تجري الانتخابات النيابية المقبلة في لبنان، المقررة في 15 أيار/مايو 2022، في ظل انهيار اقتصادي شامل وترهّل للدولة اللبنانية بسبب توالي الأزمات خلال الثلاث سنوات الماضية، من جائحة كورونا، إلى انفجار مرفأ بيروت، وصولاً الى الأزمات السياسية والاقتصادية الضخمة.
عقد “تحالف حرية التعبير في لبنان” بمشاركة مجموعات مستقلة من المجتمع المدني، في شهي نيسان/أبريل، طاولة مستديرة لمناقشة واقع حرية التعبير في لبنان قُبيل الانتخابات النيابية وخلالها وبعدها. تطرق النقاش إلى أهم الإشكاليات المتعلقة بالانتخابات، من الحملات الانتخابية والإنفاق الانتخابي إلى المساحة الحرة المتاحة على أرض الواقع وأونلاين. بالإضافة إلى ذلك، استعرض المشاركات والمشاركون مواضيع ذات صلة مثل انتشار الأخبار الزائفة والمزيفة، ودور شركات التكنولوجيا، ودور الإعلام التقليدي والبديل. وفيما يلي أبرز الخلاصات.
الإعلام والإعلان أثناء الانتخابات
ثغرات قانونية كثيرة تحول دون تكريس حرية التعبير، وتفرغ الجهات الرقابية من دورها، وتجرّد القوانين من فحواها. على سبيل المثال، الإنفاق الانتخابي ورقابة هيئة الإشراف على الانتخابات، يُعتبران من المسائل الأساسية الشائكة. ميّز “قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب” رقم 44/2017، بين الإعلان المدفوع والإعلام قبل أن يتوسّع ليشمل الوسائل الالكترونية. مهما اختلفت تقنيتها. ويخضع الإعلام والإعلان الانتخابيين لرقابة “هيئة الإشراف على الانتخابات” التي تواجه صعوبات في تنفيذ مهمتها سواء بسبب حصر صلاحيتها من قبل النصوص القانونية بوسائل الإعلام دون المرشّحين/ات، أو بسبب العقبات اللوجستية الناجمة عن الأزمة الاقتصادية.
بالإضافة إلى ذلك، أصبحت وسائل الإعلام تبيع الظهور الإعلامي كما لو أنّه إعلان مدفوع، وتمتنع عن التصريح عن المبالغ التي تدفع من أجل تأمين ظهور المرشحين/ات. بوما أنّ رقابة “هيئة الإشراف على الانتخابات” هي رقابة لاحقة، فهي لن تردع المرشحين/ات من تخطي سقف الإنفاق الانتخابي كما حصل في انتخابات 2018.
وفي خطوة يمكن أن تعزّز الشفافية والرقابة على الإنفاق الانتخابي، أدرجت شركة “ميتا” لبنان ضمن لائحة “فيسبوك” للرقابة على الإعلانات السياسية والانتخابية اعتباراً من 22 آذار/مارس، وبالتالي تطبيق سياسات تفرض تأكيد هوية من ينشر الإعلان السياسي أو الانتخابي في لبنان، والتأكّد من وجوده في لبنان عند نشر الإعلان.
وعلى الأرض، يمنح قانون البلديات (المادة 74 منه) للبلديات صلاحية تنظيم وضع الإعلانات في الأماكن العامة وملاحقة المخالفين. ولكنّ أغلب البلديات لا تدرك أنّ هذه المهمة تدخل ضمن صلاحياتها واختصاصها، وفق استطلاع أجرته “الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات” (LADE). في المقابل، عبّرت بلديات أخرى عن عدم قدرتها لوجستياً على القيام بتلك المهمة، وهو ما يجب أن تلحظه هيئة الإشراف.
