تطغى فوضى تشريعيّة على مشهد قطاع الاتصالات والتكنولوجيا في لبنان، إذ تكثر مشاريع القوانين التي تُحاول مأسسته لناحية الشكل لا المضمون، حتّى وصل الأمر إلى تحويل هذه الجهود إلى مبارزاتٍ سياسية هدفها تسجيل النقاط وخدمة المصالح الشخصيّة.
وتبرز هنا ثلاثة مشاريع قوانين أساسية رصدت “سمكس” تحرّكاتٍ لمناقشتها، ألا وهي اقتراح قانونٍ يرمي إلى إنشاء الوكالة الوطنية للتحول الرقمي (قدّمه النائب رازي الحاج -كتلة القوات اللبنانية- في 21 كانون أول/ديسمبر 2022)، ومشروع قانون إنشاء وزارة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي (قدّمه وزير الدولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي كمال شحادة -كتلة القوات اللبنانية- في 16 كانون ثاني/ يناير2025)، وأخيراً، اقتراح قانون الهيئة الوطنية للذكاء الاصطناعي (قدّمه نوّاب عن كتلة التيار الوطني الحرّ في 6 حزيران/يونيو الماضي).
وزارة قائمة أصلاً
أقرّت وزارة الشؤون الاجتماعية الإستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي 2020-2030 بالفعل، وجرى تحديثها في أيار/مايو 2022. يوضح مدير برنامج الإعلام في منظمة “سمكس”، عبد قطايا، أنّ “الاستراتيجية لم تر النور منذ ذلك التاريخ، تماماً كاستراتيجية الأمن السيبراني. وانطلاقاً من ذلك، ينبغي تثبيت فكرة أنّ لبنان لا يحتاج إلى المزيد من الاستراتيجيات أو الهيئات أو حتّى الوزارات، وإنما التركيز على كيفيّة وضع كل هذه النظريات موضع التنفيذ”.
“في لبنان، تغيب وزارة التخطيط التي عادةً ما تعطيها الدول حيزاً كبيراً من الاهتمام، إذ تضطلع بمهمّة التنسيق بين الوزارات والإدارات، ولكن ما يحدث في لبنان هو إنشاء أُطرٍ جديدة وتقسيم مهام بين أكثر من جهة مما يؤدي إلى ضياعٍ وتشتت”، يضيف قطايا.
يمكن القول أنّ ثمة فوضى واضحة في الطروحات، مما جعل البعض يعتقد أنّ ثمة غيابٌ لجهة منظّمة لهذه القطاعات، في حين أنّ وزارة التنمية الإدارية قائمة بالفعل وتتولّى ملف التحوّل الرقمي والأمن السيبراني، وكلّ ما تحتاجه هو المزيد من الدعم لتطبيق هذه الاستراتيجيات. أمّا محاولة السطو على صلاحيات هذه الوزارة فليست بجديدة، ولعلّ ملف التوقيع الإلكتروني الذي عملت عليه وزارة العدل خلال ولاية الحكومة السابقة، مثالٌ واضحٌ على ذلك.
في حديثٍ مع “سمكس”، يتساءل خبيرٌ في مجال التحوّل الرقمي رفض الكشف عن اسمه، حول “مدى منطقيّة طرح إنشاء وزارة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في لبنان، وكأنّ البلاد وصلت إلى مرحلة متقدّمة في هذا المجال وما عاد ينقصها سوى إنشاء وزارةٍ إضافية”، لافتاً إلى أنّ “الدول الغربيّة المتقدمة في هذا المجال، من الولايات المتحدة مروراً بأوروبا وصولاً للدول الآسيوية، لم تقدم على خطوة مماثلة”.
“لعلّ عدم وجود وزارةٍ للذكاء الاصطناعي في أيّ دولة بالعالم باستثناء الإمارات العربية المتحدة، دفع شحادة لتبني مفاهيم وعبارات في مشروع القانون مُشابهة لتلك الموجودة في النسخة الإماراتية، من دون مراعاة اختلاف الأولويات والإمكانات بين البلدين”، وفقاً للخبير.
لماذا الإصرار على إنشاء وزارة الذكاء الاصطناعي؟
يصنّف الواقع في لبنان، على مستوى الوزارات والمؤسسات والدوائر الرسمية، على أنّه في مرحلة متأخرة جداً لناحية استخدام المكننة والوسائل التكنولوجية، بحسب الخبير، وبالتالي فإنّ الانتقال إلى مرحلة إنشاء وزارة للذكاء الاصطناعي قد تبدو غير واقعية، والأجدى هو الانتقال التدريجي نحو المكننة والتطوير التكنولوجي.
علاوة على ما سبق، هل ثمّة ترابطٌ بين السعي لإنشاء وزارة الذكاء الاصطناعي وإقرار مجلس الوزراء اللبناني قرضاً بقيمة 150 مليون دولار من “البنك الدولي” لتوظيفه في مجال التحديث والتطوير الرقمي؟
لم يُقرّ مجلس الوزراء اللبناني اقتراح إنشاء وزارة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، إلا أنه لم يرفضه، بل كلّف لجنة وزاريّة مختصة لدراسته والعودة مجدداً إلى المجلس لاتخاذ القرار المناسب في ضوء ذلك، بدلاً من العمل على دراسة حول كيفية دعم المؤسسات القائمة فعلياً والتي تضطلع بهذا الدور.
وأخيراً، يختتم قطايا حديثه مؤكداً أنّ “ما ينقصنا في لبنان هو قانون جدّي لحماية البيانات الشخصية، والعمل على البنى التحتية لتمكين المواطنين من التشبيك بسلاسة وتنظيم أعمالهم بعيداً عن الاستعراض”.
الصورة الرئيسية من AFP.