“اعتدت على مدى ثلاث سنوات طلب سيارة أجرة عبر تطبيق “بولت“، وكان كل شيء على يرام، حتى بدأت ألاحظ في الآونة الأخيرة أنّ السائقين الذي يقلونني تختلف أسماؤهم وصورهم عن المعلومات التي في التطبيق. أشعر بشيء من الخوف في كلّ مرة يحصل ذلك”، تقول هديل (21 سنة) لـ”سمكس”.
مع تفاقم الأزمة اللبنانية وانهيار الليرة أمام الدولار الأميركي منذ العام 2019، كان لقطاع النّقل نصيبٌ كافٍ من المعاناة، إذ تخطّى سعر المحروقات مؤخراً المليون و10 ألف ليرة لبنانية (أكثر من 15 دولاراً أميركياً على سعر 60 ألف ليرة للدولار الواحد). وفي حين وجد بعض سائقي سيارات الأجرة في “بولت” وسيلة سهلة لإيجاد الركّاب بدلاً من التجوال في الطرقات طوال النهار، أعلنت الشركة عدم استقبال سائقين/ات جدد، ليُفتتح بذلك سوق تأجير حسابات “بولت”!
ويُقصد بتأجير الحساب، هو أن يملك أحدهم حساب سائق “بولت” يتضمّن اسمه وصورته ورقم لوحة سيارته أو دراجة ناريّة، فيؤجّره إلى سائق لا يملك حساباً، فيبدأ بتلقّي طلبات الزبائن والعمل تحت اسم صاحب الحساب الأساسي وصورته، مقابل بدل مادّي شهري أو أسبوعيّ.
على الرغم من عدم تطابق معلومات السائق الحقيقي مع تلك المدرجة في التطبيق، وما شكّله هذا من هواجس لدى هديل، إلا أنها غالباً ما تختار الذهاب إلى عملها يومياً مع”بولت”، فاستخدام “بولت” سهل، ولا يستدعي طلب سيارةٍ سوى فتح التطبيق، وتحديد نقطة الانطلاق والوجهة، فتظهر الكلفة التقريبيّة ويبقى على المستخدم/ة التأكيد أو الرفض.
خطر يهدّد سلامة الركّاب/ات الرقمية
تجتاح إعلانات تأجير حسابات “بولت” وسائل التواصل. يقول ربيع، وهو سائق “بولت” يؤجّر حسابه، في حديث لـ”سمكس”، إنّ كلفة إيجار حسابٍ على تطبيق “بولت” تتراوح بين 100 و250 دولار أميركي شهرياً، أو حوالى مليون ليرة في الأسبوع. لكن كثيرين يقعون ضحيّة صفقات غير شريفة، “إذ يبيع بعض السائقين حساباتهم ثم ييغيّرون البريد الإلكتروني في التطبيق ويستمرون ببيعه مراراً وتكراراً”، وفقاً لربيع.
لا شكّ في أن هذا الوضع مقلق، لأن معلومات المستخدم/ة من موقعٍ واسمٍ ورقم هاتف، تصبح تلقائياً متاحة لأفراد غير مسجّلين في نظام الشركة، أي مستأجري الحساب، كما أن خطر وقوع أي حادث أو مشكلة وعدم القدرة على التعرف على السائق الفعلي واردٌ جداً.
ليس قرار شركة “بولت” بعدم فتح حسابات جديدة السبب الوحيد لانتشار هذه الظاهرة. سابقاً، كان يتعيّن على السائق تقديم عددٍ من المستندات منها رخصة القيادة العمومي، بطاقة الهوية اللبنانية، ووثائق تأمين السيارة، ومن لا يستطيع تأمينها يلجأ بطبيعة الحال إلى الإيجار. “كثيرون أبلغوا عن حسابي. شكوى واحدة كفيلة بحجب الحساب لمدّة أٍسبوع، اثنتان تغلقانه بشكل دائم”، يقول ابراهيم لـ”سمكس”، وهو سوري مقيم في لبنان يعمل كسائق “بولت” بالإيجار.
تقدّم مسؤولة قسم التكنولوجيا في “سمكس” سمر الحلال مجموعة نصائح لحماية سلامتكم/ن الرقمية والجسدية، أهمّها التأكّد من أن السائق الفعلي هو نفسه الموجود في الصورة المعروضة على التطبيق، ومطابقة رقم لوحة السيارة بذلك المسجّل عبر تطبيق”بولت”، وتحديد نقطة انطلاق على مسافة معقولة من منزل المستخدم/ة، بحيث يكون مكاناً عاماً ومعروفاً، فضلاً عن تشغيل خدمة الشبكة الافتراضية (VPN) بشكل دائم على الهاتف المحمول.
