسي، تتنوع هذه الشركات بين المبادرات التي تتصدى لظاهرة التحرش والمنظمات النسوية المهتمة وحتى الشركات التي تتعلق بالدعم القانوني والتقني للمبادرة، على سبيل المثال لا الحصر، مثل “نهضة المحروسة” حيث أنها المؤسسة الحاضنة لخريطة التحرّش والتي توفر المظلة القانونية والتدريب والدعم التقني القيّم لعمل المبادرة، و مشروع “بُصّي” الذي يشارك المبادرة في صنع فاعليات ضد التحرش الجنسي، و مبادرة “ضد التحرش” تتعاون مع مبادرة خريطة التحرش الجنسي لخلق نشاطات في العمل المجتمعي المضاد للتحرّش، ومركز “النديم” و “نظرة” اللذان يوفرا المشورة القانونية والنفسية للأشخاص الذين تعرضوا للتحرّش و/أو الاعتداء الجنسي، و غيرهم من المبادرات والكيانات الأخرى المهتمة بمعالجة ظاهرة التحرش الجنسي في مصر.
موقع مبادرة خريطة التحرش الجنسي : http://harassmap.org/ar/
صفحة المبادرة على فيسبوك: https://www.facebook.com/HarassMapEgypt
حساب المبادرة على تويتر : https://twitter.com/harassmap