في 20 و21 تشرين الثاني/نوفمبر، اجتمع نحو 200 شخص من 20 بلداً في بيروت، حيث شاركوا/ن في 35 ندوة وورشة عمل خلال ملتقى “خبز ونت” للحقوق الرقمية في المنطقة العربية.
ساهم “خبز ونت” – الذي نظّمته “سمكس” بالتعاون مع الرعاة والشركاء – في إنشاء مساحة فعلية لمناقشة التكنولوجيا والمجتمع في بيئة ودودة وآمنة تدعمها مدوّنة قواعد السلوك الخاصة بالفعالية. وتميّز الملتقى بقيادة ناشطين/ات وتقنيين/ات ومحامين/ات وفنانين/ات وصحافيين/ات لمحادثات حول مواضيع مختلفة: السياسة في السياقات الصعبة، والشبكات والمجتمعات، والثقافة وإنتاج المعرفة عبر الإنترنت، واللغة والتوطين.
نقاش إقليمي
انعقدت معظم الجلسات وورش العمل تقريباً باللغة العربية وحضرها مشاركون/ات من مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فشكّل ملتقى “خبز ونت” مساحة للغوص في القضايا الملحّة التي تواجهها المجتمعات في المنطقة. وكان من دواعي سرورنا أنّ النساء شكّلن أكثر من 50% من الحضور، وأنّ نسبتهنّ تساوت مع الرجال بين المتحدثين/ات ومديري/ات الجلسات.
قبل اليومين الأساسيين للملتقى، انعقدت فعاليات إضافية مثل عرض الفيلم الوثائقي “ذا كلينزر” (The Cleaners) متبوعاً بنقاش حول الإشراف على محتوى وسائل التواصل الاجتماعي. وقبل يوم من انطلاق “خبز ونت”، قاد شركاؤنا “حبر” و“مؤسسة التعبير الرقمي العربي” (“أضف”) ورشة عمل جماعية حملت اسم “معجم-ثون” بهدف إنشاء معجم مصطلحات تقنية عربي.
أصبحت التكنولوجيا والمجتمع مرتبطين بشكل وثيق، ولا عودة إلى الوراء – لذا أيّ مستقبل (رقمي) نريد؟ إليكم/ن بعض الخلاصات الرئيسية من “خبز ونت” 2018:
القوانين والسياسات الرقمية مهمة، ولكنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تزال متأخّرة
خلال إحدى الندوات الافتتاحية في اليوم الأول من “خبز ونت” والتي كانت بعنوان “كيف نقاوم قوانين الجرائم الإلكترونية الفظّة في المنطقة العربية؟”، قالت القاضية اللبنانية هانية الحلوة إنّ “حرية التعبير مقدّسة… ينبغي التمييز بين النقد والإهانة”. وفي الجلسة نفسها، تم انتقاد القوانين الحالية ومشاريع القوانين، فقد قال المحامي الأردني عمر العطعوط إنّ مشروع قانون الجرائم الإلكترونية في الأردن “يتعارض مع المواثيق الدولية والممارسات الفضلى”. من جهة ثانية، ينبغي الاهتمام أيضاً بتطبيق الأطر القانونية: أشار المحامي المصري حسن الأزهري إلى أنّه “فيما يتعلّق بالجرائم الإلكترونية في مصر، غالباً ما يُحتجز الأشخاص من دون أي قرار”. وفي جلسة أخرى بعنوان “العدوان الثلاثي على الحريات الرقمية في فلسطين”، لفتت منظمة “حملة” إلى أنّه في عامي 2015 و2016 تم احتجاز 400 شخص، صدرت اتهامات بحق 200 منهم مؤخراً، بذريعة التحريض على العنف والإرهاب” في المحتوى الذي نشره وشاركه هؤلاء عبر الإنترنت.
