يصور هذا الرسم الأثر السلبي للتدخل السياسي في عمل الصحافة على حرية الإعلام. بول زاخر. 27 شباط/فبراير 2018.
فيما حُرِم اللبنانيّون من حقهم في خوض انتخابات نيابية تسع سنوات، كان الاعتماد على شبكات الإعلام الاجتماعي للتعبير عن أنفسهم في ازدياد متنامٍ. ازديادٌ ولّده غياب مساحاتٍ أخرى تتيح مجالاً لآراء اللبنانيين في القضايا السياسية والاجتماعية وغيرها. وفيما يترقّب اللبنانيّون الانتخابات النيابية الّتي ستعقد في أيار/مايو المقبل، تستقطب هذه المنصّات أكثر من أي وقت مضى آراء وانتقادات ومخاوف المواطنين، أي الناخبين المحتملين، بالإضافة لطروحات المرشحين ومقارباتهم لمطالب الناس. لكن في الحين ذاته، تتصاعد وتيرة سياسة الترهيب الذي تتبعه السلطات اللبنانية أكثر فأكثر، وتصوّبه نحو صحافيين ونشطاء ومستخدمبن ذوي آراء معارضة للسلطة. أمر قد يدفع اللبنانيين إلى التسلح بالرقابة الذاتية، لتفادي أي استدعاء محتمل بسبب مجرّد “التعبير عن الرأي”.
تلقت مؤخّراً كلّ من مذيعة الأخبار في قناة MTV اللبنانية، جيسيكا عازار، والإعلامية، مي شدياق، تحذيرين مكتوبين على خلفية إعادتهما نشر تغريدة للصحافية ديانا مقلّد، تنتقد فيها ترشيح اللواء المتقاعد جميل السيد للانتخابات النيابية المقبلة، واصفة الأخير بأنّه “صاحب الأيادي السوداء في الأمن والسياسة والصحافة والمؤامرات في حقبة التسعينات”
كان السيّد شخصياً وراء الإنذار، الذي طال شدياق وعازر ولم يطل صاحبة التغريدة الأصلية. أمرٌ دفع بالأخيرة إلى التعليق قائلةً بأن اللواء جميل السيد يسعى “لإحداث بلبلة طائفية في لبنان، وذلك لمصالح انتخابية بحتة، أنا مقتنعة أنه لن يباشر بأي دعوى وأن هدفه التسبب ببلبلة إعلامية في لبنان وهذا أمر غالبا ما يحصل هنا ويقع الجميع ضحية تلك البلبلة.”
السيد، أشار من خلال تصريحات المحامي الخاص به إلى عزمه متابعة القضية حتى النهاية تحت مسمى “القدح والذم”.
السيد قاد أيضاً معركته الخاصة على تويتر حيث تابع التغريد بعد إرسال الإنذار وكتب “تعرّضت بعض إعلاميات بالإساءة لكرامتنا بالتويتر, أرسل محامينا تبليغاً لهنّ “بإزالة الإساءة حتى لا نضطر آسفين للشكوى وآملين حسن التجاوب”! مقلد رأت أن تغريدات السيّد ذاتها حملت قدحا وذمّاً وهي تكفي “لإقامة عدة دعاوى قضائية ضده”.
إعلاميون ومدوّنون أطلقوا هاشتاغ #متضامن_مع_جيسيكا_عازار على تويتر. حيث عبّر كثر عن خوفهم من عودة أيام الرقابة الذاتية، البعض أكد أن التضامن ضروري لأن الانذارات المماثلة قد تطال أي شخص يلجأ الى شبكات التواصل للتعبير عن رأيه، وآخرون قالوا أن التضامن مع عازار ضروري أولا وأخيرا كونها صحافية والتعبير عن الرأي جزء أساسي من عملها. كما كثرت التغريدات التي أعادت نشر صور عازار مع التشديد على حرية الرأي والتعبير وأهميتها.
فقد غرّدت الإعلامية عبر صفحتها على تويتر، شاكرة الرئيس سعد الحريري على تواصله معها،كما تلقت عازار اتصالاً من وزير الإعلام ملحم رياشي، الذي أكّد وقوفه الى جانبها وجانب أي إعلامي يتعرض لقضية مماثلة.
عازار، التي ولو لم يقم السيّد بالادّعاء عليها رسمياً حتّى اللحظة، تلقت بسبب الإنذار الذي وُجّه إليهاكماً هائلا من الإساءات والتجريح والتنمر على شبكات التواصل. إساءاتٌ مستها بشكل شخصي، وتمحورت حول كونها امرأة. التجريح طالها بشكل شخصي إن كان عبر إعادة نشر تغريداتها أو عبر زج اسمها في نقاشات مهينة ومليئة بالشتائم. حيث رجّحت في تغريدة لها أنّه لو حلّ إعلاميّ شاب محلّها، لما ناقش أحد جسده أو شرفه.
