تدعو “سمكس” والجمعية الأردنية للمصدر المفتوح (جوسا) ومعهما 19 منظّمة أخرى الحكومة الأردنيّة إلى سحب مشروع قانون الجرائم المعلوماتية الذي تجري دراسته حالياً في البرلمان. تثير مواد مشروع القانون الجديد قلقنا بسبب قدرتها على ترك آثارٍ تضرّ بحرية التعبير عبر الإنترنت، كما تنتهك حق المستخدمين/ات في الإبقاء على هوياتهم/ن مجهولة، وتمنح صلاحياتٍ جديدة للتحكّم بوسائل التواصل، ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى وجود شكلٍ مقلقٍ من الرقابة على مساحات الإنترنت.
أحال مجلس النواب الأردني مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2023 إلى اللجنة البرلمانيّة القانونيّة خلال أولى جلساته الاستثنائيّة التي عقدت في 16 تموز/يوليو الجاري، بعد أن أقرّه مجلس الوزراء.
يتضمّن مشروع القانون 41 مادّة تختصّ بالحوادث التي تقع في مساحات الإنترنت، ومنها نشر الأخبار الكاذبة، والقدح والذم، والتحقير ونشر الإشاعات، وغيرها، ويكلّف رئيس الوزراء والوزراء مهمّة تنفيذ أحكامه، أي بمعنى آخر، لا تتولّى وزارة أو جهة رسميّة محدّدة مسؤولية تطبيق القانون والنظر فيه، وهو مستقلٌّ وغير مرتبط بأيّ قوانين، ويلغي قانون الجرائم الإلكترونية رقم (27) لسنة 2015.
في الواقع، يعتبر القانون الجديد نسخة أكثر غلاظة من القانون الذي أقرّ عام 2015، من حيث العقوبات “غير المنطقية وغير الواقعيّة” التي ينصّ عليها القانون، بحسب حديث صحافي أجري مع النائب الأردني ينال فريحات، إذ لا توازُن بينها وبين “المخالفات” المنصوص عليها.
أحكام وعقوبات بعيدة عن المنطق
يلزم مشروع القانون الشركات المالكة لمواقع التواصل خارج الأردن بفتح مكاتب لها في الأردن للتعامل مع الطلبات والإشعارات الصادرة عن الجهات القضائية والرسمية.
في المادة 37 من المشروع، ورد أنّه “في حال عدم التزام منصات التواصل الاجتماعي خارج الأردن بذلك، فإنه يتم إخطار تلك المنصات من قبل هيئة تنظيم قطاع الاتصالات بوجوب الامتثال لما سبق بيانه خلال مدة لا تزيد على ستة أشهر تبدأ من تاريخ إرسال ذلك الإخطار”.
إذا انقضت تلك المدة ولم تلتزم الشركات بذلك، فلـ”هيئة تنظيم قطاع الاتصالات” اتخاذ عددٍ من التدابير، منها حظر الإعلانات على تلك المنصات في المملكة لمدة 60 يوماً، وتقليل عرض نطاق تردد حركة الإنترنت عليها بشكل تدريجي. أي بمعنى آخر، يشرّع القانون عرقلة وصول المواطنين/ات إلى خدمة الإنترنت ووسائل التواصل.
تتضمّن بعض مواد القانون المغالطات نفسها التي دائماً ما تتكرّر في قوانين مكافحة الجرائم المعلوماتية، إذ تنصّ المادة 15 من مشروع القانون على معاقبة “كل من قام قصداً بإرسال أو إعادة إرسال أو نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة المعلوماتية أو تقنية المعلومات أو نظام المعلومات أو الموقع الالكتروني أو منصات التواصل الاجتماعي تنطوي على أخبار كاذبة أو ذم او قدح او تحقير أي شخص بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن 20 ألف عشرين ألف دينار ولا تزيد على 40 ألف أربعين ألف دينار”.
إضافة إلى ذلك، تنصّ المادة 17 على “معاقبة كل من قام قصداً باستخدام الشبكة المعلوماتية أو تقنية المعلومات أو نظام المعلومات أو موقع إلكتروني أو منصة تواصل اجتماعي لنشر ما من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات أو النيل من الوحدة الوطنية أو الحض على الكراهية او الدعوة إلى العنف أو تبريره أو ازدراء الأديان بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن 25 ألف دينار ولا تزيد على 50 ألف دينار”.
في الواقع، تدقّ العقوبات المتمثّلة بغرامات ضخمة (تذهب لخزينة الدولة وليس للضحية) وأحكامٍ بالسجن تصل إلى ثلاث سنوات، ناقوس الخطر بسبب نيّة المشرّع إصدارها ضدّ مستخدمين/عاديين/ات قرروا مشاركة منشورٍ على وسائل التواصل.
