قراءة في مداخلة مدير عمليات “أوجيرو” علي عطية في مؤتمر “لبنان في عيون المهندسين والمعماريين – LEAD 2025”، والوثائق الحكومية.
تروّج الحكومة لمسار ترخيص “ستارلينك” كخيار يُعزّز “المرونة” في ظل أعطال الشبكات الأرضية. غير أنّ مداخلة مدير العمليات في “أوجيرو”، علي عطية، في مؤتمر “لبنان في عيون المهندسين والمعماريين – LEAD 2025″، الذي عُقد في أيلول الماضي، تُظهر أنّ المسار الجاري عمليًا يشقّ حركة البيانات اللبنانية خارج الحدود عبر نقطة تواجد ومحطة أرضية في قطر، ويمنح السلطات اللبنانية وصولًا تعاقديًا جزئيًا إلى بعض البيانات الوصفية (الميتاداتا) — لا المحتوى — مع ما يرافق ذلك من تعقيد في الاختصاص القضائي بين لبنان وقطر وشركة أميركية.
وتخضع الشركة لقوانين الاتصالات والبيانات الأميركية (مثل ECPA/CLOUD Act)، ما يعقّد تزويد أي دولة أجنبية بالبيانات خارج الأطر القضائية الرسمية. وفوق ذلك، يخلق تقييد المسار بقطر نقطة فشل واحدة تناقض حُجّة “المرونة”.
معطيات أساسية من الوثائق الرسمية
- المحضر الأمني الصادر بعد اجتماع عُقد في اجتماع وزارة الاتصالات والذي حمّل “أوجيرو” لاحقًا واجبات جمع/نسخ سجلات تقنية (عناوين المصدر والوجهة والمنافذ والطوابع الزمنية — Source IP, Destination IP, Source Port, Destination Port, Timestamp) لتزويد الجهات المختصة، على الرغم من غياب أوجيرو عن الاجتماع، ومن دون توقيع مُلزِم من SpaceX/Starlink؛ علماً أن الاكتفاء “بالميتاداتا” لا يلبّي بمفرده متطلبات الاعتراض القانوني (LI) وفق قانون سرّية المخابرات 140/1999. النتيجة: محضرٌ شكلي ولا يمكن اعتباره بمثابة موافقة أمنية مُلزِمة.
- قرار مجلس الوزراء حول ستارلينك وكذلك مسوّدة العقد، يثبّتان مسار الاستنساخ عبر الدوحة ويحملان “أوجيرو” عبء حفظ بيانات حركة الاتصالات، خلافًا لروح المادة 72 من قانون 81/2018 التي تُلزم مقدّم الخدمة بالحفظ داخل لبنان لثلاث سنوات وتمكين القضاء من الوصول إلى البيانات. كما يتجنّبان متطلبات بوّابة هبوط/ربط محلية (Landing/Gateway) وواجهات الاعتراض القانوني (LI) الوطنية، ما يجعل “الامتثال” غير قابل للتطبيق عمليًا مهما تكاثرت الإحالات إلى معايير عامة.
المفارقة المؤسسية
أعلن عطية في كلمته أنّه غير معنيّ مباشرةً بملفّ الترخيص (قرار وزاري/لجنة داخل الوزارة)، فيما تُسند الوثائقُ إلى “أوجيرو” أدوارًا سيادية في جمع/نسخ/تسليم بيانات الميتاداتا. وهذا ما يمكن اعتباره تعارض حوكمي يخلّ بشرطيْ المساءلة وقابلية التنفيذ: فغياب إجراءات التشغيل القياسية (SOPs) وقنوات التسليم وسلسلة الحيازة والموارد يجعل “التحكّم بالميتاداتا” إمّا ادّعاءً نظريًا، وإمّا ممارسةً ارتجاليةً تُعرّض النزاهة التقنية وسلامة البيّانات لخطر الطعن القضائي.
ماذا قالت المداخلة صراحةً؟
لم تكن مداخلة عطية وصفًا تقنيًا فقط؛ كانت تحذيرًا سياديًا. فخيار التشغيل كما أُقرّ (خروج الحركة عبر بوابة قطر) يرفع “المرونة” بالنسبة للشركات، لكنه يفتح ثغرات أمنية وقانونية كبيرة لغياب البوابة الوطنية والتحكّم المحلي بالبيانات، ما يجعله حلًا اضطراريًا يحدّ من السيادة ومحاطًا بمخاطر أكثر منه إدخالًا منظّمًا للخدمة.
داخل لبنان، تستطيع الجهات القضائية والأمنية الوصول إلى المحتوى (التنصّت) وفق الأطر القانونية المعروفة وبإذن قضائي لأن التدفق يمرّ بمشغّلين محلّيين. أمّا في نموذج البوابة الخارجية (قطر)، فالتحكّم بالمحتوى يُساوي صفر من الجانب اللبناني، والوصول إلى الميتاداتا (من/إلى/متى/أين) جزئي ومشروط بتعاقدات وتوافقات قانونية عابرة للسلطات القضائية اللبنانية، وقد يتعذّر أحيانًا بسبب تداخل الاختصاص.
كما شدّد عطية على أنّ اعتماد نموذج الـRoaming (لا مرور وطني) كان سيشكّل “فضيحة أكبر” من اعتماد خيار قطر، ما يرسّخ أنّ الإطار الحالي حلّ تسوية لا حلًّا سياديًا كاملاً.
الخلاصة
المسار الحالي يَظهر بواجهة قانونية لكن جوهره قابلٌ للطعن ويؤدّي إلى انتقاص سيادي، ولا يرقى إلى “مرونة وطنية” حقيقية ما لم تُصحَّح بنيته القانونية والفنية والتشغيلية داخل لبنان.