يمرّ الإنترنت في اليمن منذ فترة بمرحلةٍ من عدم الاستقرار بسبب الحرب وانقسام البلاد، بحيث شهدت البلاد مراراً انقطاعاً للإنترنت وبطءاً في سرعته، بالإضافة إلى حجب الكثير من المواقع الإلكترونية، بما ينتهك حقوق اليمنيين/ات في حرّية التعبير والوصول إلى المعلومات وتهديد حرّية الصحافة الهشة أصلاً.
والآن، بعدما كانت الشركة الوحيدة المزوّدة للإنترنت في اليمن هي شركة “يمن نت” الحكومية في صنعاء والتي تقع تحت سيطرة الحوثيين، تعمل حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي على إطلاق وتشغيل شركة “عدن نت” لتكون مزوّداً للإنترنت انطلاقاً من عدن التي يسيطر عليها التحالف بقيادة السعودية. فهل يتحسّن وضع الاتّصال والحرّيات الرقمية في اليمن أم تكون “عدن نت” مثل سابقتها؟
خدمات بطيئة ومتقطّعة
يستخدم اليمنيون حالياً شبكة “يمن نت” المتمركزة في صنعاء التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، وهي الشركة الرسمية التي أُسِّست قبل بداية الحرب في اليمن وكانت تحت إدارة الدولة، وتحديداً “المؤسسة العامة للاتصالات” التابعة لوزارة الاتصالات اليمنية. واستمرّت “يمن نت” في تقديم خدمات الإنترنت على مختلف الأراضي اليمنية رغم الحرب، غير أنّ الاضطرابات منعت الشركة الحكومية من صيانة شبكة “دي إس إل” (DSL) أو تطويرها مع ازدياد الإقبال على الإنترنت.
ويقول فهمي الباحث، رئيس منظّمة “مجتمع الإنترنت في اليمن” (Internet Society Yemen)، لـ”سمكس”، إنّه “بالرغم من انقسام البلاد، بقي موظفو “المؤسسة العامة للاتصالات” مستمرّين في عملهم ويقبضون رواتبهم، وذلك لأنّ حكومة صنعاء [الموالية للحوثيين] تريد استمرار العوائد المالية الناتجة عن قطاع الاتصالات”.
يشير الباحث إلى أنّ “شبكة الإنترنت في اليمن لا تزال قديمة ومن الجيل الثالث والاشتراك بها مكلف للمواطنين، وهذا لا يتناسب مع ازدياد أعداد المشتركين الذين يرغبون في متابعة الأخبار ومواكبة التطوّرات عبر المواقع الإخبارية أو وسائل الإعلام الاجتماعي”. ويضيف أنّ “الإنترنت السلكي واللاسلكي يصبح أكثر بطأً في المدن المزدحمة، وإذا أراد أحد ما الاشتراك بخط إنترنت جديد لا يمكنه ذلك لأنّ الشبكة لا تتحمّل على حدّ قول العاملين في السنترال”.
وكون الإنترنت السلكي لا يصل إلى المناطق البعيدة والريفية، عمدت شركات خاصة إلى إنشاء شبكات تستمدّ الإنترنت من اشتراكات رسمية ومن ثمّ توصله إلى المناطق النائية عبر أنتينات لتبيعها للمواطنين، بحسب الباحث. أمّا الشركات التي تحتاج إلى الإنترنت السريع، مثل البنوك، فيلفت الباحث إلى أنّها “تستخدم الإنترنت عبر الستالايت [أو اشتركات من ’يمن نت‘] وذلك بتكلفة مرتفعة جداً”.
شركة جديدة ومخاوف جديدة
تقول شركة “عدن نت” على موقعها إنّها توفّر إنترنت عالي السرعة وبأسعار أقلّ، من خلال إنترنت سلكي يستهدف الشركات والمؤسسات والمرافق الحكومية والبنوك عن طريق الألياف الضوئية، وإنترنت لاسلكي يستهدف الأفراد بالاعتماد على أبراج الإرسال التي تعمل بتقنية الجيل الرابع (4G). ولكنّها، مثل “يمن نت”، لم تنشر أيّ سياسة خصوصية أو شروط خدمة على موقعها الإلكتروني، ما يثير أسئلة حول حجب المحتوى والمواقع الإلكترونية إضافة إلى حقوق المستخدمين.
لا تُعتبر فلترة المواقع الإلكترونية أمراً غريباً في اليمن، إذ سبق أن قطعت شركة “يمن نت” الإنترنت في أواخر العام 2017، وحجبت مواقع إخبارية ومنصات تواصل اجتماعي مثل “فيسبوك” و”تويتر” و”تيليغرام”، حسبما أفاد ناشطون لـ”سمكس” في وقتٍ سابق. ويؤكّد الباحث أنّ هذا “يحصل منذ فترة، حتى أنّ مدونتي الشخصية محجوبة منذ عام 2015، كما أنّ الشركة لا تُبلغ المستخدمين عند انقطاع الإنترنت ولا حتّى تخبره بما جرى بعد عودة الاتّصال”. ولا يبدو أنّ سلوك الشركة الجديدة سيكون مغايراً كثيراً، إذ يشير الباحث إلى أنّه “كان من المقرّر أن تنطلق في 30 تموز/يوليو ولكنّ إطلاقها تأخّر من دون أن يوضح أحد الأسباب”.