موقف قطاع النقل العام اللبناني
لا يوجد أرضية مشتركة لدى السائقين العموميّين في لبنان، خصوصاً في ظلّ التضارب بين نقيب قطاع النقل البري بسام طليس ورئيس الاتحاد العام لنقابات السائقين وعمال النقل مروان فياض، والخلافات العديدة فيما بينهما، خاصّة في ما يخصّ تحديد تسعيرة سيارة الأجرة.
“تقدّمنا بشكوى ضد بولت عام 2021، وجرى تحقيق في مكتب مكافحة جرائم السرقات الدولية، إلا أنّ الموضوع لم يُبتّ حتى الآن”، يقول فياض لـ”سمكس”، مضيفاً أنّ وزارة الداخلية تسمح للشركة بالعمل تحت ذريعة تيسير أمر المواطنين/ات الذين لا يملكون رفاهية استقلال سيارة أجرةعادية ويستعيضون عنها بدراجة نارية مثلاً. و”هذا الواقع مخالفٌ لقوانين السير والعمل اللبناني، والسلطات تتغاضى عن الموضوع خوفاً من غضب المستفيدين الذين باتوا كثراً”، بحسب فياض.
“بولت” غائبة عن السمع
لا تتواصل “بولت” مع السائقين، ولا تواكب التغيّرات الحاصلة على أرض الواقع. تواصلت “سمكس” مع مكتب الشركة في أستونيا، إلا أنّ قسم العلاقات العامة فيه اكتفى بالرّد على طلبنا برسالة قال فيها: “نظراً لعدم توفّر متحدّث رسمي، لن نتمكن من المشاركة في المقابلة”، ولم تبادر إلى تحديد موعد بديل أو وقتاً يتوفّر فيه “متحدّث رسمي”.
“على ما يبدو، هناك طرفٌ مجهول على تواصل مستمرّ مع الشركة. عندما كانت تُقطع الطرقات وتُنظّم المظاهرات، كانت بولت تعدّل أسعارها فوراً”، يقول أحد سائق عموميّ يعمل لحسابه الخاص ومع “بولت”.
يعتبر المحامي والخبير في الجرائم المعلوماتية، شربل شبير، أنّ “لا مشكلة قانونية في استخدام بـ’بولت’ لأنّه بنودها وشروطها مدرجة بوضوح في التطبيق، فضلاً عن ذكر سياسات تعزيز سلامة بيانات الركّاب التي تعتمد على اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR)، مع الإشارة إلى أن فترة استخدام بيانات الرّاكب/ة (الاسم والصورة ورقم الهاتف) تقتصر على مدّة الرحلة”. لكنّ انتشار ظاهرة تأجير الحسابات وبيعها رفع نسبة الخطر وسمح بحدوث هذه الفوضى، حسبما يضيف شبير.
إحدى أبرز المشاكل التي نتجت عن الأزمة الاقتصادية اللبنانية هي الاختلاف على التسعيرة التي يحدّدها تطبيق “بولت” لكل رحلة. فمثلاً، مقابل الرحلة التي يحدّد التطبيق 70 ألف ليرة لبنانية تسعيرة لها، يطلب السائق 100 ألف. أمّا القصور الثاني فهو عدم وجود قانون ينظّم هذه التطبيقات،. ولذلك ، وعلى الرغم مما سبق، “لا يمكن اعتبار “بولت” شركة خارجة عن القانون”، بحسب شبير.
ومع ذلك، لكن “يستطيع الراكب تقديم دعوى جزائية تندرج تحت عنوان ’الجرائم المعلوماتية’ نتيجة استحصال حسابات وهمية (التي يديرها مؤجّرو الحسابات) على بياناته، إذ ينصّ القانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي 81/ 2018 على حماية البيانات وضمان عدم بيعها”، يضيف شبير، لافتاًويلفت إلى أنّ عدم دفع “بولت” للضرائب، لكونها غير مسجّلة في لبنان، هو أمرٌ خارج عن القانون.
يترتّب على عمليات تأجير أو بيع حسابات “بولت” مخاطر مختلفة، فإلى جانب انتهاك خصوصية مستخدمي/ات التطبيق وفضح بياناتهم/ن، هناك جانبٌ لا يقلّ خطورة، وهو سلامة الركّاب الجسدية. ولعلّ جريمة اغتصاب وقتل موظفة السفارة البريطانية في بيروت ريبيكا دايكس، من قبل سائق “أوبر” عام 2017، نموذج واضح لما قد تؤول إليه الأمور مستقبلاً في حال تطوّرت هذه الظاهرة.