ستيفاني نصر هي ناشطة في مجال تنمية المجتمعات وباحثة تركّز في عملها على قضايا الجندر. يتمحور عملها حول تقاطعات الهوية والكويريّة والأطر الاجتماعية-السياسية، مع التزام راسخ بخلق مساحات شاملة وتعزيز أصوات الفئات المهمشة.
في مطلع العام 2025، صنّف كلّ من “إنستغرام” و”تيك توك” عدداً من المنشورات باللغة العربية حول الحقوق الجنسية والإنجابية، وردت فيها مصطلحات طبّية دقيقة مثل “منع الحمل” و”انقطاع الطمث”، على أنّها محتوى جنسي. وقد أُزيل العديد من هذه المنشورات أو فُرضت عليه قيود خفية بالرغم من أنّها كانت ذات طابع تثقيفي.
تدفع الأنظمة العالمية المنصّات إلى التغيير، إذ شدّد قانون الخدمات الرقمية للاتحاد الأوروبي الذي دخل حيّز التنفيذ في العام 2024، على سبيل المثال، من مستوى المساءلة على المحتوى غير القانوني والضار. وفي الوقت نفسه، زاد المشرّعون الأميركيون الضغط على الشركات لكبح التضليل والانتهاكات. وكانت النتيجة تطبيقاً غير متّسق، فبعض القواعد أصبحت أكثر مرونة، وأخرى أشدّ صرامة، ما جعل المستخدمين/ات غير قادرين على التصرّف.
وبالنسبة للمحتوى العربي المتعلق بالحقوق الجنسية والإنجابية، الذي غالباً ما يُساء فهمه أساساً، تؤدّي هذه التحولات إلى حذف أو تقليص مدى الوصول أو المنع من تحقيق الدخل من أحيانٍ كثيرة، ويُعاد تصنيف منشوراتٍ هدفها التثقيف على أنّها “محتوى للبالغين”. حتى أنّ إعلان شركة “ميتا” في العام 2025 عن مزيدٍ من التساهل لم يمنح الناشطين/ات الناطقين/ات بالعربية أيّ يقين بأنّ الأمور ستتغير فعلاً.
التحوّل في السياسات: ما الذي يتغيّر؟
أعلنت “ميتا” عن تغييرات في سياساتها في مطلع العام 2025 تهدف إلى دعم حرية التعبير، ما أدّى إلى تراجع عمليات حذف المحتوى على “فيسبوك” و”إنستغرام” بنسبة 33٪ عالمياً بين كانون الثاني/يناير وآذار/مارس. إلّا أنّ منتقدي هذه السياسات أشاروا إلى أنّ التغييرات أتت متسرّعة، وترافقت مع ضعفٍ في تقييمات حقوق الإنسان ووقف لبرامج التحقق من المعلومات.
منذ العام 2021، اعتمد “تيك توك” على الأتمتة لإزالة العري والنشاط الجنسي. وغالباً ما يشمل ذلك المحتوى المتعلق بالحقوق الجنسية والإنجابية باللغة العربية، من دون مراعاة للدقة أو للسياق المحدّد. أما منصة “إكس” (“تويتر” سابقاً) فتعتمد مقاربة أقلّ صرامة للإشراف على المحتوى، لكن المحتوى العربي المتعلق بالحقوق الجنسية والإنجابية غالباً ما يُصنّف على أنه “حساس”، ما يحدّ من انتشاره. وما زالت منصّة “يوتيوب” تفرض قواعد صارمة للسماح لصانعي المحتوى بتحقيق الدخل، إذ تُمنَع مقاطع الفيديو المتعلقة بمنع الحمل والصحة الإنجابية من تحقيق دخل بوصفها “غير مناسبة للمعلنين”.
تكشف هذه التحولات مجتمعةً عن مسار مشترك: فقد تُغيّر المنصّات سياساتها استجابةً للضغوط العالمية، لكن التنفيذ يبقى آلياً إلى حد كبير ونادراً ما يتكيّف مع السياق العربي. وتأتي النتائج غير متساوية. ففي حين يُبلّغ بعض صانعي المحتوى المتعلق بالحقوق الجنسية والإنجابية باللغة الإنكليزية عن مزيد من الحرية بموجب قواعد “ميتا” الجديدة، يعاني الناشطون الناطقون بالعربية من نتيجة عكسية، مثل الحجب الخفي (shadow ban)، أو الحرمان من الدخل، أو رفض الإعلانات بسبب اعتبار المواد التثقيفية على أنّها غير مناسبة.