من جهةٍ ثانية، فإنّ شركة “عدن نت” المدعومة من الإمارات تحصل على الإنترنت من السعودية، ولن تعتمد على الكابلات البحرية الموجودة في عدن، وفقاً لتقرير نُشر على موقع شركة “أوراكل” (Oracle). وارتباط الشركة بكلّ من الإمارات والسعودية يضع علامات استفهام بشأن حجب المحتوى والحرّيات الرقمية، خصوصاً وأنّ هاتين الدولتين، وغيرهما من دول الخليج، تستخدمان تقنية كندية لحجب المواقع الخاصة بمختلف المؤسسات الإخبارية والمواقع الإلكترونية المعارضة، والمواقع الإخبارية الدولية الكبرى، والمواقع التي تعنى بحقوق الإنسان، بالإضافة إلى حجب أدوات تجاوز حجب المواقع على الإنترنت، كما ورد في تقرير “بلانت نت سويبر” (Planet Netsweeper) الذي نُشر في أبريل/نيسان.
بالإضافة إلى ذلك، تمارس السلطات في كلّ من السعودية والإمارات دوراً قمعياً على الناشطين عبر الإنترنت. فالسلطات السعودية بدأت منذ شهر أيار/مايو الماضي حملة اعتقالات طالت ناشطين وناشطات في مجال حقوق الإنسان، أغلبهم من النساء اللواتي يدافعن عن حقوق المرأة من بينها حق المرأة في القيادة الذي أصبح متاحاً خلال العام الجاري. كما أعلنت “منظمة العفو الدولية” (Amnesty)، في حزيران/يونيو الماضي، أنّ أحد موظفيها، إضافة إلى ناشط سعودي مقيم في الخارج، تلقّيا رسالة “واتساب” ذات مضمون مضلّل يتعلق بالسعودية، “تحتوي على وصلات تعتقد المنظمة أنّها تستخدم في توزيع وتفعيل برمجيات معقدة للتجسس على الهواتف الجوالة”.
كان الناشط في مجال حقوق الإنسان، أحمد منصور، قد تعرّض لهجوم من برمجيات تجسّس مرّتين، قبل أن يُعتقل في مارس/آذار 2017 ومن ثمّ يُحكم عليه في أيار/مايو بالسجن لمدّة عشر سنوات وغرامة بقيمة مليون درهم إماراتي (270 ألف دولار)، بسبب نشاطه على وسائل التواصل الداعم لحقوق الإنسان وحرية الناشطين في الإمارات مثل الدكتور محمد الركن الذي اعتُقل قبل منصور وحُكم عليه بالسجن لعشر سنوات أيضاً.
وفي حين نشرت صحيفة “الإندبندنت” (The Independent) البريطانية نشرت تقريراً في أيار/مايو ذكرت فيه أنّ الإمارات تنشئ شبكة اتصالات “إماراتية” في جزيرة سقطرى اليمنية، لفت تقرير منشور على أحد المواقع المقرّبة من الحوثيين في الشهر الماضي إلى أنّ مشروع “عدن نت” مرتبط أيضاً بالإمارات ويهدف إلى “تقسيم المؤسسات الوطنية والتجسّس على المستخدمين وفرض الرقابة عليهم من خلال ربط الشبكة بمناطقهم”.
يرى الباحث أنّ الأمور تصبّ في مصلحة المستخدمين، “ففي الوقت الحالي لن تقطع حكومة الرئيس هادي الإنترنت القادم من صنعاء لأنّ ’عدن نت‘ لا تغطي مدناً كثيرة في الوقت الحالي، حتّى أنّها لا تغطّي كامل مدينة عدن”. وبالتالي، “سيُتاح خياران تنافسيّان: اشتراكات ’دي إس إل‘ من شركة ’يمن نت‘ والمنتشرة في الكثير من المناطق، واشتراكات الإنترنت اللاسلكي الذي تقول ’عدن نت‘ إنّه ذو سِعات أكبر وأسرع وبأسعار أقلّ”.
ويضيف أنّ “’عدن نت‘ لن تحجب أيّ موقع ما عدا المواقع الإباحية التي تتنافى مع الثقافة الدينية والاجتماعية في اليمن، كما قال وزير الاتصالات أبلغنا خلال لقائنا به”.
بغضّ النظر عن الأمور السياسية، يجدر بالشركتين أن تنشرا سياسة الخصوصية وشروط الخدمة من أجل حماية حقوق المستخدمين في الاتّصال وحرية التعبير على الإنترنت.