للسنة الثانية على التوالي، يأتي “فيسبوك” في المرتبة الأولى كأكثر منصّة أبلغ المستخدمون/ات “منصة دعم السلامة الرقمية” في “سمكس” عن تعرّضهم/ن لحوادث رقميّة في مساحاتها. يطرح هذا إشكاليات حول كيفيّة تعامل “ميتا”، الشركة الأم لـ”فيسبوك”، مع هذه الحوادث، وسياساتها المسؤولة عن خلق بيئة رقمية أكثر أماناً للجميع.
كانت هذه إحدى أبرز نتائح إحصاءات “منصة دعم السلامة الرقمية” لعام 2022، التي عملت منذ انطلاقتها عام 2019 على مساعدة الصحافيين/ات والحقوقيين/ات والأفراد في صدّ أو تدارك الهجمات الإلكترونيّة التي يتعرّضون إليها في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا. اليوم، وبعد مرور نحو ثلاث سنوات، باتت تستقبل المنصّة بلاغات من القارتين الأميركيتين، وأستراليا، وأوروبا، وغرب أفريقيا.
عام 2021، تلقّت المنصّة 112 بلاغاً حول حوادث رقميّة توزّعت في مختلف المنصّات ومواقع الويب، فيما تلقّت عام 2022 نحو 300 بلاغاً من 23 دولة، أي ما يتجاوز ضعف حالات العام الذي سبق.
تزداد سنوياً أعداد الحوادث الرقميّة التي يتعرّض إليها المستخدمون/ات في مساحات الإنترنت بمختلف أنواعها، أبرزها قرصنة الحسابات من قبل مهاجمين أو إغلاقها تعسّفياً من قبل الشركات، والابتزاز الجنسي، ونشر خطاب الكراهية، والمعلومات المضلّلة، وغيرها. ولمجاراة هذا الواقع المقلق والآخذ في الازدياد، كثّفت “منصة دعم السلامة الرقميّة” جهودها من حيث رفع قدرتها على تلقّي أكبر عددٍ ممكن من البلاغات، وإخضاع أعضاء الفريق إلى تدريبات مركّزة، وزيادة ساعات العمل لتشمل عطل نهاية الأسبوع والعطل الرسميّة حتى.
يصنّف إحصاء الحالات التي استقبلتها “منصة دعم السلامة الرقمية” للعام 2022، المشاكل والتهديدات الرقمية التي تعرّض لها مستخدمون/ات من حول العالم، وأبلغوا/ن المنصّة عنها بغية الحصول على مساعدة في مواجهتها. ويشمل التصنيف مواقع “فيسبوك”، و”انستغرام”، و”تويتر”، و”واتساب” و”تيك توك”، و”غوغل”، و”يوتيوب”.
تساعد “منصّة دعم السلامة الرقمية” الناشطين/ات والصحافيين/ات والمدوّنين/ات والفئات المهمشة، والمدافعين/ان عن حقوق الإنسان، الذين يواجهون حالات تهديد عبر الإنترنت أو أي خطر يتعلّق بالأمن السيبراني، منذ انطلاقها في كانون الأول/ديسمبر 2019. تهدف المنصّة إلى تعزيز سلامة الفضاء المدني الرقمي، من خلال تقديم النصائح، ومواجهة الهجمات الرقمية والتخفيف من وقع التهديدات الرقمية.
ويلخّص التقرير السنوي لـ”منصّة دعم السلامة الرقميّة” الحالات التي تلقّتها المنصة بين كانون الثاني/يناير وكانون الأول/ديسمبر 2021، وطبيعة التهديدات ونسبتها، وطرق تنفيذها، والفئات المستهدفة، وتوزّعها على الدول، وحصّة المستخدمات منها مقارنة بحصّة المستخدمين.
فيسبوك على رأس القائمة
خلال عام 2022، تلقّت “منصّة دعم السلامة الرقميّة” 300 بلاغاً. في 219 حالة منها، تواصل المعنيون/ات بالمشكلة مع المنصة عبر “واتساب”، فيما أُبلغ عن 69 حالة عبر البريد الإلكتروني، وعشرة حالات عبر تطبيق “سيغنال”. على الرغم من أنّ تطبيق “سيغنال” مجاني وآمن ويوفّر ميزة التشفير التام بين الطرفين، أظهر الإحصاء أن قلّة تستخدم التطبيق، وتفضّل تطبيقات تحادث أخرى مثل “واتساب” على استخدامه.
يظهر الرسم التوضيحيّ أعلاه أنّ 52.4% من الحوادث الرقميّة التي أُبلغ عنها حدثت في مساحات “فيسبوك”، فيما 30.6% منها كان على “إنستغرام”، و7.1% على “تويتر”. تقف سياسات “ميتا” خلف بعض هذه الأرقام التي يشوبها إهمال واضح للمحتوى العربي، وبالتالي انتهاكٌ واضح لحقوق مستخدمي/ات اللغة العربيّة، إذ اكتشفت المنصّة أن 20.3% من إجمالي الحالات كانت عبارة عن تعليق غير مبرّر لحساب الضحية من قبل الشركة.
