بعد أيام على تجمّع للصحافيين/ات التونسيين/ات اعتراضاً على تضييق الحكومة عليهم/ن وتوقيف مدير إذاعة “موزاييك” المحلية، قادت صفحات موالية لرئيس الجمهورية التونسية، قيس سعيد، حملة ثلب وتشهير استهدفت نقيب الصحافيين، مهدي الجلاصي. روّجت تلك الصفحات لإشاعات تتهم نقيب الصحافيين بالارتباط برجل الأعمال كمال لطيف، الذي اعتقلته الشرطة بتهمة التآمر على أمن الدولة، واصفة نقيب الصحافيين بـ”المرتزق”.
وكانت “النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين” دعت في 16 شباط/فبراير الماضي إلى تجمّع حضره عشرات الصحافيين/ات التونسيين/ات في ساحة القصبة، قرب مقرّ رئاسة الحكومة، رافعين شعار “لا لتركيع الإعلام”. يحتجّ المتظاهرون/ات على التضييق الذي تنتهجه الحكومة على الحريات والذي تزامن مع توقيف المدير العام لإذاعة “موزاييك” المحلية، نور الدين بوطار، والحديث عن استجوابه بخصوص الخطّ التحريري للإذاعة.
ازدادت حدّة الانتقادات للرئيس التونسي قيس سعيد بسبب تضييق الخناق على الصحافيين/ات، لا سيما بعدما سنّ الرئيس المرسوم عدد 54 الذي يعتبر مثيراً للجدل، والذي استعملته وزيرة العدل في حكومة نجلاء بودن لملاحقة معارضة سعيد بسبب تدوينات على “فيسبوك” أو تصريحات في الإعلام. ومنذ ذلك الحين، ازدادت كذلك حملات التحريض والتشهير المنظّمة على وسائل التواصل ضد ّمنتقدي/ات سياسات الرئيس.
الصحافيون بين فكّ القوانين الاستنسابية وأسنان حملات التحريض والتشهير
يخوض صحافيون/ات ونقابيون/ات وناشطون/ات في المجتمع المدني حرب التحريض والتشهير ضدهم/ن بسبب مواقفهم/ن المناهضة لسياسة الرئيس قيس سعيد بشيء من اللامبالاة، والسبب في ذلك هو علمهم/ن بأنّ السلطة هي من أطلقت ذراع المسؤولين عن تلك الحملات بسبب مواقفهم.
يقول نقيب الصحافيين التونسيين، مهدي الجلاصي، لـ”سمكس”: “توقعنا في نقابة الصحافة كلّ الهجمات التي استهدفتنا على مواقع التواصل من سب وشتم وثلب ونشر أخبار زائفة، علماً أنّ ذلك قد ينجم عنه تحريض غالباً ما تكون نتيجته العنف ويهدّد سلامة الصحافيين”.
ومع ذلك، لم تتحرّك السلطة لحماية العاملين/ات في الصحافة والناشطين/ات في الدفاع عن الحقوق والحريات من حملات التشهير والتحريض، حسبما يشرح الجلاصي، مضيفاً أنّ “السلطة تفعل العكس، فهي من يشجّع على ذلك بمنح الحصانة لمروجي حملات التحريض والتشهير ضد كل من ينتقد الرئيس قيس سعيد أو حكومته”.
حملات التحريض والتشهير بحقّ الصحافيين/ات تعزّزت بخطاب رسمي وصفهم/ن بـ”المرتزقة” من قبل وزير الداخلية. ففي 7 آذار/مارس، انتشر على وسائل التواصل فيديو لوزير الداخلية يقول فيه إنّ “التونسيين/ات لا يحتاجون للإعلام من أجل الحصول على المعلومة […] رجال الإعلام مرتزقة وخونة”. وهو تصريح نددت به “النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين” في بيان لها ووصفته بأنه خطاب تحريضي وتخويني للإعلام وللنقابات.
وعن حملات التشهير ضدّ نقابة الصحافة وضدّه شخصياً، يشرح الجلاصي أنّ “الحملة ضدي سببها واضح، وهو مواقف النقابة الوطنية للصحافيين المنتصرة لحرية الصحافة والتعبير والمنتصرة للحقوق والحريات بصفة عامة”. ويؤكّد “أنّنا سنتشبث بمواقفنا الثابتة إذ لا يمكننا السكوت عن الانتهاكات التي ترتكبها السلطة، برغم تلك الحملات. أعتقد أن القضاء يتحمل مسؤولية تاريخية اليوم حتى يساهم في تنقية المناخ العام وإبعاده عن منطق التحريض والتخوين”.