تقول غوى نصر، العاملة في مجال الإعلام والنشاط المتعلق بالحقوق الجنسية والإنجابية باللغة العربية، في مقابلة مع “سمكس”، إنّ تجاربها خلال السنوات الثلاث الماضية جاءت مناقضة لوعود “ميتا” بمزيد من الحرية على منصّاتها. وفي تعليقٍ على الفجوة بين ما يُعلن من سياسات وما يُطبَّق فعلياً، تشير نصر إلى أنّ السياسات قد تتغير على الورق، لكن في الممارسة العملية، يظلّ المحتوى العربي حول الحقوق الجنسية والإنجابية يواجه قيوداً وعمليات حذف. فلا يشمل الواقع اليومي في اللغة العربية نقاشاً حول نصوص السياسات، بل محاولة توقّع أي منشور سيُحجب تالياً، وكيفية استعادة القدرة على الوصول إلى المتابعين بعد كل عملية حجب خفي غير مبرّرة.
الضغوط التي يواجهها النشاط المتعلق بالحقوق الجنسية والإنجابية
بالنسبة للناشطين في المنطقة الناطقة بالعربية، تؤدي أخطاء الإشراف على المحتوى إلى صعوبة أكبر في الوصول إلى معلومات تثقيفية موثوقة وأساسية. وتكمن إحدى المشكلات الرئيسية في ضعف الإشراف على المحتوى باللغة العربية. فالأنظمة الآلية غالباً ما تُدرَّب على اللغة الإنكليزية، ما يجعل الكلمات العربية للمصطلحات الصحية الأساسية مثل “منع الحمل” أو “الحيض” أكثر عرضة لأن تُصنّف على أنّها “غير مناسبة”. وفي الوقت نفسه، غالباً ما يفتقر المُشرفون البشريون إلى الخبرة الثقافية أو اللغوية اللازمة للتمييز بين التثقيف حول الصحة الجنسية والمحتوى الإباحي.
وكما أوضحت مريم الجبلي، مؤسّسة مبادرة “أنوثة”: “المنشور نفسه بالإنكليزية قد يمرّ من دون أي مشكلة، لكن بالعربية يُصنّف على أنه غير مناسب أو يُقيَّد. نجد أنفسنا معاقبين لاستخدام لغتنا، حتى عندما يكون المعنى مطابقاً باللغتين”.
في الواقع، تتجاوز المشكلة حدود الترجمة. فمع إطلاق سلسلةٍ من الفيديوهات على منصّة “شريكة ولكن” مع الدكتورة ساندرين عطالله حول المتعة والحقوق الجنسية، تروي غوى كيف ظلّ التفاعل ثابتاً إلى أن أضافوا ترجمة إنكليزية. إذ انخفضت عندها مشاهدات القصص المرتبطة بالحلقة على “إنستغرام” من دون سابق إنذار أو تنبيه بأنّ المحتوى قد يُعتبر مخالفاً.
من جهة أخرى، تطغى هناك القواعد الإعلانية المتضاربة على المشهد، فالمنظمات العاملة في مجال الحقوق الجنسية والإنجابية التي تحاول إطلاق حملات توعية عبر الإعلانات، مثل الترويج للحصول على وسائل منع الحمل، غالباً ما تواجه حجباً لإعلاناتها في مصر أو الأردن، مع أنّ المحتوى نفسه قد يُوافق عليه في أوروبا أو الولايات المتحدة. ليست هذه التفاوتات صدفة، إذ غالباً ما تضبط المنصات تطبيق السياسات بناءً على القوانين المحليّة، أو الضغوط السياسية، أو “المعايير المجتمعية” المرتبطة بالأعراف. والنتيجة أنّ الحملات باللغة العربية تُقيَّد في الوقت الذي تكون الحاجة إليها في أشدّها، مثل فترات التوعية الصحية أو أثناء الأزمات الإنسانية.
