تستخدم جوازات السفر في لبنان ورخص القيادة وإجازات العمل والإقامة والمساعدات الإنسانية على أنواعها نُظُماً قائمة على البيانات البيومترية (الحيوية) كبصمات الأصابع وقزحية العين الفريدة من نوعها، وهي بيانات تُجمَع من المواطنين والمقيمين في البلد واللاجئين. في العام 2017، نصّ قانون الانتخابات الجديد على استخدام الناخبين لـ”البطاقات الإلكترونية الممغنطة” في الانتخابات النيابية المقبلة (والبطاقات الإلكترونية الممغنطة هي بطاقات مجهّزةٌ بشريطٍ مغناطيسي يحمل معلوماتٍ شخصية، غالباً ما يُستخدم في بطاقات الائتمان أو بطاقات الدخول إلى المباني)، قبل أن يقرّ مجلس الوزراء في العام نفسه تدبيرًا لاعتماد الهوية البيومترية بدلاً من البطاقات الإلكترونية الممغنطة المخصّصة للانتخابات. تسمح الهوية البيومترية الجديدة للمواطنين بالانتخاب، إلى جانب “كونها بطاقة هوية صالحة مدى الحياة، تُستخدَم في مختلف المعاملات الإدارية، من ضمنها الضمان الاجتماعي ووزارة المالي وجواز السفر والأحوال الشخصية”.
لم تتحقّق الخطط الرامية إلى اعتماد الهوية البيومترية قبل الموعد المحدّد للانتخابات النيابية في العام 2018، ولكن لمّح التعديل الصادر عن مجلس الوزراء إلى رغبة الحكومة ببناء نظام هويةٍ وطني يربط الهوية البيومترية بعملية تقديم الخدمات. وفي ظلّ الأزمة الاقتصادية التي يواجهها لبنان في الوقت الحالي يبدو نظام الانتخاب البيومتري بعيد المنال، إلّا أنّ الشروع في تطبيق برنامج الهوية الرقمية للتحقُّق من الهويات والمصادقة عليها، لا سيّما في سبيل دعم برامج شبكة الأمان الاجتماعي، يبدو أكثر ترجيحًا.
يعتبر مناصرو الهوية الرقمية والبيومترية أنّها وسيلةٌ أكثر كفاءةً لتقديم الخدمات وتحسين الأمن ومنع عمليات التزوير والاحتيال، في حين تطرح هذه النُظُم مخاوف حول المخاطر التي قد تترتّب عنها على صعيد الخصوصية والأمن، كونها تمسّ بحقوق الفرد الأساسية مثل الحقّ بالخصوصية؛ وفتحها المجال أمام المزيد من الرقابة؛ وإمكانية استخدامها بطُرُقٍ مضرّة من قِبل جهات فاعلة خبيثة. بالإضافة إلى ذلك، تبيّن أنّ نُظُم الهوية الرقمية إقصائية، حيث أنّها تعيق، في معظم الأحيان، قدرة الأشخاص الأكثر ضعفًا على الوصول إلى الخدمات الحكومية. أضف إلى ذلك كلفتها المرتفعة على الصعيد الوطني، إذ غالبًا ما يحتاج هذا النوع من الأنظمة إلى بنيةٍ تحتية متطوّرة وموثوقة ولاتّصالِ بشبكتَيْ الإنترنت والكهرباء.
استنادًا إلى هذه المخاوف والمخاطر الجسيمة، لا بدّ من تقييم نُظُم الهوية الرقمية والبيومترية بدقّة لتحديد الجدوى من المضيّ قدُمًا في تطبيقها. هل ستحلّ هذه النظم المشكلات التي أُنشأت من أجلها؟ وهل من بدائل أقلّ خطورة؟ وفي حال بدأ العمل على تنفيذ المشروع، كيف يمكن التخفيف من هذه المخاطر؟
نسعى من خلال هذا التقرير إلى تقييم أثر الهوية البيومترية على العملية الانتخابية في لبنان، وتسليط الضوء على الهواجس المتعلّقة بإمكانية تطوير هويةٍ رقمية ترتبط بتوفير الخدمات الاجتماعية، وذلك نظرًا إلى محدودية الضمانات المقدّمة في الوقت الحالي.