خولة بوكريم، الصحافية في موقع “كشف ميديا”، تعرّضت بدورها إلى التشهير على صفحة رسمية لإحدى المحاميات المعروفة بدفاعها عن سياسة الرئيس قيس سعيد. انطلقت الحملة بعدما أجرت بوكريم حواراً مع زوجة البشير العكرمي الذي أصدر قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب منذ أسبوع بطاقة إيداع بالسجن في حقه. ودعت المحامية على صفحتها الرسمية إلى “توجيه المجهر” على الصحفية خولة بوكريم، واصفةً عملها بـ”المشبوه” وزاعمةً “ارتباطها بقطر”.
حملات لا تستثني أحداً
بسبب مواقف إنسانية ضد حملات العنصرية التي استهدفت مهاجرين/ات من أفارقة جنوب الصحراء، لم ينجُ المسؤول عن ملف الهجرة في “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، رمضان بن عمر، من التشهير على مواقع التواصل.
تعرّض بن عمر لاتّهامات “بالعمالة وتشويه صورة الدولة في الخارج”، وذلك من خلال تعليقات أو منشورات على “فيسبوك”، وفقما يقوله لـ”سمكس”، مضيفاً أنّ “حملات التشهير توسّعت من “فيسبوك” لتصل إلى أرض الواقع حيث نعتني البعض بالخائن بسبب مواقفي المساندة للمهاجرين غير النظاميين والمنتقدة لسياسة الدولة تجاه الهجرة غير النظامية، وهي المصطلحات ذاتها التي يرددها الرئيس التونسي في كل مرة تجاه منتقديه الذين يتهمهم بالتواطؤ ضد تونس وتشويه صورتها في الخارج”.
ومع ذلك، لم يتوجّه رمضان بن عمر إلى القضاء لمواجهة حملات التشهير، لأنّه لا يرى “جدوى في تقديم الشكوى لأنّ من يقودون حملات منتظمة ضد الناشطين/ات ومعارضي/ات الرئيس التونسي هم من أنصار سعيد”، حسب قوله.
وفي المقابل، دعا “الاتحاد العام التونسي للشغل“، أكبر منظمة نقابية تونسية، في بيان له يوم 13 آذار/مارس بالبتّ بما أسماه “الدعاوى القضائية المجمّدة” التي رفعها الاتحاد ضد الموالين للسلطة الذين وصفهم بأنهم “احترفوا التشويه والمغالطة والقذف والإساءة للغير، حيث تصدر عنهم كل الأخبار والمعطيات بما فيها التي تنتهك المعطيات الشخصية للمواطنين”، مبدياً استغرابه مما سماه “صمت النيابة العمومية إزاء هذه الانتهاكات وميلها إلى الانتقاء عند فتح الأبحاث حسب الولاءات” وفق ما جاء في البيان.
وكان الأمين العام لـ”الاتحاد العام التونسي للشغل”، نور الدين الطبوبي، أحد المستهدفين من تلك الحملات التي اتهمته بالعمالة وبأنه متورط في قضية سرقة.
ومن جهة أخرى قامت صفحات مساندة للرئيس التونسي بحملات تشهير ضد القاضي يوسف بوزاخر الرئيس السابق للمجلس الأعلى للقضاء الذي قام قيس سعيّد بحله، متهمة القاضي بقربه من رجل أعمال تونس نافذ، وذلك على خلفية معارضته لتدخل سعيد في القضاء.
منذ أكثر من اثني عشر عاماً، تحوّل موقع “فيسبوك” في تونس إلى مساحة لنشر الأخبار الزائفة والثلب والتشهير، استغلّها المتنافسون/ات في المحطات الانتخابية المهمة التي عاشتها البلاد بعد الثورة.
أما الآن، ومنذ أن عزز الرئيس التونسي سلطته بالكامل قبل قرابة العامين، بدا أنّ حملات التشهير ضد خصومه باتت تعتبر إسناداً قوياً لقراراته التي “يؤدّب” بها منتقديه.