تستذكر نصر دليلاً عملياً عن فقر الدورة الشهرية من عملها مع منظمة “في-ميل“، وهي منظمة نسوية لبنانية تُعنى بالعدالة الجندرية، والتمثيل الإعلامي. ركّز هذا الدليل على غياب الوصول إلى منتجات الدورة الشهرية والتعليم والمرافق الآمنة، وأُنتج أولاً باللغة العربية، لكنه فشل مراراً في الحصول على موافقة “ميتا” لعرض الإعلانات، مع إشعار عام فقط عن “مخالفة للسياسات”. تضمّن الدليل معلومات وموارد تثقيفية أساسية من دون أيّ صور مثيرة أو صادمة، ما جعل سبب الرفض غير واضح. واضطر فريقها في النهاية إلى تصعيد القضية عبر “جهات الاتصال” المخصّصة لدى “ميتا”، والتشاور مع خبراء خارجيّين في الحقوق الرقمية لتسريع العملية. وحتى عند الموافقة، أدّت التأخيرات إلى تفويت محطات توعية أساسية مثل اليوم العالمي للنظافة الصحية أثناء الدورة الشهرية (28 أيار/مايو)، واليوم العالمي للمرأة (8 آذار/مارس)، أو خلال فترات الأزمات المتفاقمة.
في فلسطين المحتلة، تتضاعف هذه المشكلات بفعل الرقابة. فقد وثّقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” كيف قمعت “ميتا” بشكل منهجي منشورات باللغة العربية حول غزة، منتهكةً الحق في حرية التعبير والوصول إلى المعلومات. فقد حُذفت مراراً منشورات تناولت إخطارات الإخلاء الإسرائيلية الموجّهة إلى سكان غزة، وتحديثات عن مرافق صحية تعرّضت للقصف، ونشرات إنسانية، أو جرى تهميشها. وعندما حاولت مجموعات تعمل في مجال الحقوق الجنسية والإنجابية في المنطقة نشر إرشادات صحية ضمن هذه التحديثات، غالباً ما اختفى محتواها في الفراغ نفسه الناتج عن سياسات الإشراف على المحتوى.
يؤدي ذلك إلى جوّ من الضبابية بالنسبة لمن يسعون إلى التثقيف مثل الجبلي، التي تشرح أنّ الكلمة العربية نفسها قد تمرّ عبر الرقابة مرة وتُحذف مرة أخرى، من دون أي تفسير واضح. ويُجبر الأشخاص الذين ينتجون هذا المحتوى على إضاعة وقت ثمين في إعادة صياغة منشورات كاملة، أو تبديل المصطلحات، أو نقل المحتوى إلى منصة أخرى فقط لتفادي الحذف. هذه العشوائية المستمرة تجعل التخطيط الطويل الأمد شبه مستحيل، وتستنزف طاقة كان يمكن أن تُوجَّه لإنتاج محتوى تثقيفي دقيق، خصوصاً في الأوقات التي تكون فيها الحقوق الجنسية والإنجابية ضرورية خلال الحروب أو الأزمات الاقتصادية.
تُظهر المجموعات النسوية الإقليمية مثل “مركز مرسى للصحة الجنسية” في لبنان و”شوف أقليات” في تونس كيف يواجه المدافعون عن حقوق الإنسان العاملون في مجال الصحة الجنسية والإنجابية هذه الضغوط بطرق استراتيجية. فمركز “مرسى”، على سبيل المثال، يكيّف رسائله باستخدام اللهجة اللبنانية بدلاً من العربية الفصحى لتقليل احتمالات الحجب على الإنترنت. أما “شوف” فيعتمد على الفن السمعي البصري لسرد قصص يصعب على الخوارزميات إساءة تصنيفها.
ويؤطر كلٌّ من المؤسّستين محتواه كتثقيف إيجابي قائم على أُسُس علمية. وبالنسبة لكليهما، تبقى وسائل التواصل الاجتماعي أداة أساسية للوصول إلى الجمهور، لكنها غير مضمونة، إذ يمكن حذف منشورات عن وسائل منع الحمل أو عن مفهوم الرضا الجنسي أو استهدافها بردود فعل معادية. وبدلاً من التراجع تحت وطأة الخطاب المناهض للحقوق المتنامي، تواصل هذه المجموعات تعديل لغتها وحملاتها، وتنشر حتى عندما تكون احتمالات الحذف مرتفعة.
لا يستطيع المدافعون عن حقوق الإنسان والجهات العاملة على قضايا الحقوق الجنسية والإنجابية التنبؤ بما إذا كان المنشور سيُحجب، أو يُخفى، أو يُسمح له بالانتشار. وبالنسبة للمجتمعات التي تواجه أساساً وصمة العار خارج الفضاء الرقمي، فإنّ هذه القيود الإلكترونية تُقفل واحدة من المساحات القليلة المتبقية لخوض نقاشاتٍ مفتوحة.