حماية خصوصية الناخبين
في الأشهر الماضية وصل لمستخدمي/ات أرقام هواتف اللبنانية رسائل نصية قصيرة تروّج لحملات انتخابية، ما يشكل مخالفة واضحة لـ”قانون المعاملات الالكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي” (المادة 32 منه). وهذا يثير التساؤل عن مدى الرقابة التي تفرضها الدولة على شركات الترويج التي تجمع البيانات وتبيعها للمرشحين/ات، بمخالفةٍ واضحة للقانون. كما رُصِدَت حالات مماثلة لوصول رسائل غير مرغوب بها عبر تطبيق “واتساب” بعدّة أوجه، ومنها إضافة المستخدم/ة إلى مجموعة يديرها رقم مجهول تصل إليها رسائل ترويجية وانتخابية قبل الخروج من المجموعة.
تأثير الحالة الاقتصادية على تكافؤ الفرص وحرية التعبير
يبرز عدم تكافؤ الفرص بين المرشحين/ات بسبب الأزمة الاقتصادية، فقد أصبحت كلفة الترشّح وتنظيم الحملة الانتخابية تتطلّب مبالغ مالية طائلة يصعب على المواطن العادي الوصول إليها، إما بسبب تمنع المصارف عن منح المودعين مدخراتهم أو بسبب تدهور قيمة الأجور الناتج عن فقدان الليرة اللبنانية حوالي 90% من قيمتها الشرائية. بالمقابل نتج عن الأزمة الاقتصادية زيادة ظاهرة “الزبائنية السياسية” السائدة لضمان قاعدة شعبية صلبة، وذلك من خلال تقديم المرشحين/ات لخدمات ومساعدات من تأمين أقساط مدرسية، إلى تسديد فواتير استشفاء المرضى وتأمين وظائف وغيرها من الخدمات، مقابل الحصول على أصوات الناخبين.
مضايقات على الأرض
لا يستطيع المرشحوان/ات في بعض المناطق التواصل بحرية مع الناخبين بسبب المضايقات التي تحصل على الأرض، كما لا تحظى نشاطاتهم/ن بتغطية إعلامية. وتتفاوت المضايقات بين التهديد والإقصاء أو المقاطعة الاقتصادية لمن يستضيف نشاطاً انتخابياً لجهة مختلفة سياسياً على سبيل المثال.
تحدّيات لوجستية يوم الانتخابات
سيواجه يوم الانتخابات تحدّيات لوجستية وقانونية كثيرة. على الصعيد اللوجستي، لم تؤمّن الدولة بعد التغذية بالتيار الكهربائي على مدار الساعة ليوم الانتخابات، والحلول المطروحة لا تعدو إمكانية استئجار البلديات للكهرباء من أصحاب المولدات مقابل مبالغ مالية طائلة. ولكن، ماذا لو كان أصحاب المولّدات يميلون إلى أطراف سياسية ومرشحين/ات معيّنين؟
وفي حين يبدي عدد غير قليل من القضاة اعتذارهم عن تكليفهم للإشراف على الانتخابات، تبرز مشكلة تأمين النقل والمنامة لرؤساء الأقلام والكتّاب الذين خُصّصت لهم مبالغ لا تكفي حتّى للتنقّل بين المناطق. وهذا ما يمكن أن يؤثّر على حسن سير العملية الانتخابية، لأنّه سيصبح من الأسهل إغرائهم المؤتمنين على العملية الانتخابية بالأموال أو الخدمات ما يهدد شرعية وصحة العملية الانتخابية.
حرية التعبير بين التجريم وقلة الضمانات
منحت المادة 74 من قانون الانتخابات حماية للوائح الانتخابية من خلال تجريم القدح والذمّ بها. وفي السنوات القليلة الماضية، ازداد استخدام نصوص قانون العقوبات المتعلّقة بالقدح والذم من قبل أصحاب النفوذ للادعاء على المعارضين والصحافيين. يضاف إلى ذلك افتقار “قانون حماية كاشفي الفساد” للآليات التي تؤمن تلك الحماية، إذ يشترط القانون على كاشف الفساد إيداع تقرير لدى “هيئة مكافحة الفساد” فقط دون تحديد آليات عملية لحماية كاشفي الفساد بعد نشرهم تقاريرهم الاستقصائية أو الصحافية. وكلّ هذه الممارسات تحدّ من قدرة الناخبين على الوصول إلى المعلومات.