عام 2023، أقرّ مجلس النواب الأردني قانون الجرائم الإلكترونية ليصبح أحد أبرز التشريعات المتعلّقة بالفضاء الرقمي. وقد وُضع القانون في ظروفٍ لم تشهد مشاركة فعلية للمجتمع المدني والخبراء في مناقشة بنوده، مما يطرح تساؤلات حول سبل تعزيز الحوار المجتمعي والمشاركة في صياغة مثل هذه القوانين.
لم يحظ القانون بالحيّز الكافي من النقاش من قبل المختصين من الأحزاب السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، والصحافيين/ات، والمدافعين/ات عن حقوق الإنسان. وقد كان هذا محطّ اعتراض الشارع الأردني، إذ يتضمّن قانون الجرائم الإلكترونية نصوصاً تشريعية فضفاضة ويفرض غراماتٍ مرتفعة على “المخالفين”، ما يشكّل تهديداً للحريات الإعلامية والحق في التعبير.
تأثير محدود لمنظمات المجتمع المدني على قانون الجرائم الإلكترونية وآليات تطبيقه
بعد مرور عامين على إقرار قانون الجرائم الإلكترونيّة، أصدر “المركز الوطني لحقوق الإنسان” ملحقاً مخصصاً يتضمّن دراسة للأثر التشريعي له، وذلك ضمن تقريره السنوي لعام 2024، الذي استند فيه إلى الجلسات التشاورية مع أصحاب المصلحة. وأصدر المركز مجموعة من التوصيات الهادفة إلى تطوير القانون بما يضمن التوافق مع الدستور والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وأكّدت دراسة أجرتها الباحثة أفنان أبو يحيى حول “منظمات المجتمع المدني في قوانين الجرائم الإلكترونية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، أنّ تأثير منظمات المجتمع المدني على قوانين الجرائم الإلكترونية كان محدوداً على الرغم من جهودها الواسعة في التأثير على القوانين المتعلقة بالجرائم الإلكترونية.
أجريت الدراسة في إطار مشروع “تحالفات المجتمع المدني من أجل التمكين الرقمي” (CADE) الذي تشارك فيه “سمكس”، والذي يهدف إلى تمكين منظمات المجتمع المدني من المشاركة الفعّالة في حوكمة الإنترنت، وتعزيز مشاركة الجنوب العالمي واعتماد نهجٍ إنساني في صياغة السياسات الرقمية.
وأظهرت نتائج الدراسة أنّ منظمات المجتمع المدني لجأت إلى أساليب متعددة للتأثير على القوانين، مثل الضغط السياسي، بناء التحالفات، حملات التوعية، والمناصرة القانونية، وأوصت في الوقت نفسه بأهمية تنويع أساليب المناصرة التي تستخدمها هذه المنظمات لتعزيز فعاليتها في العملية التشريعية.
اعتمدت الدراسة بعنوان “مشاركة منظمات المجتمع المدني في أطر الحوكمة القانونية للإنترنت: نموذج قوانين الجرائم الإلكترونية”، والتي أُجريت في عددٍ من الدول العربية (الأردن، تونس، العراق، مصر، البحرين، والمملكة العربية السعودية)، على مقابلات معمّقة مع نشطاء في مجال الحقوق الرقمية وممثلين عن منظمات تعمل في هذا المجال.
تؤكّد أبو يحيى في حديثها مع “سمكس” أنّ أنشطة رفع الوعي وبناء التحالفات كانت من أساليب المناصرة الأكثر استخداماً من قبل منظمات المجتمع المدني، رغم أنها أقل فعالية مقارنةً بتشكيل مجموعات الضغط التي أظهر البحث جدواها، خصوصاً عندما تكون جزءاً من استراتيجية تعاونية طويلة المدى.
بدوره يوضح المحامي وخبير التشريعات الإعلامية يحيى شقير لـ”سمكس”، أنّ الحكومات المتعاقبة في الأردن لم تؤمن عملياً بإشراك جهات المجتمع المدني في عمليات اتخاذ القرارات، لافتاً إلى غياب أيّ نصوصٍ تشريعية تلزم الحكومة بعقد جلسات استماع من هذا النوع.
ويمثّل قانون الجرائم الإلكترونية، بحسب شقير، نموذجاً واضحاً عن نتائج غياب التشاركيّة في صياغة القوانين، مؤكّداً أنّ الحكومة قد تفتح أحياناً باب المشاورات مع لجان النواب والأعيان، إلا أن ذلك لا يغير من واقع قدرتها على تمرير ما تستنسبه حصراً في النهاية. علاوة على ذلك، أقرّ القانون بسريّة تامّة خلال 48 ساعة، ولم يعرَض للمناقشة سواء على خبراء الإعلام، أو منظمات المجتمع المدني.
أمّا عن مبدأ مشاركة المجتمع المدني والخبراء في مناقشة وصياغة القوانين، فيوضح شقير أنهم يقومون من جهتهم بإبداء آرائهم/ن للحكومات، بناء على خبراتهم والمعلومات التي لديهم حول القوانين المختلفة، مضيفا أن النجاح أو الفشل بالتأثير على صناع القرار يعتمد على مدى انفتاح السلطات على النقاش.
