بعد نحو 50 يوماً على توسّع العدوان الإسرائيلي على لبنان، والذي تسبّب حتى اليوم بأكثر من 3 آلاف ومئتيّ شهيد ودمارٍ هائل، تتزايد المخاوف من انقطاعٍ واسع النطاق للإنترنت في البلاد.
خلال تشرين الأول/أكتوبر الفائت، استهدف الاحتلال الإسرائيلي بنية الاتصالات التحتيّة في عدّة مناطق لبنانيّة، وتسبّب بخروج 175 محطة تابعة لشركة “تاتش” عن الخدمة (9 من بينها دُمّرت بالكامل) مقابل 161 محطة تابعة لشركة “ألفا”.
لا ينفي وزير الاتصالات جوني القرم، في حديثٍ لـ”سمكس”، وجود “خطر انقطاع الانترنت، خاصةً أنهم (المسؤولون الإسرائيليون) يهدّدون بتحويل لبنان إلى غزة أخرى”، في إشارة إلى انقطاع الانترنت في القطاع أكثر من مرّة جراء العدوان الإسرائيلي.
“ساهمت الحرب في الضغط للمطالبة بحلٍّ يكون بديلاً عن التواصل التقليدي عبر أوجيرو، وهو الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية”، يضيف القرم، مشيراً إلى مخاوف أمنية من عدم موافقة الشركات على بقاء الداتا داخل الأراضي اللبنانية، وإصرارها على حفظها في مقرّاتها في الخارج.
مخاوف اقتصاديّة من انقطاع الإنترنت
دفعت هذه المخاوف حول انقطاع الإنترنت الهيئات الإقتصادية إلى عقد اجتماع مع القرم، يوم الخميس الماضي، للبحث في سبل توفير الانترنت عبر الأقمار الاصطناعية.
يؤكّد رئيس الهيئات الإقتصاديّة محمد شقير، في مقابلةٍ مع “سمكس”، أنّ “هذا التحرّك ليس جديداً، فمنذ بداية الحرب، وحتّى قبلها، طالبنا بضرورة توفير الاتصالات عبر الأقمار الإصطناعية”، موضحاً أنّ “لبنان حتى في أيّام السلم لم يكن بأفضل حال. تتمّ التغذية اليوم عبر خطّين، الأول ممتدّ إلى قبرص ونخشى تعطّله، أمّا الآخر فيمرّ تحت قناة السويس ويتعرّض لأعطالٍ كثيرة باستمرار”.
يتخوّف شقير من تداعياتٍ كارثيّة لانقطاع الانترنت على الاقتصاد، إذ قد “يتسبّب بكارثة اقتصادية وضربة قاضية للقطاع الخاص”، محذّراً أنّ شركاتٍ كثيرة قد تترك لبنان، وسيطال الضرر جميع القطاعات منها الاستشفاء والتربية”.
“على المسؤولين إدراك هذه المخاطر والتعامل معها بجدية تامّة”، بحسب شقير، الذي يؤكّد أنّ “انقطاع الانترنت سيكون أخطر من الانهيار الاقتصادي الذي شهده لبنان، إضافة إلى أنّ هذه المخاوف تمّسّ بشكلٍ أساسي قدرة الناس على التواصل والاتصال في ظلّ اشتداد حدّة الحرب الإسرائيلية”.
ويثني شقير على ضرورة تفعيل الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية، معللاً بأنّه “قبل شروع الدولة اللبنانية بالمفاوضات مع شركة ’ستارلينك‘، كان الناس يستخدمون الإنترنت غير الشرعي عبر الأقمار الاصطناعية، ولم يتوقّف ذلك سوى بعد اتخاذ الشركة قراراً بذلك نتيجة المفاوضات”.
قرم ينتظر “الموافقة الخطّية”
كثُر الحديث عن الأسباب الأمنيّة التي تحول دون تفعيل الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية في لبنان. فما هي تلك الأسباب بالضبط؟
بحسب شقير، “تتمتّع جميع دول العالم باستقرارٍ أمني وتتيح خدمات الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية، وهي لا تؤثّر على أمنها بتاتاً”. أمّا بالنسبة إلى الحديث عن إمكانيّة وصول العدو إلى بياناتنا من خلال الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعيّة، فيقول شقير: “الداتا (في لبنان) أساساً مخترقة من قبل العدو الإسرائيلي. وقد التقيت مع قائد الجيش الذي أكّد لي أن المؤسسة العسكرية لا تُمانع ذلك”.
للدولة اللبنانيّة تاريخٌ حافل بتجاهل أسس حماية البيانات وقوننة حفظها وضمان عدم وصول أيّ أطرافٍ ثالثة إليها، وهو ما سبق ووثّقته “سمكس” مراراً. وقد أدّى هذا الواقع بالفعل إلى تسرّب بيانات اللبنانيين/ات ووقوعها في الأيدي الخطأ، التي كان الاحتلال الإسرائيلي من بينها. ولكن على الرغم من ذلك، لا يجب أن تكون هذه المشكلة مبرّراً لتمرير أيّ صفقاتٍ أو اتخاذ قراراتٍ لها علاقة ببيانات الناس وأمنها. بل على العكس، ينبغي تبنّي مقارباتٍ تحترم حقّ كلّ إنسان في الوصول إلى الإنترنت وخصوصية بياناته على حدٍّ سواء.