استراتيجيات تكيُّفية
في ظلّ الرقابة المستمرة، أصبح الناشطون/ات في مجال الحقوق الجنسية والإنجابية في المنطقة خبراء في التحايل على قواعد المنصات لمجرّد الحفاظ على محتواهم. كثيرون/ات يلجؤون إلى لغة مشفّرة ورموز لتجنّب الحذف. ففي لبنان، على سبيل المثال، استبدل ناشطو التثقيف كلمة “حيض” برمز تعبيري، بينما يُشار إلى وسائل منع الحمل بمصطلحات عامية مثل “أدوات” أو “خطط” للالتفاف على أنظمة الكشف.
وعندما تُحجب المنشورات أو الإعلانات بشكلٍ كامل، غالباً ما ينتقل الناشطون إلى منصات بديلة. فقد دفع رفض “فيسبوك” الموافقة على إعلانات توعية حول وسائل منع الحمل في الأردن بعض المنظمات إلى نقل حملاتها إلى مجموعات مغلقة على “تلغرام” و”واتساب”، حيث يمكن أن تستمرّ المحادثات بأمان ولكن ضمن دوائر أصغر بكثير ومطّلعة مسبقاً. وذهب آخرون أبعد من ذلك، إذ قرّروا بناء منصاتهم الخاصة.
في مقابلة مع “سمكس”، يوضح حسام شحادة، المدير التنفيذي لـ”تقاطع”، كيف انتقلوا إلى ممارسات الأرشفة في مجلتهم الإلكترونية “أجسادنا” المتخصّصة في الحقوق الجنسية والإنجابية: “أي شيء يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يُحذف بسهولة إثر تقديم بعض البلاغات، وليس من الآمن دائماً إبقاؤه هناك. لهذا أردنا أن يكون لدينا منصتنا الخاصة. هذا من ناحية رد فعل على الرقابة القائمة، ومن ناحية أخرى لأننا نريد أن نحتفظ بالمنصّة كأداة ومورد على المدى البعيد، لتوثيق جهودنا”.
وبما أنّه لا توجد منصة آمنة بشكل كامل، ينشر كثير من الناشطين أعمالهم عبر مساحات متعددة. ويُعدّ مشروع “Motherbeing” لنور إمام مثالاً واضحاً. إذ بعد عمليات الحذف المتكررة، بنت جمهورها عبر “إنستغرام” و”يوتيوب”، ثم أطلقت تطبيقها الخاص “دليلة“، لتضمن عدم ضياع سنوات عملها بسبب ممارسات الإشراف على المحتوى الخاطئة أو الحرمان من الدخل. ويتّبع آخرون في مصر النهج نفسه عبر نشر الفيديوهات ذاتها على “تيك توك” و”يوتيوب شورتس” (YouTube Shorts)، معتبرين أنّه إذا حُجب المحتوى في منصة معيّنة، يبقى متاحاً على أخرى.
وحتى مع كل هذه التدابير الاحتياطية، تستمر الرقابة، لكن الناشطين نادراً ما يواجهونها وحدهم. ففي لبنان، أعادت الشبكات النسوية نشر فيديوهات غوى نصر التعليمية التي صُنّفت على أنها مخالفة لضمان استمرار تداولها. وفي تونس، تتدخل مجموعات كويرية مرتبطة بـ”شوف أقليات” عند حذف المحتوى، فتشارك المواد عبر حسابات مختلفة لمنع محوها كلياً. عملياً، يؤدي حذف منشور واحد في كثير من الأحيان إلى موجة من إعادة النشر، ما يحوّل محاولات الإسكات إلى عملية نشر جماعي.
بعض المدافعين عن الحقوق يختارون خوض المعركة من الداخل. فجهاد حمدي، التي أطلقت منصة “اتكلّمي” في العام 2020 لتوثيق التحرش، حولتها إلى أول خط دعم رقمي في مصر للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي عبر الإنترنت. وعندما أُزيلت شهادات الناجيات تحت ذريعة مخالفة “معايير المجتمع” لدى “ميتا”، لم تكتفِ المبادرة بدعم النساء في إزالة المحتوى المسيء، بل ضغطت أيضاً على “ميتا” و”تيك توك” لتحسين ممارسات الإشراف على المحتوى. ومن خلال مواجهة المنصات مباشرة، تُظهر حمدي كيف أنّ السياسات تحمي المعتدين أكثر مما تحمي الناجيات، ما يجبر العاملين في مجال الحقوق الجنسية والإنجابية على أن يكونوا في الوقت نفسه مدافعين عن الحقوق الرقمية.
