أصدر النائب العام اللبناني قراراً يطلب من وزارة الاتصالات إجبار جميع مقدمي خدمات الإنترنت على حظر 28 تطبيقاً، في 30 نيسان/أبريل 2020، بحجة أنّ هذه التطبيقات تنشر معلومات كاذبة حول سعر الصرف “غير الرسمي” بين الدولار الأمريكي والليرة لبنانية. نُدين قرار المدعي العام لأنه يقيّد الوصول إلى المعلومات، ويؤثّر على خدمات الإنترنت الأخرى، ويسهم في تعزيز نمط مقلق من القيود المفروضة على حرية التعبير خصوصاً فيما يتعلق بالمسائل المالية.
وصل سعر صرف الليرة غير الرسميين والليرة رسمياً على 1507.5 ليرة مقابل الدولار الواحد منذ عام 1997، إلى سعر غير مسبوق 4000 ليرة في أواخر الشهر الماضي، وذلك بسبب تدهور الاقتصاد اللبناني خلال الأشهر القليلة الماضية. في حين تؤكد الحكومة أن السعر الرسمي لا يزال عند 1500 ليرة للدولار الواحد، فقد عرضت سعر صرف للمودعين الصغار بقيمة 2600 ليرة لبنانية مقابل دولار أمريكي واحد، وحددت سعر الصرف الدولار الذي يدخل البلاد عبر شركات تحويل الأموال عند 3625 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد. كما حاولت الحكومة إبطاء انخفاض قيمة الليرة عبر وضع حد لسعر الصرف لدى الصرافين وهو 3200 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد،ما أدى إلى إضراب مكاتب الصرافة منذ 27 نيسان/أبريل الماضي قبل أن تعاود العمل بعد أيام.
على أثر تدهور الليرة اللبنانية، أُطلق عدد من التطبيقات في الأشهر القليلة الماضية لتوثيق انخفاض قيمة الليرة وتزويد المستخدمين/ات بأسعار الصرف يومياً، والتي تتجاوز أحياناً الأسعار المعروضة لدى الصرافيين. مع استمرار ارتفاع معدل سعر صرف الدولار مقابل الليرة، طلب مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية في قوى الأمن الداخلي، المسؤول أيضاً عن استدعاء وتوقيف أشخاص ينتقدون تصرفات أجهزة الدولة والحكومة، طلب من النائب العام إصدار أمر لوزارة الاتصالات بمنع 28 تطبيقاً ، بحجة أنّ المضاربة تدفع نحو ارتفاع الأسعار. والجدير بالذكر أنّ طلب مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية جاء بعد ضغط من قبل عدد من السياسيين والشخصيات الدينية والمصرفيين لحجب تلك التطبيقات. صحيح أنّ التطبيقات يمكن أن تساهم في المضاربة وزيادة الأسعار، غير أنّ إجراءات الحكومة والبنوك الخاصة هي التي أدت إلى انخفاض قيمة الليرة، وقد يؤدي قرار حظر هذه التطبيقات إلى مزيد من الذعر، كما يمثّل سابقة تهدد الحق في الوصول إلى المعلومات والإجراءات القانونية.
طلب مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية أن تقوم وزارة الاتصالات بحجب التطبيقات عبر حظر نظام أسماء النطاقات (DNS) باستخدام عناوين المواقع (URL) لكل تلك التطبيقات على متجر تطبيقات غوغل (Google PlayStore). تؤدي هذه العملية إلى تثبيت برنامج تصفية لأسماء النطاقات على شبكة الإنترنت اللبنانية حظر خدمات الواجهة الخلفية (backend) للتطبيقات، من خلال مراقبة الطلبات الواردة والصادرة على الويب والتحقق مما إذا كانت تتطابق مع القواعد المنشورة. إذا كانت الطلبا ت متطابقة إيقاف الطلب ولا يُسمح بالوصول إلى أي رد، وبالتالي لا يتوفر أي محتوى.