وعن أسباب قرار مجلس الوزراء إلغاء القانون السابق واقتراح مشروع قانونٍ جديد، قال وزير الاتصال الحكومي فيصل الشبول، في تصريحات لوسائل إعلام محليّة، إن مشروع قانون الجرائم الإلكترونية يتضمن تغليظاً للعقوبات المالية، وهي خطوة اتُخذت على خلفية تلقي السلطات لـ16 ألف شكوى تتعلق بالجرائم الإلكترونية في 2022، و8 آلاف أخرى خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري.
وقد اتخذت الحكومة من هذه الأرقام ذريعة لوضع مشروع قانون أقلّ مراعاة لحرية التعبير، وأكّدت ذلك وزيرة الشؤون القانونية نانسي نمروقة، التي اعتبرت أن قانون الجرائم الإلكترونية بصيغته السابقة “أخفق في ردع الانتهاكات والمخالفات”.
في حديثٍ له مع “سمكس”، يقول الخبير في قوانين الإعلام، يحيى شقير، إنّ الحكومة تكتّمت على القانون وأعلنت عنه بعد انتهاء فترة تقديم تقارير الظل لمنظمات المجتمع المدني لمناقشة تقرير الأردن الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان، والمقرّر في جنيف في شباط/فبراير المقبل.
“من يقارن نصوص المواد 15 و16 و17 من قانون الجرائم الالكترونية سوف يدرك ببساطة أنّ الغرامات التي تصل إلى سبعين ألف تنسف مبدأ الحق في حرية الرأي والتعبير من أساسه”، بحسب شقير.
صادق الأردن على “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسية” الذي شدّد على أنّ حرية الرأي والتعبير هي حرية مطلقة ولا يجوز فرض استثناءات عليها إلا بحدود ضيّقة، وهو ما يتعارض بشدّة مع مواد مشروع قانون الجرائم الإلكترونية التي تسمح بحرمان المواطنين/ات من الاتصال والتواصل والوصول إلى المعلومة.
وتجدر الإشارة إلى أنّه وبحسب الحكومة الأردنيّة نفسها، “تسمو المعاهدات والاتفاقيات الدولية مرتبة على القوانين المحلية ولها أولوية التطبيق عند تعارضها معها ولا يجوز الاحتجاج بأي قانون محلي أمام الاتفاقية”.
كما أنّ هناك العديد من السوابق القضائية التي تم فيها ترجيح المعاهدات الدولية على القوانين الوطنية في الأردن، منها قرار محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية رقم 1477/2005 تاريخ 7 أيلول/سبتمبر 2005، وقرارها رقم 4309/2003 تاريخ 22 نيسان/أبريل 2004، والقرار رقم 1824/2995 تاريخ 25 تشرين الأول/أكتوبر 2005). وعليه، لا ينبغي أن يجري التعامل مع مشروع القانون الجديد بغير هذه الآلية، خاصة مع انكشاف الانتهاكات التي ينطوي عليها، وحجم التعارض الذي يتضمّنه مع المواثيق الدولية.
ضبابيّة في النص القانوني
للمفارقة، لم يكن القانون محطّ انتقاد الحقوقيين/ات والمدافعين/ات عن حقوق الإنسان فحسب، بل أنّ نواباً ووزراء ومسؤولين/ات حكوميين/ات أبدوا استياءهم من التجاوزات والانتهاكات التي ينطوي عليها مشروع القانون الجديد. وقد وصف النائب حسن الرياطي القانون بأنّه “انقلاب على الديمقراطية في الأردن”، فيما طالب النائب أحمد القطاونة بردّ مشروع القانون، مشيراً إلى أنّ “الكثير من القضايا والمشكلات حثلّت بعد طرحها على مواقع التواصل”.
من جانبه، اعتبر النائب صالح العرموطي القانون حجراً على العقل والفكر ورِدّة عن الإصلاح، مضيفاً أن الحكومة تريد تفريغ أمر الدفاع في هذا القانون، وهناك أحكام عرفية في هذا القانون ويضر بالوطن والمواطن.
بينما رأى النائب فريد حداد أن “القانون يعتبر تراجعاً واضحاً في سقف الحريات العامة، وأطالب برد القانون شرفاً لهذا المجلس، وبرده إلى مصدره الأصلي”.
تتقدّم مواد القانون مجموعة من التعريفات لمصطلحاتٍ منها البيانات، ونظام المعلومات، والعنوان البروتوكولي، وغيرها. إلا أنّ الطريقة التي عُرفّت فيها هذه المفاهيم مختصرة جداً وفضفاضة، وسوف تشكّل من دون شك عاملاً سيكون له دورٌ أساسي في إلصاق التهم بالمستخدمين/ات بعشوائيّة في حال أقرّ القانون.