تشير مسؤولة قسم التكنولوجيا في “سمكس” سمر حلال إلى أنّ “نسب تجاوب الشركات متفاوتة جداً، إذ كانت منصّة “تويتر” الأسرع في الرّد والأكثر تجاوباً”، ولكنّ ذلك كان قبل أن يتملّكها “إيلون ماسك” الذي أحدث تغييرات جذريّة تشكّل تهديداً جدياً على سلامة المستخدمين/ات الرقميّة والجسديّة حتى. تليها في سرعة الاستجابة شركة “غوغل” التي تهتم بقضايا “يوتيوب” و”جيميل”، لتأتي “ميتا” بمنصّتيها “فيسبوك” و”إنستغرام” في المرتبة الاخيرة و”الأسوأ” بحسب حلال، على الرغم من أن أكثر الهجمات الإلكترونية تٌشنّ في مساحاتها.
كما عمدت “منصّة دعم السلامة” الرقميّة إلى الطعن بقرار الشركة في 45 حالة، فيما رفعت 120 طلباً للشركة لإعادة مراجعته من قبل الكادر البشري لا المؤتمت.
تشير حلال إلى أنّ أكثر الحالات التي تتطلّب رفع الشكوى إلى مستوى أعلى هي تلك التي تتعلّق باستهداف صحافيين/ات وأفراد مجتمع الميم وناشطين/ات بشكل خاص. أمّا حالات الاستغلال الجنسي، والتنمّر الرقمي، والتحرش الإلكتروني، والتي يُعتبر جميع المستخدمون/ات باختلاف مجالات عملهم/ن عرضة لها، فهي تتطلّب دائماً رفع طلبٍ بها.
يساعد فريق المنصّة المستخدم/ة المستهدف/ة على تقديم الطّعن بنفسه، فيما يتولّى مهمة رفع الطلب لمراجعته من قبل كادر بشريّ بنفسه.
يحجب “فيسبوك” أحياناً منشوراتٍ بحجّة أنها تنتهك معايير النشر الخاصة به، مع أنها ليست كذلك. يستغلّ فريق “منصّة دعم السلامة الرقميّة” هذه الحالات المتعلّقة بتنظيم وإدارة المحتوى، يرفع فيها طلبات مراجعة، ويجمعها بهدف تقديمها للشركة على شكل تقرير تستند إليه لتعديل سياساتها المتعلّقة بأسس النشر.
حالات في ازدياد
للمفارقة، وعلى عكس ما يُشاع أحياناً، كان المستخدمون/ات “العاديون/ات” الأكثر استهدافاً للهجمات السيبرانيّة في العام الفائت (38.8%)، يليهم/ن الناشطون/ات (25.2%)، والصحافيون/ات (17.7%) وأفراد مجتمع الميم (6.8%).
ويمكن تصنيف البلاغات التي تلقّتها المنصّة تحت عنوانين. العنوان الأول يتعلّق بالهجمات الإلكترونيّة التي تستهدف الحساب نفسه، مثل حوادث اختراق الحساب (21.8%) أو تعليقه (20.3%) أو إقفاله (3.2%)، ممّا يدلّ على حضور خطاب الكراهية والقمع واستخدام المصطلحات العنيفة ولهجة التهديد وانتشارها في بلدان منطقتنا. أما العنوان الثاني فهو متعلّق بالهجوم الذي يستهدف شخص صاحب الحساب، لا الحساب نفسه، مثل حالات الابتزاز الجنسي (2%) والتحرش الإلكتروني (6.3%)، وغيرها. ويُتوقّع أن تستمرّ أعداد هذه الحالات بالازدياد، نظراً لأن علاقتها مع أعداد المستخدمين/ات المتزايدة في المساحات الرقمية طرديّة.
ولتفادي مثل هذه الحالات، تنصح حلال باختيار كلمة مرور قوية، وتفعيل ميزة التحقق بخطوتيتن، وعدم الدخول إلى الروابط التي تصلنا قبل التحقق منها، واستخدام تطبيقات موثوقة للشبكات الخاصة الافتراضية (VPN) بشكل دائم.
توزّع الحالات بحسب الجنس
خلافاً لإحصاءات السنة الماضية، أبلغ المستخدمون الذكور عن تعرضهم لحوادث إلكترونية في 62.4% من الحالات، فيما أبلغت مستخدماتٌ في 37.6% فقط.
في 29.1% من الحالات التي استُهدفت فيها نساء، تمثّلت المشكلة باختراق حساباتهم/ن (29.1%).