وقد يشكل التعبير الإبداعي مساراً آخر. ففي تونس، تستخدم “شوف أقليات” السرد السمعي البصري عبر فنون نسوية وحملات إلكترونية لمعالجة قضايا الجنسانية واستقلالية الجسد وحقوق مجتمع الميم. وبالمثل، نشرت منصّة “Love Matters Arabic” رسوماً كاريكاتورية ورسوماً متحركة قصيرة تشرح وسائل منع الحمل والرضا الجنسي، صُمّمت لتتجاوز فلاتر الإشراف وتبقى قابلة للمشاركة على نطاق واسع.
“نريد أن نكون جريئين وصريحين بشأن أجسادنا، لكن الأنظمة تعاقب الصراحة، لذلك نعيد صياغة أفكارنا بهدف تجاوز الفلاتر””، تضيف نصر لـ”سمكس”. يلخّص هذا التناقض واقع المدافعين عن الحقوق الجنسية والإنجابية، إذ يبذل الناشطون جهداً مساوياً للتحايل على الخوارزميات بقدر الجهد الذي يبذلونه في إنتاج المواد التثقيفية الأساسية حول الصحة.
المناصرة والضغط المضاد
على الرغم من كل جهود التكيّف هذه، يؤكد الناشطون والمنظمات في مختلف أنحاء المنطقة أنّ الحلول الالتفافية ليست كافية، ويواصلون الضغط على المنصات لمعالجة الانحيازات المنهجية. فقد أصدرت ائتلافات مثل “تحالف الحقوق الرقمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” رسائل مفتوحة إلى “ميتا” و”تيك توك”، دعت فيها إلى مزيد من الشفافية بشأن عمليات الحذف، وتحسين آليات الاستئناف، والتشاور الجاد مع المجتمعات الناطقة بالعربية. وتشدّد هذه الحملات أنّ السياسات المصمّمة للسياقات الغربية لا يمكن تطبيقها كما هي على المنطقة.
في السياق نفسه، تدعو مجموعات أخرى إلى توفير بيئة أكثر أماناً على الإنترنت بشكل عام. ففي مطلع العام 2024، أطلقت منظمة “حلم”، بالشراكة مع “هيومن رايتس ووتش” وآخرين، حملة “نحو منصّات آمنة“، التي دعت “ميتا” إلى تحسين حماية المستخدمين من مجتمع الميم في منطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا. وطالبت الحملة بأدوات مثل ميزة قفل الحسابات، ومزيد من الشفافية بشأن عمليات الحذف، والاستثمار في مشرفين بشريّين على المحتوى، يكونون ملمّين باللهجات العربية المحلية.
ومع أنّ هذه الجهود لم تركّز حصراً على الحقوق الجنسية والإنجابية، فإنها تسلّط الضوء على الإخفاقات في الإشراف وكيفية تأثيرها على المجتمعات المهمّشة ذات الحضور الرقمي الهش أساساً، بما في ذلك أولئك الذين يدافعون عن الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية. ومن خلال تعزيز الأمان والمساءلة الرقمية، توفّر هذه الحملات أرضية أكثر أماناً لنشر هذا النوع من المحتوى على الإنترنت.
يفصّل حسام شحادة كيف يملأ مشروع “أجسادنا” الفراغ الذي تتركه المنصات الكبرى، حيث تخضع النقاشات حول الحقوق الجنسية والإنجابية بالعربية لقيود شديدة بفعل المصطلحات المحظورة والقواعد الشائعة. وعلى النقيض من ذلك، توفّر المجلة الإلكترونية مساحة للمساهمين للكتابة والإبداع بحرية، حتى باستخدام أسماء مستعارة، مع أرشفة هذه الشهادات بعيداً عن تقلبات الرقابة على المنصات.