لن تؤثّر بطاقات الاقتراع الإلكترونية الممغنطة، أو الهوية البيومترية، على عمليات التزوير في الانتخابات اللبنانية. لا تكمن التحدّيات في إعداد قوائم انتخابية أو التحقُّق من صحة هوية الناخب، بل في الانتهاكات التي تبرز خلال عملية الانتخاب (كخرق سرية ورقة الاقتراع)، أو التي تسبق الانتخابات مثل مصادرة أحد الأحزاب لبطاقات الهوية وإعادتها في يوم الانتخاب لقاء سلع أو خدمات، ما يعني أنّ لا دور للهوية البيومترية في محاربة هذا النوع من التزوير والاحتيال. وفي حين يُعتمَد مبرّر آخر يقول بأنّ بطاقة الاقتراع الإلكترونية الممغنطة، أو الهوية البيومترية، تسمح للناس بالاقتراع من مكان سكنهم، يوصي المراقبون الدوليون والمحلّيون باعتماد تدابير أخرى، كتسجيل الناخبين في القوائم الانتخابية وفقًا لمكان إقامتهم.
علاوةً على ذلك، وبعيدًا عن مجال الانتخابات، لا يُرجّح أن تحقّق نُظُم الهوية الرقمية والبيومترية الفوائد الأخرى المحتملة في لبنان، مثل تحسين كفاءة تقديم الخدمات الحكومية. ومن المخاوف الأخرى، تحوّل نظام الهوية الرقمية الذي وُضِع لتيسير شبكة الأمان الاجتماعي إلى خطةٍ وطنية واسعة النطاق تسهِّل عمليات المراقبة وتفاقِم التهميش المدني. فالوزارات في لبنان والأجهزة الأمنية اللبنانية لديها تاريخٌ عريق في تسريب البيانات وخرق أمنها، واعتماد ممارساتٍ مشبوهة في مشاركة البيانات، ما يدلّ على ضعف البنية التحتية التقنية ويشير إلى الاستهتار بمسألة الخصوصية.
من جهة أخرى، فإنّ الأطر القانونية في لبنان لا تكفي لحماية حقوق الأفراد عند تطبيق نُظُم الهوية الرقمية. القانون الناظم لخصوصية البيانات في لبنان، قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي، يُعتبر قانونًا قديم الطراز ولا يتماشى مع الأطر القانونية ذات المعايير المتقدّمة كاللائحة الأوروبية العامة لحماية البيانات (GDPR). يوفّر قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي بعض الحماية، ولكنّ الواقع مختلف تمامًا. لا يحدّد هذا القانون غير المطبّق بشكلٍ فعلي على أرض الواقع سلطةً مستقلّة لحماية البيانات، ويوكل هذه المهمة إلى وزارة الاقتصاد القادرة على السماح لأطراف ثالثة بالوصول إلى البيانات الشخصية أو نقلها إلى دول أجنبية، كما يقدّم استثناءاتٍ كثيرة للوزارات الحكومية والأجهزة الأمنية.
نظرًا للمشهدين السياسي والبيروقراطي في لبنان، لا يُرجّح أن تحقّق نُظُم الهوية الرقمية والبيومترية الفوائد الأخرى المحتملة في لبنان، مثل تحسين كفاءة تقديم الخدمات الحكومية. ومع ذلك، تبقى المخاطر التي تهدّد حق الأفراد بالخصوصية مرتفعةً للغاية، نظرًا لغياب الأطر القانونية المناسبة وسوابق الحكومة اللبنانية بانتهاك خصوصية البيانات.
يتمثّل الهدف الأوّل لهذا التقرير بعرض الخطوات المقبلة للحكومة اللبنانية والحكومات المانحة الدولية والمنظّمات العاملة في لبنان، في ما يخصّ الهوية الرقمية والبيومترية، ويسعى التقرير ثانيًا إلى تقديم معلوماتٍ إضافية للمجتمع المدني وللأفراد المهتمين بفهم الهوية الرقمية والبيومترية وبتعلُّم المزيد عنها في الإطار اللبناني.
وتشمل التوصيات الواردة في نهاية هذا التقرير ما يلي:
توصيات للحكومة اللبنانية:
- مكافحة التزوير في الانتخابات عبر إصلاح النظام الانتخابي وليس من خلال الهوية البيومترية؛
- تعزيز الأطر القانونية؛
- الحرص على توفير البنية التحتية المناسبة؛
- تعزيز الشفافية في ما يخصّ الاستحصال على الهوية الرقمية والبيومترية وتطبيقها.
توصيات للمانحين الدوليين:
- العدول عن تقديم الدعم للهوية البيومترية بهدف محاربة التزوير في الانتخابات؛
- استشارة جميع أصحاب المصلحة المعنيين بالهوية الرقمية والبيومترية؛
- الامتناع عن اعتماد المركزية المفرطة لقواعد البيانات؛
- تجنّب فرض نظام الهوية الرقمية في عملية تقديم الخدمات الاجتماعية.
تحميل التقرير كاملاً من هنا.
SMEX-PI-Electoral-Digital-ID-Ara1-1