على الشركات أن تلتفت إلى وضع سياسات رقمية تحترم الحقوق
نظراً إلى انتهاك حرية التعبير على الإنترنت من قبل بعض الحكومات، ينبغي على الشركات أن تلتفت إلى وضع سياسات رقمية تحترم الحقوق في المنطقة العربية، وألّا تكون متواطئة مع الحكومات في تقليص المساحة المدنية. على سبيل المثال، تنشر 4 شركات اتصالات فقط من أصل 66 شركة اتصالات في المنطقة العربية سياسة الخصوصية وشروط الاستخدام علناً، وفقاً لبحث أجرته “سمكس” هذا العام. في جلسة بعنوان “إشراك الجهات الفاعلة من الشركات في حماية حقوق الإنسان على الإنترنت وتعزيزها”، أشارت إيمان جرادات من “الجمعية الأردنية للمصدر المفتوح” إلى أنّ الحكومات في المنطقة “تميل إلى حماية الشركات أكثر من المواطنين؛ فبالإضافة إلى عدم حماية بيانات المستخدمين كما يجب، تمنع الحكومات خدمات الاتصال عبر بروتوكول الإنترنت (VOIP) بحجة جني المزيد من الإيرادات ومواجهة الجرائم/ وذلك من دون إيلاء أي اعتبار لحقوق المستخدمين”. في جلسة أخرى بعنوان “مطالبة الشركات بالمزيد: الإشراف على المحتوى وما الذي يمكننا فعله”، دعا المتحدّثون والحضور شركات التكنولوجيا الكبرى مثل “فيسبوك” و”تويتر” إلى الاستماع – عندما تريد اتخاذ قراراتها – لأصوات الناس في المنطقة وأصوات خبراء السياسات الذين يفقهون السياق المحلّي بدلاً من الحكومات. وكان قد دُعيَ إلى ملتقى “خبز ونت” شركات تكنولوجيا عالمية وإقليمية وشركات اتصالات من المنطقة، ولكن لم يحضر سوى عدد قليل منها مثل “تويتر”. في العام المقبل، نأمل أن ينضمّ إلينا المزيد من هذه الشركات وأن تشارك في النقاش!
منصات الويكي منتشرة في المنطقة!
تبيّن في ملتقى “خبز ونت” مدى شعبية منصّات الويكي في المنطقة العربية، والويكي هو ذلك المفهوم الذي يقوم على الثقة التعاونية حيث يسمح للمستخدمين بالتعاون على إنشاء محتوى على الويب وتحريره. ثمّة التزام قوي بمنصات الويكي في المنطقة: مشروع “ويكي الجندر”؛ معجم المصطلحات التقنية العربي الذي أنشئ خلال ورشة “معجم-ثون”؛ ومنصّة “خريطة الشارع المفتوحة” (Open Street Maps) من فلسطين؛ بالإضافة إلى مشاريع “ويكيميديا” مثل “الويكي تهوى المعالم” و“ويكي بيانات”. بالإضافة إلى ذلك، أشعل موضوع الويكي النقاش في الملتقى خلال جلسة “هل ننشر على ويكيبيديا أو لا ننشر؟”. قال أحد الأعضاء في مجتمع ويكيبيديا العربية، إنّ مجتمع ويكيبيديا العربية “لم يكن مرحّباً وكان ثمّة الكثير من الأيديولوجيات المختلفة”. وقد طرح الحضور السؤال التالي: “من الذي لديه سطوة على ويكيبيديا العربية – هل نمارس الرقابة الذاتية في منطقتنا؟”.
الشبكات على الإنترنت توفر مزيداً من الحريات، ولكنها تزيد من المخاطر، وبالتحديد لبعض المجتمعات
خلال ملتقى “خبز ونت”، قام منظمون/ات في مجتمع الميم والحركات النسوية والعمال المهاجرين باستكشاف كيف يمكن أن تقدم الأدوات على الإنترنت معان جديدة للتعاون والتنظيم في الفضاء المدني، وكيف تؤدي أيضاً لحصول مخاوف جديدة بشأن الخصوصية وأشكال جديدة من التحرش وتزايد مخاطر المراقبة. على سبيل المثال، خلال نقاش ”خطاب الكراهية وتهديدات الخصوصية التي يتعرض لها مجتمع الميم“، علمنا أنه بعد الحملة على مجتمع الميم في مصر التي تلت حفلة لفرقة “مشروع ليلى” اللبنانية، قامت السلطات باتباع تكتيكات على تطبيق “غرايندر” (Grindr) للمواعدة لاكتشاف الأفراد الذين ينتمون إلى مجتمع الميم. في البلاد التي يتم فيها تجريم المثلية، كيف يمكن لفرد من مجتمع الميم الإبلاغ بشكل آمن عن تعرضه لمضايقات على الإنترنت؟ وكان الشيء الإيجابي أننا تعملنا أيضا كيفية استخدام تكنولوجيا كأداة لتوثيق التحرش ومناهضته.
هذه ليست سوى البداية! شكراً لجميع الحضور الذين واللواتي ساهموا/ن في نجاح “خبز ونت”، ونخصّ بالشكر اللجنة الاستشارية وشركاءنا.
نأمل أن نرى وجوهاً من المنطقة في المؤتمرات العالمية مثل “مهرجان حرية الإنترنت” (Internet Freedom Festival) في فالنسيا، و“رايتس كون” (RightsCon) في تونس. ترقبوا “خبز ونت” بنسخته الثانية!
ساشا ربعمد، كاتبة وباحثة من بيروت.