تحديث: أضيف إلى هذه المقالة بيان رابطة آل “أبو الحسن”
“حاول المحقّق تحريف مضمون التحقيق وأخذه إلى مكان آخر، كما سُحبَت هواتفنا وجرى تفريغ الداتا منها لمحاولة إثبات بأنّنا ندير صفحة NAD NAD، وحسابات وهمية أخرى، ولكن لم تظهر نشرة الهواتف الخليوي أي علاقة لنا بما تقدم من موضوع الشكوى”.
هذا بعض مما كشفه الشابان رشاد زيدان وسلام صعب لـ”سمكس” عن استدعائهما من قبل “مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية” عبر مكالمة هاتفية ثمّ استجوابهما لمدة 10 ساعات نهار الجمعة الفائت. اتّضح لاحقاً أنّ الشكاوى فارغة من المضمون، و”لم يتمكن المحقّق من إظهار أيّ قدح وذم أو تشهير بحقّ الطائفة الدرزية”، كما يشرحان.
عندما حضر الشابّان تبيّن لهما أنّ الدعوى موجّهة من “المجلس المذهبي للطائفة الدرزية”، ولم يستطيعا معرفة التهمة إلّا خلال التحقيق، وهي المشاركة في إدارة صفحة على “فيسبوك” تُدعى (NAD NAD) كانت تنشر بعض “الفضائح” التي تتعلّق بأمور تحصل في منطقة جبل لبنان الجنوبي الذي تقطنه أكثرية من أبناء الطائفة الدرزية.
تزامن وجود هذه الصفحة مع نشاط زيدان وصعب على مواقع التواصل ودورهما في تحركات 17 تشرين، بالإضافة إلى ما تنشره الناشطة نادين بركات، وهي سيدة تعيش في الولايات المتحدة، تخصّص يومياً منشورات للحديث عن مواضيع فساد متعددة، لسياسيين/ات ومصرفيين، ونوّاب. وفي الوقت نفسه، تُتّهم بركات بأنّها هي التي المسؤولة عن حساب (NAD NAD) الذي كان ينشر عن قضايا الفساد مثل قضية الفساد وسرقة الهبات في مستشفى “عين وزين” في الشوف قبل أن يجري إغلاق الحساب.
ولكنّ الاستدعاءات ليست جديدة، بل منذ تحرّكات 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، مروراً بالانتخابات النيابية الماضية، يتعرّض الناشطون والناشطات في منطقتي الشوف والجبل إلى حملة استدعاءات على خلفية نشاطهم/ن على مواقع التواصل. هذا الشهر وحده، استُدعي أربع ناشطين على خلفية منشورات وتعليقات، سُبقت باستدعاءات بحق مشايخ ورجال دين خلال الأشهر الماضية، أُجبروا بعدها على التوقيع على تعهّدات بعدم الحديث عن أشخاص ومؤسّسات معيّنة.
عشر ساعات تحت التحقيق
تأخّر التحقيق مدة عشر ساعات بسبب رفض المحامية رانيا غيث، المتوكّلة عن زيدان وصعب والتي حضرت التحقيق، بعض النصوص المذكورة في التحقيق، ورفضها أن يوقّع موكّلاها تعهّداً بعدم التعرّض للجهة المدعية في المستقبل، في الوقت الذي لم يثبت عليهما أيّ من التهم الموجّهة إليهما. ولكنّها في النهاية وقّعا التعهّد “بسبب إصرار المدّعي العام وقوله إنّها إجراءات طبيعية، مع الاحتفاظ بحق الرد على الافتراء والتضليل والحق الشخصي لنا”، كما يشرح الشابان لـ”سمكس”.
تقول المحامية رانيا غيث لـ”سمكس” إنّ “طريقة الاستدعاء غير قانونية، لكنّ الشابين كانا مُلمّين بحقوقهما خلال التحقيق، وتجلّى ذلك بحضورهما برفقة محامٍ والمطالبة بالاطّلاع على محضر التحقيق ممّا استدعى جدالاً مطولاً”، فضلاً عن أنّ الضابط المعني لم يعطِ الناشطين أيّ تفاصيل عن الجهة المُدعية خلال اتصال الاستدعاء.
بعد ساعات طويلة من التحقيق، حاول المحقّق نقل وجهة نظر مغايرة عن الواقع إلى المدّعي العام التمييزي عبر الهاتف، بدلاً من مشاركته محضر التحقيق عبر الإيميل للاطّلاع عليه والحصول على قرارٍ بترك الشابين.
“هل المكالمة الهاتفية بين المحقّق والمدّعي العام كفيلة بنقل المعلومات بطريقة صحيحة؟ وكيف يقرّر المدعي العام إصدار قرار يلزم الشابين بالتوقيع على التعهّد واستكمال الدعوى في المحكمة، من دون الاطّلاع على قرائن التحقيق ومن دون توقيع المحقّق معهم على المحضر؟”، تتساءل المحامية غيث.
يلفت زيدان وصعب كذلك إلى إنّ الاستدعاءات تحصل نهار الجمعة في نهاية الأسبوع، وهي محاولة علنيّة للضغط على الأشخاص المستدعين وإجبارهم/ن على التوقيع على تعهدات دون مسوغٍ قانوني، أو البقاء رهن التحقيق والاعتقال في المكتب حتى بداية الأسبوع المقبل.