ضف إلى ما سبق تصريح وزير الاقتصاد الرقمي والريادة أحمد الهناندة، الذي قال إنه “لا توجد أيّ مادة في القانون الجديد تحدّ من الحريات”، وإنّ “مواد القانون تتعامل مع الجرائم الإلكترونية وما يندرج تحتها، ولا يستند ربطها بالحريات إلى أي من نصوص القانون”. تكمن المشكلة في أن هذا التصريح، إن أخذ بحرفيّته، لا يمكن اعتباره خاطئاً، ويعود ذلك إلى اللغة المبهمة والفضفاضة التي كتبت فيها مواد القانون.
تقول مسؤولة الفريق القانوني في “سمكس”، ماريان رحمة، إنّ مشروع القانون الجديد هو محاولة جديدة للسيطرة على المجال الرقمي من قبل المشرّع الأردني. “تحاول القوانين الأردنيّة التحكّم بشركات التكنولوجيا، وسبق محاولات مشابهة في المملكة العربية السعودية، حيث أجبرت شركات التكنولوجيا على إنشاء مقرّات لها في البلاد لتتمكّن من الوصول إلى السوق السعودي”.
وتضيف رحمة أنّ “القانون مبهمٌ جداً، غير واضح، وطرق تطبيقه ضبابيّة. في الحقيقة، يكمن الخطر في أنّ مواد القانون تنمّ عن عدم فهمٍ لماهية عناوين البروتوكول وكيفية عملها، كما أنّها تشرّع قطع الإنترنت والعديد من الانتهاكات الأخرى. في حال صُدّق القانون، سوف نشهد حكوماتٍ أخرى في منطقتنا تتجه نحو اعتماد تشريعات خطيرة مماثلة”.
علاوة على ذلك، أكّد مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين اعتراضه على العديد من تعديلات مشروع قانون الجرائم الإلكترونية، معتبراً أنّ من شأنه “الإسهام في تكميم الأفواه والحد من الحريات الصحفية والعامة. وقال: كان الأصل البناء الإيجابي على ما تحقق للحريات في إطار القانون”. ودعا المجلس اللجنة القانونية في مجلس النواب إلى مراجعة مشروع القانون بصورة جذرية والحد من العقوبات المغلظة وضبط المصطلحات والألفاظ العمومية التي قد تطلق اليد في التغول على حالة الحريات العامة في البلاد.
“إنّ مشروع القانون يعيد الحريات إلى الوراء، فعلى سبيل المثال، أعلى المشروع من شأن اغتيال الشخصية مغلظاً العقوبة بالمسائل المتعلقة بالحرية، مقابل تخفيفها بالمخالفات التي تؤثر على السلم المجتمعي”، أضاف المجلس، لافتاً إلى أن المشروع بالغ في منح الصلاحيات لملاحقة الجرائم المتعارف عليها حين أعطى النيابة العامة الحق بالملاحقة دون الحاجة إلى تقديم شكوى أو أي ادعاء بالحق الشخصي إذا كانت موجهة إلى إحدى السلطات أو الهيئات الرسمية.
يحتلّ الأردن المرتبة 146 (من أصل 180 بلداً) على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي نشرته منظمة “مراسلون بلا حدود” خلال عام 2023. بحسب المنظّمة، “تجد الصحافة الأردنية نفسها عالقة بين مطرقة الرقابة الذاتية وسندان الخطوط الحمراء التي ترسمها السلطات”.
أيضاً، نال الأردن تقييم 47 من 100 فقط من حيث مدى حرية الإنترنت، وذلك بحسب تقرير “فريدوم هاوس” (Freedom House) الصادر عام 2022.
ليست هذه المرة الأولى التي يواجه فيها الأردنيّون/ات مشاكل سببها توجّه السلطات إلى قمع الخطاب وقطع وصولهم/ن إلى منصات التواصل. آخر تمظهرات هذا النهج كانت حجب تطبيق “تيكتوك” في كانون الأول/ديسمبر 2022، والمستمرّ حتى اليوم، وحجب موقع الحدود الساخر في 4 تموز/يوليو الجاري.
وكان “المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان“، وهو منظمة مستقلة مقرها الرئيسي في جنيف، دعا السلطات الأردنية إلى إنهاء جميع القيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير في المملكة، بما في ذلك إلغاء جميع النصوص القانونية التي قد تُستخدم لتقويض الحريّات.
ولفت المرصد إلى أنّ الإجراءات والممارسات والقوانين المقيّدة لحرية الرأي والتعبير “خلقت حالة مستمرة من الرقابة الذاتية لدى المدونين وأصحاب الرأي، إذ يتجّه عددٌ كبير منهم إلى عدم التصريح علانية بآرائهم في القضايا العامة، خوفًا من التعرّض للملاحقة أو التضييق”.