في البداية، أثناء محاولة وزارة الاتصالات حظر تطبيقات سعر الصرف، حظرت “عن غير قصد”خدمات “غوغل فايربايز” (Google Firebase)والتي يعتمد عليها الكثير من رواد الأعمال. ونظرًا لأن طلبات حظر أسماء النطاقات تتعلق بتطبيقات “متجر الألعاب”، وبعضها يستخدم “فيربايس”، قامت وزارة الاتصالات بحظر خدمات “فايربايز” أيضاً. وفي ردّ على تغريدة لـ”سمكس” عن الموضوع كتب عماد كريدية، المدير العام لهيئة “أوجيرو”، إنّ “المشكلة قد حُلّت منذ ذلك الحين”. ولكن تبقى الإشارة إلى أنّ هذه الإجراءات المفرطة وضعت الشركات اللبنانية في وضع محفوف بالمخاطر.
شهدنا خلال العامين الماضيين زيادة عامة في عدد التطبيقات والمواقع المحجوبة في لبنان. في العام الماضي، أصدر المدعي العام قراراً يطلب من وزارة الاتصالات بحظر موقع “ويكس” (Wix)، مستنداً إلى قانون مقاطعة إسرائيل، بدون النظر في تأثير ذلك على رواد الأعمال الذين يستخدمون التطبيق. كما أصدر وزير الاتصالات السابق، جمال جراح ، قراراً يطلب من شبكتي الاتصالات الخليوي حجب تطبيق “جرايندر” (Grindr) العام الماضي. بعد ذلك، أصدرت القاضية ماري أبو مراد أمراً قضائياً ينص على أن “جرايند” “يؤمن ارتباطات رومانسية وجنسية بين المثليين ومزدوجي الميل الجنسي”، مما أجبر مزودي خدمة الإنترنت على حظر التطبيق أيضاً.
ترافقت الزيادة في المواقع المحجوبة مع زيادة في عمليات الاعتقال المتعلقة بحرية التعبير، والتي وثقناها على منصة “مُحال” (Muhal.org). ولاحظنا اتجاهاً جديداً للسلطات في ملاحقة ومعاقبة المواطنين/ات الذين/اللواتي ينتقدون النظام المصرفي عبر الإنترنت منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019. وثّقنا ثلاث حالات من هذا النوع، بما في ذلك قضية اتهم فيها أحد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي مصرف ” إس جي بي أل” (SGBL) بالتسبب بأزمة الدولار، وحالة أخرى ادّعى فيها شخص أنّ مصرف “سيدروس بنك” Cedrus) Bank) يهرّب دولارات الموجودة لديه إلى الخارج هذه الإجراءات من حجب التطبيقات واحتجاز المنتقدين/ات للنظام المالي تشكّل سابقة خطيرة.
بعض التوصيات:
بناءً على زيادة نسبة حجب المواقع، ومعالجة الحكومة اللبنانية لهذه المشكلة بشكل عام، نقدم التوصيات التالية:
- أولاً وقبل كل شيء، ندعو الحكومة اللبنانية إلى التوقف عن حجب المواقع والتطبيقات من دون مراعاة الإجراءات القانونية المرعية الإجراء
- ندعو هيئة “أوجيرو” أن تكون أكثر شفافية حول المواقع والتطبيقات المحظورة من خلال تزويد الجمهور بقائمة كاملة بالمواقع المحجوبة، والأسباب التي استند إليها القضاء أو المدعي العام لتنفيذ الحجب.
- إذا استمرت سلسلة الحجب هذه، فإننا ندعو وزارة الاتصالات لتوضيح العملية حتى لا تُحظر خدمات أخرى مثلما كان حظر “فايربايس” غير ضروري، عرّض عمليات عدد من الشركات اللبنانية والشركات التقنية الناشئة للخطر.
بدورنا نجري المزيد من التحليل التقني للتقنيات التي تستخدمها السلطات في حجب التطبيقات. ونذكّر أنه يمكن الوصول إلى جميع التطبيقات المحجوبة عبر استخدام ‘الشبكات الافتراضية الخاصة’ (VPN).