المجلس المذهبي يتّهم: “حملة مسعورة على الطائفة”
لا يستبعد الناشطون/ات أن تكون القوى السياسية المسيطرة في الجبل كـ”الحزب التقدمي الاشتراكي” وراء تحريك الاستدعاءات، لا سيّما مع توسّع حالة من المعارضة، بالإضافة إلى الخرق النيابي الذي أحدثته المعارضة في الانتخابات النيابية عام 2022. ولا يخفي الناشط زيدان أنّه كان منتسباً لـ”لحزب التقدمي الاشتراكي” ظناً منه أنّه يستطيع “إحداث تغيير من داخل الحزب ليتّضح العكس”، مشيراً إلى أتّه سيستمرّ بالنشاط والعمل السياسي في المنطقة.
وكان الاستدعاء طال كذلك الناشطة نسرين خطار التي كان من المفترض أن تمثل إلى التحقيق في 25 أيار/مايو، إلا أنّها رفضت المثول على اعتبار أنّها لم ترتكب أيّ جرم، وكذلك نظراً للحيثية الاجتماعية التي تحظى بها بصفتها ناشطة في الشأن الاجتماعي ومعلّمة، كما تقول.
قابلت خطار شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ سامي أبو المنى، ناقشت معه مسألة استدعائها، فأعرب بدوره عن عن رفضه أن تمثل امرأة في المكتب وأنّ هناك محاولة لسحب أسمها من الملف.
خطار كشفت لـ”سمكس” أنّها حاولت في اللقاء أن تنقل أصوات المعارضة والمستدعى عليهم، مشيرة إلى أنّ أبي المنى شدّد على أنّ المشيخة الدرزية لم تتدخّل بالأسماء بل إنّ مكتب جرائم المعلوماتية من يستدعي من يريد.
في 12 أيار/مايو، أصدر المكتب الإعلامي في مشيخة العقل والمجلس المذهبي بياناً حول موضوع الاستدعاءات وما يُثار بهذا الخصوص. وشرح البيان أنّ “الدعوى حصلت بسبب تمادي صفحة (NAD NAD) وغيرها من الصفحات المشبوهة التي تتطاول على المقامات والمرجعيات بذات اللغة الدنيئة واختلاق أخبار كاذبة وبث الصور المسيئة التي تؤدي إلى إحداث فتن لا تحمد عقباها”، بحسب البيان.
وشرح المكتب الإعلامي أنّ “مجريات التحقيق لدى فرع مكافحة جرائم المعلوماتية قد توصلت للاشتباه ببعض الأسماء، وقاموا باستدعاء أصحابها، رافضاً “الحملة المسعورة بوجه التحقيق التي تحاول الإيحاء بأنّ مشيخة العقل والمجلس المذهبي يقفان وراء استدعاء هؤلاء الأشخاص، وكأنّهما يلعبان دوراً لقمع حرية الرأي”.
بعد انتشار الأخبار حول الاستدعاءات في الجبل، نفى “الحزب التقدمي الاشتراكي”، الذي كان يتزّعمه النائب السابق وليد جنبلاط حتّى الأسبوع الماضي، علاقته بالاستدعاءات في الجبل.
“لا تعليق”، يقول أمين السر العام في الحزب، ظافر ناصر، في اتّصال مع “سمكس”، على الاستدعاءات، مضيفاً أنّه “في عزّ 17 تشرين لم نفعل ذلك، ولن نفعله الآن، وموضوع الاستدعاءات عند مجلس الطائفة”.
ولكنّ الناشط صعب يلفت إلى أنّه “بات واضحاً للمعارضين/ات أنّ هناك حملة ممنهجة لإسكاتهم وتلفيق الاتهامات بحقّهم، كجرم تأليف عصابات أو تجمّعات متطرفة”.
على الرغم من نفي علاقة الحزب الإشتراكي بموضوع الإستدعاءات والتضييق على الناشطين/ات، ينشط عضو كتلة اللقاء الديمقراطي هادي أبو الحسن في منطقة المتن الأعلى، مع مشيخة عقل الطائفة الدرزية في قضية الدعوى والتضييق على الناشطين/ات في الجبل، وفق ما يقول الناشط صعب، خاصة أنّ هناك اصوات معارضة في عائلة أبو الحسن رفضت وصفه للمعارضين/ات بـ”المجرمين الذين يجب الزج بهم في السجن”.
رابطة آل أبو الحسن أدانت، في بيان أصدرته في 26 أيار، الإساءة المتمثّلة بالإستدعاءات القضائية بحق عدد لا يستهان به من الأفراد بقصد كبح الحريات والمضايقات، والإهانة الشخصية. وأكدت الرابطة أنّ الإتهامات والأوصاف فيها إهانات غير مقبولة لأناس عبروا عن رأيهم في وسائل التواصل، كما دعت إلى إبقاء حرية إبداء الرأي فوق كل إعتبار شرط أن لا تنجرف إلى السب والشتم.
يعتبر النائب فراس حمدان الذي حضر التحقيق مع الشابين، في حديث مع “سمكس” أنّ ما يحصل في الجبل يشكّل حلقة واحدة مترابطة، من موضوع استدعاءات الصحافيين/ات، وفرض الرقابة على إطلالات المحامين/ات، وإسكات كلّ الأصوات المعارضة التي تتحدث عن قضايا الفساد، أو التحقيقات المفصليّة ككقضية إنفجار مرفأ بيروت، والتحقيقات مع المصارف”.
ويلفت حمدان إلى أنّ “الشكاوى تمثّل انتهاكاً لمبدأ حرية الرأي والتعبير والاتفاقيات الدولية، والدفاع عن الحريات لا يتعارض مع العمل القضائي”، رافضاً الحديث عن مجريات التحقيق أو التدخّل فيه، في حين يشير إلى أنّه عند “الانتهاء من مسار التحقيق، وإذا ثبُت أنّ القضايا لا تتعدّى كونها افتراءات، سوف تُرفع دعوى قضائية ضد الجهة المدّعية”.