“هناك أشخاص لا فكر لهم، وحرية التعبير التي يتحدثون عنها يتمتعون بها رغم أنّهم يعيشون في غيبوبة فكرية”.
هذا بعض ما قاله الرئيس التونسي قيس سعيد الثلاثاء الماضي في فيديو بثته الصفحة الرئيسية للرئاسة التونسية على موقع “فيسبوك”، لينفي قمع الحريات في تونس. ولكنّه عاد وأكّد أنّ “من يريد أن يعبث بالدولة التونسية ويشكّك في الحريات في الداخل والخارج هو إما عميل، أو شخص مصاب بغيبوبة فكرية عميقة لن يفيق منها أبداً”.
وبعد يوم واحد فقط من تصريح سعيد، يوم الاحتفال بـ”اليوم العالمي لحرية الصحافة”، استدعت الشرطة الصحافي في إذاعة “كاب أف أم”، أمين ذويبي، للمثول من أجل التحقيق يوم 16 أيار/مايو. لم يتضمّن استدعاء الشرطة هوية الشاكي به أو التهمة الموجهة ضدّه، حسبما يقول ذويبي في تصريح لـ”سمكس”.
ولكن خولة شبح، منسّقة وحدة رصد الانتهاكات الواقعة على الصحفيين التونسيين في نقابة الصحافة، صرحت في إذاعة “ديوان أف أم” المحلية، أنّ الشاكي بالصحافي أمين ذويبي هو وزير الشؤون الدينية، على خلفية تعليق وضعه الذويبي على منشور الصحافي محمد بوغلاب الذي يحاكم بموجب المرسوم عدد 54 والذي أحيل عليه ذويبي أيضاً. وذكر موقع “جينات” التونسي أن ذويبي يواجه تهمة “تكوين عصابة” بسبب تعليقه المتضامن مع بوغلاب.
نكسة للصحافة
في ظرف عامين، تراجعت تونس من المراكز التي تعتبر مؤشراً لحالة حرية التعبير حسب التصنيف الذي تعلن عنه منظمة “مراسلون بلا حدود” كلّ عام خلال الاحتفال بـ”اليوم العالمي لحرية الصحافة” في 3 أيار/مايو.
تقهقرت تونس إلى المرتبة 121 من ضمن 181 دولة شملها التصنيف، وأصبحت ضمن 38 دولة يقدّر فيها وضع حرية التعبير بالوضع غير الآمن، حسب تقرير “مراسلون بلا حدود”، والذي عزا هذا التراجع إلى المؤشرين السياسي والتشريعي، لا سيما بعد ما يعرف بالإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 تموز/يوليو 2021.
من جهتها، أرجع تقرير الحريات السنوي الذي تنشره النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في 3 أيار/مايو من كل سنة أغلب الانتهاكات التي سجلتها وحدة رصد الانتهاكات التابعة لها، السنة الماضية، إلى ما يسمى بالإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس التونسي قيس سعيد قبل عامين.
وقال تقرير النقابة إنّ “السياسـات الحكوميـة والممارسـات اليوميـة تسـير علـى النحـو الـذي رسـمه سعيّد لتجسـيد الانغلاق أمـام الصحافـة والتعتيـم علـى المعلومـة”، مضيفاً أنّ محاكمات الرأي التي طالت الصحفيات والصحفيين بمقتضى المرسوم عدد 54 هي أكثر ما يميّز السنة الماضية، وهي محاكمات طالت نشطاء ومحامين ومدونين وسياسيين على خلفية آراء على صفحات في موقع فايسبوك أو تصريحات في وسائل الإعلام.
تقول أميرة محمد، نائب رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، في تصريح لـ”سمكس”، إنّ قيس سعيد تجاهل مراسلات النقابة المنبهة لخطورة وضع حرية التعبير في تونس وإنّه لم يستجب لطلبها بسحب المرسوم عدد 54.
وتضيف أنّ “تراجع ترتيب تونس في تصنيف وضع حرية الصحافة والتعبير للإطار التشريعي، بخاصة بعد إصدار المرسوم عدد 54”. هذا المرسوم الذي تعتبره أميرة محمد “يهدد حرية التعبير في كل المحامل، طاول بتعسّفه الصحافيين والناشطين والسياسيين بسبب دعاوي رفعها وزراء مثل وزيرة العدل ووزيرة الثقافة ووزير الشؤون الدينية”.
يحصي تقرير الحريات السنوي الذي أصدرته النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين 17 قضية ضدّ صحافيات وصحافيين، أربعة منها أُحيل فيها صحافيون على معنى قانون الإرهاب وهو العدد نفسه للإحالات بمقتضى المرسوم عدد 54 في حين تمت مقاضاة صحفي على معنى قانون الاتصالات، وكان لقانون الجنايات النصيب الأكبر من عدد الإحالات بتسعة قضايا على معنى هذا القانون.
وعود منقوصة
قد تبدو الحكومة التونسية في موقف أقلّ حدّة عند حديثها مع بعض المظّمات، غير أنّ ممارساتها تشي بالعكس.
يقول سمير بوعزيز، مسؤول المناصرة بمكتب “مراسلون بلا حدود” بشمال أفريقيا، في تصريح لـ”سمكس”، إنّه أطلع وزير الداخلية التونسي خلال لقائه به الأسبوع الماضي على مخاوف المنظمة من القوانين التي يُحاكم على خلفيتها الصحفيون. وكشف أنّه “في حين ذكّرنا وزير الداخلية بموقفنا من المرسوم عدد 54 ودعونا لسحبه، رأى الوزير أنّ القانون موجود من أجل تنظيم العمل وأنّه لا يستهدف الصحافيين”.
ويشرح بو عزيز أنّه عبّر للوزير عن موقف منظمة “مراسلون بلا حدود” بخصوص المرسوم الذي “يمسّ بحرية التعبير ونقل المعلومة ومشاركتها ونشرها التي نصت عليها المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ويكشف لـ”سمكس” كذلك أنّ “وزير الداخلية استثناء الصحفيين من تطبيق المرسوم”، غير أنّ بو عزيز أصرّ على أن تسحبه الحكومة “لأنّ ضرره طال كل المواطنين وضرب حقوقهم في التعبير على المحامل الإلكترونية خاصة”، كما يقول لـ”سمكس”.
يواجه الصحافيون التونسيون تضييقاً كبيراً على عملهم بسبب عملهم أو بسبب مواقفهم المنتقدة للحكومة وللرئيس قيس سعيد، والتي قوبلت إما بمحاكمات أو بالتحريض والتشهير ضدهم على شبكات التواصل الاجتماعي.
وتم التحريض ضدّ الصحافيات في 17 مناسبة بنشر المعطيات الخاصة بهنّ على صفحات فيسبوكية، حسب التقرير السنوي لـ”النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين”، استناداً إلى حالات رصدتها وحدة رصد الانتهاكات الواقعة على الصحفيين بالنقابة.
“أصبـح عشرات الصحافيين والصحافيات ضحايـا السـحل الإلكترونـي، حيـث يتـم استهدافهم بسبب انتقادهم للسياسات العامــة وفتحهم للنقــاش العــام حولهـا. كمــا تــم تحديــد الصحفييــن والصحفيــات بأفعــال غيــر قانونيـة كالعنــف المــادي واستهداف أبنائهم وعائلاتهم علــى خلفيــة مواقــف قــد أبدوها وإدارتهم للنقــاش العــام”، يخلص تقرير النقابة.