من جانبه، يُشير القرم لـ”سمكس” إلى أنّ الوزارة تجري حالياً مفاوضاتٍ مع شركتي “وان ويب” OneWeb و”إس إي إس” SES اللتان تؤمّنان الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعيّة، إلا أنّه يرفض الانتقال إلى المرحلة الثانية المتعلقة بالموافقة التجارية قبل الحصول على “موافقة خطية” من الأجهزة الأمنية والعسكرية، مضيفاً أنّ وزيرا الداخلية والدفاع أبلغاه منذ عدّة أيام رفضهما إعطاء الموافقة.
وشركة “وان ويب” (OneWeb) هي شركة اتصالاتٍ عالميّة تأسّست عام 2012 مقرّها لندن، أمّا شركة “إس إي إس” (SES) فتأسّست عام 1985 وتتّخذ من لوكسمبورغ مقراً لها، وتعمل الشركتان على تأمين خدمات الإنترنت الإصطناعي.
مفاوضات مُتقدّمة مع “ستارلينك”
أكّدت مصادر خاصة لـ”سمكس” أنّ المفاوضات بين الأجهزة الأمنيّة وشركة “ستارلينك” باتت في مراحل متقدّمة، وتتمحور حوّل قبول الشركة بتزويد الأجهزة الأمنية بـ”حركة السجلات” التي قد تطلبها حول أفراد مشتبه بهم أو موضوعين قيد المراقبة، وذلك بناءً على إشارة قضائية.
وتضيف المصادر أنّ الشركة “نفت في بداية المحادثات تخزينها لهذا النوع من السجلات، لتعود وتتراجع عن ذلك وتعرض أمثلةً عن بياناتٍ ستقدّمها بناءً على طلب الأجهزة الأمنيّة، وجدتها الأخيرة غير كافية”.
ويختم المصدر بالقول إنّه “وفي حال حصلت وزارة الاتصالات على الموافقة الأمنيّة، سننتقل إلى المرحلة الثانية من المحادثات، والمتعلّقة بالأرباح التي ستُجنى من المشتركين بـ”ستارلينك”.
الوزارة تتخلّى عن مهامها
يعبّر المدير التنفيذي لمنظمة “سمكس”، محمد نجم، عن استغرابه من “انبهار” وزير الاتصالات بشركة “ستارلينك”، متخوفاً “من أن تذهب الداتا التي تمر عبر الشركة (في حال التوصّل إلى اتفاق) إلى جهات غير مخوّلة امتلاكها”.
ويلفت نجم إلى أنّه “ليس من اختصاص وزير الاتصالات تخويف المواطنين من انقطاع الاتصالات والانترنت طالما ما زالت الكابلات البحرية محميّة وسليمة، ويضيف، “ينبغي على الوزير القيام بواجباته المتمثّلة بمعالجة مشاكل البنى التحتية اللبنانية وحمايتها وتفعيل مراكز الصيانة، بالإضافة إلى مواكبة التوزع السكاني الجديد للمواطنين الذي نتج عن عمليات النزوح الكبيرة”.
وكحلٍّ بديل، يقترح نجم اللجوء إلى زيادة كمية الهوائي (الانتينات) في مناطق الكثافة السكّانية مثل بيروت، أو الاستعانة بهيئة أوجيرو لتزويد مراكز الإيواء بالانترنت، بالتوازي مع دعم المواطنين/ات الذين تدنّت مداخيلهم/ن بسبب الأزمة.
3 قرارات تنتظر موافقة مجلس الوزراء
ليست المطالبات بتوفير الإنترنت بأسعار مقبولة بجديدة، إذ لطالما علت الأصوات المعترضة على ارتفاع كلفة خدمات الإنترنت قبل بدء العدوان الإسرائيلي على البلاد.
بحسب ما قاله القرم لـ”سمكس”، جرى تفويضه من قبل مجلس الوزراء بمتابعة ثلاثة قرارات بالفعل. يتعلّق الأول بوضع آليّة لتمكين الأساتذة والطلاب في القطاع الرسمي من استخدام برنامج “مايكروسوفت تيمز” (Microsoft Teams)، للتعلّم عن بعد، من دون الحاجة إلى الإنترنت وإنما عبر أرقام الهاتف.
وقد أُنجزت الدراسة المتعلّقة بهذا الملف، بحسب وزير الاتصالات، والعمل جارٍ حالياً بالتعاون مع وزارة التربية لنيل الموافقة النهائية من مجلس الوزراء في الجلسة القادمة، في ظلّ ترقّب قرار مجلس الوزراء مضاعفة سرعة وكمية الانترنت بالسعر نفسه.
أما القرار الثاني، فيتمثّل بمضاعفة سرعة وكمية الانترنت مع الإبقاء على الأسعار كما هي، وهو ما تُرتقب موافقة مجلس الوزراء عليه.
وأخيراً، يتعلّق القرار الثالث بـ”تأمين الإنترنت المجاني في مراكز الإيواء، “إلا أنّ ذلك يحتاج إلى تمويل، ونحن ننتظر قرار مجلس الوزراء إما التمويل، أو تأمين التمويل من الجهات المانحة والمساعدات التي حُصدت في مؤتمر باريس لدعم لبنان”، وفقاً للقرم.
كثيرة هي الوعود التي تلقّاها اللبنانيون دون أن تجد طريقها إلى أرض الواقع. وفي ظلّ انعدام اليقين بمدى جدّية العمل لمنع انقطاع الانترنت، واشتداد وحشيّة هذه الحرب، تتحمّل وزارة الاتصالات مسؤولية عدم وضعها خطةً جدية لمواجهة تداعيات الحرب. فهل أمام الناس ما يفعلونه في حال انقطاع الإنترنت بشكلٍ كلّي؟ وهل تتحمّل البلاد الثمن الذي ستدفعه حينها؟