لا يهدأ الشاب اليمني أحمد ناشر (27 عاماً) خلال فعاليات كأس العالم، التي تستضيفها قطر من 20 تشرين الثاني/نوفمبر حتى 18 كانون الأول/ديسمبر 2022، وكأنّه أحد منظّمي البطولة. لكنّ الحقيقة أن عمله في اليمن يقوم على تركيب على توجيه واسقبال قنوات رياضيّة غير مشفّرة تنقل مباريات بطولة كأس العالم.
يقول ناشر لـ”سمكس” إنّه”بسبب الأزمة التي تمر بها البلاد منذ ثمانية أعوام، ولأن الموظفين لا يتقاضون أجوراً تكفيهم للاشتراك بالقنوات التي تحتكر بثّ مباريات كأس العالم، نحاول قدر الإمكان مراعاة ظروف الناس وتوفير الخدمة بأقلّ كلفة ممكنة”.
مهمة ناشر ليست سهلة بتاتاً، فهو يقدّم خدمة مشاهدة المباريات عبر قنوات أجنبية ثم يدمجها مع تعليق محليّ. وعن هذه الطريقة “غير الشرعية”، يشرح أنّ “ثمّة صعوبة في إمكانية استخدام الطرق “القانونيّة” بالإضافة إلى ارتفاع أسعارها، ما دفع اليمنيين إلى إيجاد حلول بديلة لكسر احتكار القنوات العربيّة التي تملك حق البث الحصري لمباريات كأس العالم”.
أمّا المعدّات المطلوبة للحصول على هذه الخدمة ومتابعة مباريات كأس العالم، “يتعيّن توفير طبق لاقط بقطر 90 سم أو 150 سم، إضافة إلى جهاز استقبال بتقنية HD لأحد الأقمار المجانية التي توفّر عدداً من القنوات الرياضية”، يشرح ناشر.
ولكن من لا يستطيع تحمّل كلفة تركيب الصحون اللاقطة، ويعجز عن شراء أجهزة الاستقبال، ناهيك عن أسعار خدمات الكهرباء الباهظة، “فيكتفي بمشاهدة ملخّصات أو مقاطع قصيرة من مباريات البطولة على مواقع التواصل”، كما يقول لـ”سمكس” الصحافي الرياضي اليمني، حمدي العباسي. فوق الاحتكار، تحول”معاناة اليمنيين تحول دون قدرتهم على متابعة أحداث بطولة كأس العالم التي تنتظرها كل الشعوب حول العالم، سواء بسب ارتفاع التكاليف، أو غياب الكهرباء، أو انقطاع الإنترنت وبطئه”.
متابعة “غير ممتعة”
أبدى اليمنيون تعاوناً محلياَ لافتاً منذ انطلاق كأس العالم في قطر، حيث انتشرت العديد من المبادرات الفرديّة والجماعيّة لنقل ومشاهدة مباريات كأس العالم في الساحات العامة في بعض المحافظات.
يفتح نبيل غالب أبواب مجلسه الشبابي أمام محبّي المستديرة في قرية “المرجامة” في محافظة إب وسط البلاد، ليشاهدوا المباريات سوياً. كان غالب قد أطلق مبادرة محليّة قبيل انطلاق البطولة لجمع مبلغ 245 ألف ريال يمني (حوالى 250 دولاراً أميركياً) لشراء جهاز استقبال خاص بالقنوات التي تعرض بطولة كأس العالم 2022 حصرياً.
يقول غالب لـ”سمكس” إنّ مبادرته لقيت تجاوباً واسعاً، إذ استطاع شراء الجهاز خلال أيام قليلة وبات يستضيف أكثر من 70 شاباً في مجلسه الذي لا يتّسع لأكثر من 50 شخص.
لكنّ الفرحة لم تكتمل، بحسب غالب، لأنّ التيار الكهربائيّ يستمرّ بالانقطاع في قريته” المشكلة تتعدّى مجرّد احتكار القنوات للبث، ولن يحلّها مجرّد اقتناء جهاز استقبال”، يقول بحسرة.
في محافظة تعز، يعجز الكثيرون عن مشاهدة المباريات بسبب أوضاعهم الاقتصادية الصعبة وارتفاع أسعار بطاقات الشحن الخاصة بالقنوات التي تحتكر بثّ فعاليات بطولة كأس العالم.
