انتشر على وسائل التواصل يوم أمس أخبار حول نيّة السلطات السورية قطع خدمة الإنترنت بالتزامن مع امتحانات الشهادة الثانوية ابتداءً من 7 حزيران/يونيو 2023.
ليست هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها الحكومة السورية إلى قطع الإنترنت عن المواطنين/ات خلال فترات مشابهة، ففي أيار/مايو 2018، وآب/أغسطس 2020 قطعت السلطات الإنترنت خلال فترة امتحانات الشهادة الثانوية، وفي الشهر نفسه عام 2022 نشرت شركة الاتصالات جدولا مشابهاً يحوي مواعيد حجب الخدمة والمناطق التي ستتأثر بالقرار، وقالت الشركة في بيان هذا الإجراء نُفّذ “بطلب من وزارة التربية لضمان سير العملية الامتحانية ومنعاً للاختراقات والاعتداء الإلكتروني على امتحانات الشهادة الثانوية”.
للمفارقة، تلت هذه الخطوات وعوداً كان وزير التربية الحالي دارم طباع أطلقها في حزيران/يونيو 2021 أنّ حجب الإنترنت خلال فترة الامتحانات سيلغى ابتداءً من العام الدراسي (2021 -2022)، مدعياً أن الهدف من الحجب كان “تفادي اتخاذ خطوات مفاجئة من شأنها أن تؤثر على الطلاب والأهالي والمسؤولين عن الامتحانات”.
آثار خطيرة لقطع الإنترنت في سوريا خلال الامتحانات
من جهته، يقول الدكتور في الإعلام الرقمي في جامعة دمشق، أحمد الشعراوي، في مقابلة مع “سمكس” إن “عملية قطع الإنترنت خلال فترة الامتحانات الرسمية حتى الساعة لم تجدِ نفعاَ، ولم تمنع الغش”.
“على وزارة التربية اتخاذ إجراءات مختلفة لمنع التسريب دون المساس بالوسيلة الحيوية الوحيدة في البلاد، فهم (أي السلطات)، وبدلاً من البحث عن أساليب فعّالة، طبّقوا الحل الأسهل وغير المجدي، فقطع الإنترنت يؤثر على أعمال الكثيرين، ويتسبّب بتعطيل المصالح التجارية والاقتصادية”، يضيف الشعراوي لـ”سمكس”.
بدوره، يشير مصمم الغرافيك طارق قضماني في مقابلة مع “سمكس” إلى أنّ قطع الإنترنت يتسبّب في توقّف عجلة العمل، خاصة في المهن التي تتطلّب الوصول إلى مواقع الويب والتواصل بين عدّة أطراف، إضافة إلى العاملين/ات بدوامات جزئيّة ولا يملكون مساحات عمل مجهّزة.
“يتسبب قطع الإنترنت بالتقليل من إنتاجية الأفراد وتمنعهم من الالتزام تجاه أعمالهم ومشغّليهم، خاصة عندما يكون العامل منّا مسؤولاً تجاه مؤسسات تعمل خارج سوريا، ويصعب تفهّمها لأعذار مثل قطع الإنترنت”، يضيف قضماني.
خبراء اقتصاديون سوريون حذّروا بالفعل في أوقات سابقة من أنّ لقطع الإنترنت آثاراً خطيرة، خصوصاً “مع تضرر القطاع المصرفي خلال ساعات القطع، بسبب توقف عمليات الإيداع والسحب المرتبطة بالإنترنت”، بحسب المحلل الاقتصادي عمار يوسف، الذي يضيف في حديث صحافي في العام 2021 أنّ “حالة الاحتياجات الاضطرارية سواء في الإطفاء، الإسعاف، الحوادث، جميعها تتأثر بقطع الاتصالات والإنترنت”.
ونوّه يوسف إلى أنّ القطع يؤدي أيضاً إلى اختفاء تواصل البلاد مع كل دول العالم وخروجها من المنظومة العالمية في لحظة من اللحظات، وأنّها تسبّب حالة من الضيق عند المواطن والمؤسسات الحكومية، وتُعطل سير المعاملات صباحاً، وتتسبب بشلّ قطاعات الدولة والشركات الخاصة.
عدوى إقليمية
تعمد بعض الحكومات العربية منذ عام 2015 قطع الإنترنت خلال فترات الامتحانات للحدّ من تسريب المعلومات ومنع الغشّ. وعندما يحدث ذلك، تتوقّف أجزاء من شبكة الإنترنت أو تتوقّف الشبكة بأكملها عن العمل أو تتباطأ سرعة الإنترنت بشكل كبير، وهي ممارسة تُعرَف أيضاً بـ”إبطاء خدمة الإنترنت” (throttling). وبالرغم من عدم فعّالية هذه الممارسة، استمرّت الجزائر والسودان والأردن وسوريا بتطبيقها حتّى عام 2021. بالإضافة إلى الضرر الاقتصادي الكبير على المدى القريب والبعيد، على المجتمع على نطاقٍ واسع.
إلى جانب قطع الإنترنت، أفادت وسائل إعلام سوريّة في 17 أيّار/مايو 2017 أنّ الشركة السورية للاتصالات قطعت، بشكل مفاجئ، خطوط الهواتف الثابتة عن المشتركين/ات، على الرغم من أنهم سددوا الفواتير.
يقطع كلٌّ من سوريا والعراق الإنترنت خلال الامتحانات الرسمية الإعدادية والثانوية (البريفيه والبكالوريا في سوريا) باستمرار منذ العام 2015، كما التحقت الجزائر بركب هاتين الدولتين عام 2016، متبوعة بموريتانيا في العام المنصرم.
يؤثّر قطع الإنترنت على المجتمع تأثيراً كبيراً ومتنوّعاً. فمن الناحية العملية، يحرم الناس من حقوقهم، مثل حرّية التعبير والحصول على المعلومات، والحقّ في التعليم والحقّ في العمل. ومن ناحية أخرى، يؤدّي إلى تزعزع ثقة الناس في خدمة الإنترنت لا سيما وأنّ الإنترنت غير الموثوق يثير علامات استفهام حول مركزيته.
ينتج عن قطع الإنترنت أيضاً خسائر اقتصادية على نطاق واسع، فقد قدّر تقرير نشرته شركة “ديلويت” عام 2016 أثر قطع الإنترنت المؤقّت في دولة متّصلة بالإنترنت إلى حدِّ كبير بحوالي 23.6 مليون دولار لكلّ 10 ملايين شخص في اليوم الواحد. كما نشر “معهد بروكجنز” في العام ذاته دراسة خَلُصت إلى أنّ قطع الإنترنت في 19 بلداً، نصفها تقريباً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يكلّف الناتج المحلي الإجمالي حول العالم خسائر بحوالي 2.4 مليار دولار.
للمزيد حول أساليب اللجوء إلى قطع الإنترنت بحجّة مكافحة عمليات الغش وتقييم آثار هذا القرار على المجتمع والاقتصاد وعلى الإنترنت ككل خلال عام 2021، يمكنكم/ن الاطلاع على هذا التقرير الذي يركّز على أربعة دول أساسية هي الجزائر والأردن والسودان وسوريا، والتي تسعى في الوقت نفسه إلى تطوير اقتصادياتها الرقمية.
تراقب “سمكس” وشركاؤها في المنطقة “أكسس ناو” و”مجتمع الإنترنت” (ISOC) قرارات الحكومات المتعلّقة بقدرة المستخدمين/ات على الوصول إلى خدمات الاتصالات والإنترنت.
#لا_لقطع_الإنترنت_خلال_الامتحانات #NoExamShutdown #KeepItOn