ومع ذلك، تبقى مساءلة المنصات بعيدة المنال. فقد أقرّت “ميتا” في العام 2025 خطّة تخفيف قواعد المحتوى الجنسي على المستوى العالمي، ولكن من دون أي تشاور مع ناشطي الحقوق الجنسية والإنجابية في غرب آسيا وشمال أفريقيا. وتضيف نصر في هذا السياق: “الحل لا يكمن في انتظار عطايا من الشركات، بل في بناء قوة بديلة”. وهي ترى أنّ العمل في هذا المجال يحتاج إلى بنية تحتية خاصة بالجنوب العالمي، ومنصات تُدار مجتمعياً، وأطر قانونية، وبرامج تدريب طويلة الأمد، حتى لا يبقى الناشطون مجرّد ضيوف في فضاءات صُممت لإقصائهم.
كما يجب الضغط على المانحين للتوقف عن إيلاء الاعتبارات السياسية ودعم التغيير البنيوي بدلاً من الحملات القصيرة المدى. وبحسب نصر، “ما نحتاج إليه يتجاوز المناشدات. نريد حركة توحّد أصوات الجنوب العالمي للمطالبة بالحقوق الرقمية وفق شروطها الخاصة”.
بدورها، توضح زينب إسماعيل من “سمكس” أنّ المنصات تتحمل مسؤولية هذا القمع، إذ يجب أن تضمن معاملة المحتوى المتعلق بالحقوق الجنسية والإنجابية بوصفه مادة تثقيفية دقيقة وضرورية. ويتطلّب ذلك من الشركات أن تبتعد عن الأتمتة والذكاء الاصطناعي، وأن توظّف بدلاً من ذلك مُشرفين من مختلف أنحاء المنطقة يتمتعون بالمهارات اللغوية والوعي الثقافي اللازم للتمييز بين ما يجب حذفه وما يجب إبقاؤه. والأهم أن تُبنى هذه الأنظمة بالتعاون مع المنظمات والخبراء العاملين أصلاً في مجال الحقوق الجنسية والإنجابية، حتى تبقى المعلومات آمنة ودقيقة ومتاحة للجميع.
ويبقى السؤال: هل يستطيع الناشطون التأثير في سياسات المنصات، أم سيظلون في حالة تكيُّف دائم؟ إلى أن تبدأ شركات التكنولوجيا في أخذ المدخلات الإقليمية على محمل الجد، يخشى الناشطون أنّ الاحتمال الثاني هو المرجّح.
التحدّي الأساسي
يرتبط النشاط في مجال الحقوق الجنسية والإنجابية بحق الوصول إلى المعرفة، وبالقدرة على التحدث بصراحة، وبإبراز المجتمعات المهمّشة. وفي منطقة تتعرّض فيها الحقوق الإنجابية للوصم بشدة خارج الإنترنت، تلعب المنصات الرقمية دوراً محورياً.
حين تفشل هذه الفضاءات الرقمية، تكون الكلفة فورية، إذ يصل عددٌ أقلّ من الأفراد إلى معلومات حيوية عن أجسادهم وحقوقهم. ولتجاوز هذه العقبة، يجب على المنصات أن تستثمر في عملية إشراف تأخذ السياق بعين الاعتبار، وفي آليات استئناف شفافة، وفي التعاون مع الجهات الفاعلة المحلية.
يواصل الناشطون حالياً التكيّف عبر لغة مشفّرة، ووسائط بصرية مبتكرة، والتضامن الجماعي. في هذا السياق، يعلّق حسام قائلاً: “لا غنى عن وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً في سياقنا الحالي، لكن يسرّني أن أرى المزيد من النشر الذاتي والمنصات المستقلة كنموذج لمستقبل المناصرة في مجال الحقوق الجنسية والإنجابية. تمنح مثل هذه النماذج الناشطين بعض الاستقلالية للتعبير بحرية عن قضايا الحقوق الجنسية والإنجابية، ولإنتاج محتوى يصل إلى الفئات المستهدفة”.
وإلى أن يأخذ المانحون والمنصات وصانعو السياسات المجتمعات الناطقة بالعربية على محمل الجد، سيبقى الناشطون في هذا المجال عالقين في سباق للبقاء. فالمطلوب ليس فقط حلولاً تقنية مثل خوارزميات أفضل، بل تغيير بنيوي يعترف بالحقوق الجنسية والإنجابية باعتبارها حقوق، لا مخالفات، ويؤسِّس فضاءات رقمية يمكن أن تداول هذه المعرفة بحرية فيها.