ولكنّ المواطنين وجدوا بعض الحلول، وفقاً لما يقوله قيس الصنوي، وهو مهندس مختصّ بالشبكات، لـ”سمكس”: “ابتكرنا بعض الحلول، كان أبرزها تثبيت شبكة محليّة في جبل صبر لبثّ بعض القنوات التي تبثّ مباريات كأس العالم، ويتعيّن على من يريد المشاهدة أن يكون لديه استقبال وبطاقة شحن بأسعار معقولة”. يكشف الصنوي كذلك أنّ إرسال هذه الخدمة يستطيع تغطية مناطق أبعد مثل الحوبان والقاعدة وشرعب. “أما في تعز، فنقوم باختراق شيفرات البث التي تتغير من وقت إلى آخر”.
تتابع بينون عبدالرحمن (29 سنة) بشغف مع والدتها مباريات كأس العالم، في بلد فرضت عاداته وتقاليده قيوداً صارمةً على النساء، وحرمتهنّ من ممارسة الرياضة ومتابعتها من المدرجات وفي الساحات العامة.
لذلك، تقول بينون لـ”سمكس” إنّها لا تستطيع ارتياد الأماكن العامة أو النوادي الرياضية التي تبثّ المباريات، “بسبب العادات والتقاليد التي يفرضها المجتمع”، فتضطرّ لمتابعة المباريات في المنزل عبر الإنترنت رغم بطئه وسوء جودته في اليمن. “أستخدم شبكة واي فاي في المنزل أو باقات 4G برغم جودة الاتصال الرديئة، ومع ذلك لا نستمتع بمشاهدة المباريات عبر الهاتف بسبب صغر الشاشة وكذلك بسبب انقطاع الإنترنت المستمرّ”.
هذا الانقطاع المستمرّ الذي تعاني منه شبكة الإنترنت هو “نتيجةٌ للضغط الشديد الذي تعاني منه الشبكة خلال أوقات بثّ المباريات، إذ يحاول المستخدمون في كافة أنحاء البلاد متابعة البطولة”، بحسب تصريح مهندس الاتصالات في الشركة الوطنية “يمن موبايل”، حامد شاهر لـ”سمكس”.
ويعاني اليمن منذ سنوات من تشرذم قطاع الاتّصالات بين حكومتي صنعاء وعدن، بالإضافة إلى تدمير البنى التحتية خلال الحرب، ما يحول دون صيانة شبكات الاتّصالات، أو تطويرها، أو حتّى إيصالها بصورة رسمية وبجودة ملائمة إلى أغلب المناطق.
أفخاخ سيبرانيّة
يغتنم قراصنة الإنترنت فرصة انعقاد الفعاليات الدوليّة والمناسبات التي تحظى باهتمام مشترك لاختراق حسابات المستخدمين. ويقول المختصّ بالأمن السيبراني، عبد الحافظ، الحكيمي لـ”سمكس”، إنّ بطولة كأس العالم هي “المصيدة المفضّلة بالنسبة إلى القراصنة، الذين يواظبون على إرسال روابط للمستخدمين يقنعونهم/ن فيها أنهم سيحصلون على جوائز مقابل توقّع نتائج المباريات”.
إضافة إلى ذلك، ينبغي التحقّق دائماً من الروابط التي يتناقلها المستخدمون لمشاهدة المباريات على النت، لأنّها قد تكون روابط تصيّد، حسبما ورد في”الكثير من الشكاوى التي وصلتنا منذ انطلاق البطولة”، وفقاً للحكيمي.
روابط التصيّد هي روابط خبيثة تتخفّى بصورة روابط مصغّرة أو تشبه روابط حقيقية، وتهدف إلى تنزيل برمجيّة خبيثة عند النقر عليها، أو حثّ المستخدم/ة على كتابة كلمة المرور واسم الحساب تمهيداً لسرقته، أو وضع معلومات البطاقات المالية، وغيرها من الأمور. لتجنّب الوقوع ضحيّة الأفخاخ السيبرانيّة.
تنصح “سمكس” بتجنّب الروابط المشبوهة والتأكّد من هويّة مرسل الروابط، وعدم تسجيل الدخول إلى حسابات التواصل عبرها، والامتناع عن إرسال رموز التحقق إلى أي جهة حتى لو كان من العائلة أو الأصدقاء. ويمكنكم/ن الاطّلاع على هذه المقالة للمزيد من النصائح حول السلامة الرقمية، وهذه المقالة لمعرفة أفضل طرق كشف روابط التصيّد.