بالنسبة إلى أبو يحيى، “إنّ التحديات التي واجهتها المنظمات الحقوقية في الأردن بينما تحاول تعديل مواد قانون الجرائم الالكترونية أو منع إقراره هي تحديات مشتركة مع ما يواجهه المجتمع المدني في المنطقة العربية، “وتشمل غياب الإرادة السياسية والجهل بعملية إقرار السياسات وضعف تنسيق الجهود ومراكمتها”.
هل تستطيع منظمات المجتمع المدني الضغط على صنّاع القرار؟
يوضح مدير “مركز حماية وحرية الصحفيين” نضال منصور” لـ”سمكس”، أنّ دور المركز يتمثّل في توثيق الانتهاكات والمضايقات التي يتعرّض لها الصحافيون. ويلفت منصور إلى أنّ العمل يتمّ على استقبال الشكاوى مباشرة من الضحايا أو شهود العيان أو أصدقاء الضحايا بشكاوى للمركز، ورصد ما ينشر عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.
ويتفق منصور مع شقير حول على أنّ نجاح المنظمات في التأثير على صناع القرار من عدمه، يعتمد على مدى انفتاح صنّاع القرار على الحوار، مشيراً إلى أنّ بعض مطالباتهم حققت نجاحاتٍ ملموسة، مثل مساهمتهم في تعديل قانون حق الوصول إلى المعلومات وإقرار البروتوكولات المتعلقة به.
وفيما يتعلق بدور منظمات المجتمع المدني في الوساطة بين المواطنين وصنّاع القرار، يؤكّد منصور أنّ “المنظمات ستبقى على تواصلٍ دائم مع السلطة التنفيذية، ومجلسي النواب والأعيان، مؤكداً أنّ من مهامها أيضاً الانخراط المستمر مع الجمهور لمعرفة احتياجاته، والعمل كجسر يربط بينه وبين السلطات.”
ضعف منظمات المجتمع المدني المحليّة
بعد 7 أشهر من إقرار قانون الجرائم الإلكترونية المعدل لعام 2023، اعتُقلت الصحافية هبة أبو طه وحُكم عليها بالسجن، لانتقادها “علاقة شركات أردنية مع شركات الاحتلال الإسرائيلي”. وتقول أبو طه لـ”سمكس” إنها قدمت عدة شكاوى لـ“المركز الوطني لحقوق الإنسان” من داخل السجن بسبب التضييقات، لكن المركز لم يتخذ أي إجراء، واكتفى بزيارتها في اليوم الثاني من الاعتقال.
تواصلت إحدى المنظمات المحلية معها لتوكيل محامٍ، لكنها اعتذرت لأسباب مادية. أما المنظمات الدولية، فلم يتغير شيء على الرغم من بيانات التنديد، بل ورُفعت عليها قضية أخرى وهي في السجن.
يروي الصحافي الأردني خير الدين الجابري لـ”سمكس” تفاصيل اعتقاله في آذار/مارس 2024 بسبب انتقاده الاحتلال الإسرائيلي. ويقول لـ”سمكس” إنّه خُيّر بين الحضور للمركز الأمني أو اقتياده، وصودرت هويته وهاتفه ومنع محاموه من الدخول.
نُقل لاحقاً دون علم محاميه، ولم يتلقَ متابعة من منظمات حقوق الإنسان، ورفضت نقابة الصحافيين مساعدته لعدم انتمائه إليها، رغم عمله كصحفي 13 عاماً. في المقابل، تابعت منظمات دولية مثل “منظمة العفو الدولية” و”مراسلون بلا حدود” قضيته ومارست ضغوطًا للإفراج عنه. ولولا إقناع محامية الدفاع لمحافظ العاصمة بأنّ التغطية الدولية ستؤثر سلباً على الأردن، لم يكن ليتم تكفيله بمبلغ 5 آلاف دينار، مما يشير إلى أن الخوف من “الفضيحة” هو الدافع الرئيسي.
بلغ عدد الموقوفين استناداً إلى الجرائم في المواد (15،16، 17) من قانون الجرائم الإلكترونية نحو 232 موقوفاً، وفقاً للأرقام الصادرة من “المجلس القضائي” التي أوردها ـ”المجلس الوطني لحقوق الإنسان” في دراسة الأثر التشريعي لقانون الجرائم الإلكترونية.
وتراجع الأردن 15 مرتبة في المؤشر السنوي لحرية الصحافة العالمي لعام 2025، الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود”، ليحتل المرتبة 147 من أصل 180 دولة، وذلك بعد تقدمه 14 مرتبة في المؤشر نفسه خلال العام الماضي.
حاولت منظمات المجتمع المدني في الأردن التحرك حتى بعد إقرار القانون، ودعت في أيلول/سبتمبر 2024 السلطات الأردنيّة إلى وقف استخدام قانون الجرائم الإلكترونية لاستهداف ومعاقبة الأصوات المعارضة ووقف القمع ضد حرية التعبير. كما حثت البرلمان الأردني على إلغاء أو تعديل قانون الجرائم الإلكترونية بشكل جذري، وأيّ قوانين أخرى تنتهك حق حرية التعبير، وملاءمتها مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، إلا أنّ هذه المطالبات لم تلقَ أيّ اهتمام من السلطات المعنيّة.
بطبيعة الحال، لم يكن القانون ليشرّع هذه الاعتقالات لو تمّ إشراك منظمات المجتمع المدني في عملية وضع مواده، وذلك لمعرفتها بالسياقات المدنيّة وقدرتها على استخلاص أفضل الممارسات القانونية من تجاربها.
الصورة الرئيسية من AFP.