وتقول عازار: “أكثر شيء مزعج كان التعليقات التي تسيء لي كامرأة، أنا لا أفهم السبب، بالنهاية فق هاجمت جميل السيد بالسياسة ولكن ردود الفعل كان تمس بشخصي كفتاة، أكاد أجزم، لو كان المستهدف من الإنذار صحافي شاب، لكانوا هاجموه بالسياسة وليس بالجسد والشرف”.
رغم أنّه لم يتم الحكم بالسجن على أحد من ضحايا حملة التضييق على حرّية الصحافة وحرية التعبير الرقمي وغير الرقمي الأخيرة بعد، إلّا أن كثرة الإنذارات والدعاوى التي طالت صحافيين وكتّاباً ونشطاء بحدّ ذاتها خلقت جواً من الحذر والمراقبة الذاتية التي باتت تكبّل أيدي كثيرين، مانعةً إيّاهم من التعبير عن الرأي بحرّية.
المحامية غيدة فرنجية أخبرت SMEX أنّ “القانون لا يلزم بتوجيه إنذار قبل تقديم شكوى بالقدح والذم، وأنّ البعض يحاكم اليوم رغم إزالتهم للمنشورات.” كما فسّرت لجوء السيّد إلى الإنذار في هذه القضية بأنّ “موضوع إعادة النشر يطال عدة صحافيين وليس شخص واحد، ولكنه [أي السيّد] يستطيع اليوم أو غداً مقاضاتهم، سواء أزالوا التغريدات أو لا، على أنه يبقى للمحكمة مجال لرد الدعوى كونها تدخل ضمن اطار النقد السياسي.”
“يستخدم الإنذار عادة من أجل إعطاء الشخص الوقت للقيام بفعل معين أو للعدول عن فعل معين قبل المطالبة بالحق أمام القضاء كالمطالبة بدفع دين ما قبل تقديم الشكوى القضائية،” أضافت فرنجية. برأيها، على السياسيين أن يتقبّلوا النقد السياسي، كونهم يعملون في الشأن العام. خصوصاً أنّ حق النقد وحق الرد مضمون في قوانين المطبوعات في لبنان.
تقول فرنجية أن النشر على مواقع التواصل الاجتماعي يخضع حالياً لقانون العقوبات العادي والذي يطبق على ما ينشر من محتوى سواء كان أو لم يكن على الويب، وبالتالي يمكن أن يطبق القانون هنا على صاحب/ة المنشور الأصلي وكل من شارك/ت بالنشر أو إعادة النشر.
يذكر أنّه وفي ظل التدخّل السياسي المستمر في عمل القضاء اللبناني، شكّلت منظمة المفكرة القانونية الائتلاف المدني لدعم استقلال القضاء وشفافيته، والذي عقد مؤتمره الصحافي الأول في بيروت عام 2017، في مقر المفكرة القانونية وفي ظلّ الاعتكاف الأطول لقضاة لبنان.
وتُشير عدة منظمات لبنانية معنية بالدفاع عن الحريات في لبنان إلى أن المتابعات القضائية ضد الصحافة قد تضاعفت في أواخر 2016 وتزايدت منذ إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته خلال إقامته بالمملكة العربية السعودية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتراجع عنها بعد أسابيع، وكل ذلك مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، بحسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش.
بحسب منظمة مراسلون بلا حدود: “منذ ما يزيد عن العام بقليل، يواجه العديد من كُتاب الرأي والمغردين على تويتر والمدونين على فيسبوك أو حتى أحد الكوميديين تهمة الإهانة أو التشهير”. فعلى سبيل المثال لا الحصر، في تعرّض الصحافي فداء عيتاني للاحتجاز والاستجواب في شهر تموز الماضي، بعد أن انتقد على حساب فيسبوك الخاص به تعامل الجيش اللبناني مع اللاجئين السوريين في مخيمات عرسال.
وقد وثّقت منظمات حقوقية محلية ودولية استخدام لبنان قوانين التشهير لمعاقبة المحامين والصحفيين والناشطين على الآراء والبيانات التي يحميها القانون الدولي لحقوق الإنسان. في حين وجد “مركز الدفاع عن الحريات الاعلامية والثقافية-سكايز”، في تقرير صدر عام 2016، أن قوانين التشهير اللبنانية تُستخدم “لاستهداف الناشطين والمعارضين … وتخويف الصحفيين عبر الإنترنت والمدونين ومستخدمي الإنترنت من التحدث عن مواضيع معينة، ما يمهد الطريق أمام الرقابة الذاتية وخنق التعبير”.
*لونا صفوان، صحافية لبنانية. عملت في عدد من المواقع الإلكترونية الناطقة باللغتين العربية والانكليزية على تغطيات أحداث الربيع العربي، أزمة اللجوء، الرقابة والحريات الصحافية.