على الرغم من أنّ النساء معرضات بشكل خاص لسوء المعاملة في الفضاء الرقمي، تنوّه مسؤولة فريق السياسات في “سمكس”، ماريان رحمة، إلى أنّ “هذا الواقع قد يكون نتيجة لانعدام المساواة في القدرة على الوصول إلى الإنترنت بين الجنسين، والخوف من الإبلاغ خاصة في حالات الابتزاز الجنسي أو مشاركة الصور بالتراضي، والخوف من الأذى الجسدي الذي قدد تتعرّض إليه الضحية في حال أبلغت”.
كما “يعدّ عدد حالات العنف المبني على النوع الاجتماعي مرتفعة بشكل استثنائي في منطقتنا، يقابلها نسب منخفضة للمساءلة القانونيّة التي تغيب كلياً في بعض البلدان. علاوة على ذلك، فإنّ البطء في التجاوب مع بعض الحالات التي تواصلت المنصّة بشأنها مع الشركات كان السبب في عدم القدرة على تجنّب وقوع الضرر”، بحسب رحمة.
وأخيراً، فإن عدم استعداد السلطات القضائية في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا لحماية المرأة من العنف القائم على النوع الاجتماعي والتحرش، من خلال قوانين واضحة ودقيقة، تقول رحمة، يمثل مصدر قلق كبير.
يتعلق ذلك أيضاً، بحسب حلال، بطبيعة منطقتنا وتوزّع المهام فيها بين الجنسين والحالات نفسها. “على سبيل المثال، عندما يشتكي صحافيون/ات فلسطينيون/ات من إيقاف الشركة لحساباتهم/ن، يُتوقع أن تكون النسبة الأكبر منهم/ن رجالاً، لأن غالبية الصحافيين/ات الذين يغطّون العدوان في فلسطين هم من الرجال أصلاً”.
كما كل سنة، تكشف إحصاءات منصّة دعم السلامة في “سمكس” عن التهديدات والتحديات التي تختبرها مختلف الفئات في منطقتنا، خاصّة تلك المهمّشة منها. وإن دلّت هذه الأرقام على شيء، فإنها تدلّ على تلكّؤ واضح من قبل طرفين أساسيين في هذه المعادلة. الأول هو شركات التكنولوجيا التي تراكم أرباحاً خيالية فيما تتجاهل المخاطر التي تهدّد المستخدمين/ات وسلامتهم/ن وسرّية بياناتهم/ن، وتستمرّ في وضع سياسات خصوصية انتقائيّة وضبابيّة وغير متوفّرة إلا في لغات محدّدة. أما الطّرف الثاني فهو حكومات دول منطقتنا، التي تدّعي إقرار قوانين لمحاربة الجرائم الإلكترونية، في حين أن جلّ ما تفعله هو قمع شعوبها والاستفادة من صفقات تبرمها مع عمالقة التكنولوجيا في خدمة مصالح فرديّة.
وأخيراً، تؤكّد الإحصاءات أنّ جميعنا كمستخدماتٍ ومستخدمين معرّضون/ات لمثل هذه المواقف، بصرف النظر عن مجالات عملنا وأماكن تواجدنا. لذلك، يُفضّل أن تصبح السلامة الرقمية وحمايتها أسلوب حياة من خلال اتباع خطوات بسيطة. ولكنّ المسؤولية لا تقع على المستخدمين/ات فقط، بل المسؤولية الأكبر تقع على االحكومات والشركات، إذ ينبغي للحكومات حماية بيانات وخصوصية الناس في حين يتوجب على شركات التكنولوجيا أن تضع سياسات حمائية وتطبقها وفقاً لما يدعم المستخدمين ويحميهم وليس وفقاً لمصالحها التجارية وحسب.
تكثّف “سمكس” جهودها دائماً في سبيل بناء مرونة رقمية في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، من خلال ملتقاها السنوي “خبز ونت“، ومشاركة نصائح وخطوات لتعزيز السلامة الرقمية والحد من حالات الابتزاز، فضلاً عن عقد دورات تدريبية وورش عمل متنوعة على مدار السنة.
كما تعمل “سمكس” على تقديم خدمة التدقيق الجنائي وتطويرها لدعم الصحافيين/ات والمدافعين/ات عن حقوق الإنسان الأكثر عرضة للهجمات السيبرانية.
صُمّمت عمليات “منصة دعم السلامة الرقمية” الداخلية للتجاوب بحسب الحالات الطارئة والقدرة الاستيعابية لفريق العمل، وسيكون فريق المنصّة مستعدّاً لمعالجة الحالات بين الساعة 9 صباحاً والساعة 9 مساءً كلّ يوم.
يمكنكم/ن دائماً التواصل مع “منصّة دعم السلامة الرقمية”على العناوين والأرقام التالية:
عبر تطبيق “سيغنال”: 0096181633133
عبر البريد الإلكتروني: helpdesk@smex.org
عبر تطبيق “واتساب”: 0096181633133
يمكنكم/ن الاطلاع على احصاءات “منصة دعم السلامة الرقميّة” لعام 2021 من هنا.