قطع الإنترنت لا يمنع الغشّ في الامتحانات، وهو وسيلة غير فعّالة وباهظة الكلفة. تتطرّق هذه المدوّنة إلى الأسباب والبدائل. وننشرها كجزء من حملة “سمكس” للإضاءة على أضرار هذه الممارسة على الإنترنت والاقتصاد وحياة الناس.
ليسَ الغشّ في الامتحانات أمراً جديداً بالتأكيد، لكنَّ ظاهرة الرقمنة زادته تعقيداً. لا شكَّ في أنَّ تسريبات الامتحانات والتواصل عبر الأجهزة المحمولة أثناء الامتحانات يُمثِّلان مشكلة تستوجب الوقوف عندها. لكنَّ قطع الإنترنت جزئياً أو كلّياً هو استجابة غير مناسبة وغير مُجدِية، كما أنّه ممارسة لا تُحقِّق الهدف المنشود وتؤثّر تأثيراً كبيراً على المجتمع والاقتصاد والتنمية.
في المنطقة العربية، كانت سوريا والعراق أوّل مَنْ لجأَ إلى قطع الإنترنت في فترة الامتحانات وغيرها من التدابير المماثلة في عام 2015. وفي عام 2016، عمدَت السلطات العراقية إلى قطع الإنترنت بحجّة منع الغشّ حتّى بين طلّاب الصفّ السادس، قبل أن تتبنَّى عدّة بلدان هذا التكتيك في السنوات التالية، مثل الجزائر والسودان والأردن وسوريا. وتبعاً لسياق كلّ بلد ونطاق هذه الممارسة، أتت الكلفة الاقتصادية عالية، كما هو موضّح في هذا الشرح. غير أنَّ التأثير لا يقتصر على الاقتصاد بل ينعكس على كلّ مكوّنات المجتمع.
بالرغم من نطاق عمليات قطع الإنترت وكلفتها، أثبتت هذه الممارسات أنَّها غير مُجدِية وغير فعّالة. وحتّى مع اعتماد إجراءات شاملة وصارمة، برزت بعض حالات التسريب والغشّ وتمّ الإبلاغ عنها. في الجزائر، رغم عمليات القطع المُكلِفة ورغم فرض عقوبات مشدّدة في حال الغشّ، حُكِمَ على طالبٍ بالسجن لمدّة سنة بسبب تسريب الأسئلة عام 2020. وفي العام التالي، أدانت السلطات 77 طالباً بسبب “نشر مواضيع وأجوبة امتحانات البكالوريا بواسطة أدوات التواصل عن بُعد”. وفي السودان حيث تمّ توزيع نسخ ورقية من الامتحانات بصورة غير قانونية على الطلّاب في عام 2003، لم تتمكّن السلطات أيضاً من منع الغشّ. وفي عام 2021، تمّ تسريب امتحان الدراسات الإسلامية، ممّا استدعى تغيير موعده.
كما ذكرنا، يبرز العديد من البدائل الأفضل لمنع الغشّ في الصفوف وتسريب المعلومات، مثل وضع سياسات صارمة بشأن استخدام الهاتف المحمول في الصفّ، أو منع الهواتف المحمولة في قاعات الامتحانات. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي للحكومة الاستعانة بمفتّشين متخصّصين للتأكُّد من مكافحة الغشّ بين الطلّاب. نفَّذَ المغرب على سبيل المثال هذا النوع من التدابير، من دون اللجوء إلى قطع الإنترنت. وقرَّرَت السلطات أنَّه في حال عثَرَ المُمتحِنون على جهازٍ محمول، يُمنَع الطالب من إعادة الامتحان لمدّة تَصِل إلى سنة كاملة. وبالنسبة إلى مسألة تسريبات الامتحانات، ينبغي على وزارات التربية اتّخاذ تدابير لضبط عملية توزيع النسخ والحدّ من عدد الأشخاص الذين يمكنهم الوصول إليها. ومع ذلك، تستهدف كلّ هذه الحلول أعراضاً سطحية لمشكلةٍ أكثر عمقاً. فطالما يتمّ التركيز على التلقين والتكرار وليس على التفكير النقدي، لن يُشجَّع الطلّاب على التعلُّم من أجل اكتساب معارف ومهارات بعيدة المدى.
ليسَ الغشّ في الامتحانات ظاهرةً جديدة بل هو موجود قبل استحداث الإنترنت، وبالتالي فإنَّ قطع الإنترنت لن يمنع الغشّ. ويأتي هذا التكتيك بنتيجةٍ سلبية على التعليم والتعلُّم كما توضح العديد من الإفادات التي تلقّتها منظّمة “سمكس” حول تأثيرات انقطاع الإنترنت.
كتبَ أحد الطلّاب من الجزائر قائلاً: “بسبب قرارات المسؤولين الأغبياء في الجزائر، لم أتمكَّن من الدراسة لامتحانات الجامعة أو إرسال مشاريعي إلى أساتذتي، ولم أتمكَّن أيضاً من التواصل مع زملائي في مجموعات الدراسة الخاصّة لتبادل المستندات والمعلومات أو العمل عن بُعد”.
وفي إفادة أخرى تعود إلى العام 2018، قالَ طالبٌ سوري: “كنتُ أُعِدّ ورقة بحثية لمشروع التخرّج وكنتُ أبحث في الوثائق المكتبية، فقطعَتْ الحكومة الإنترنت واضطررتُ إلى الانتظار لأكثر من 6 ساعات لإكمال الورقة”.
حتّى لو نجحَ تكتيك قطع الإنترنت، فهو يبقى غير مناسب وسلبياً تماماً. ثمّة خطوات بديلة أقلّ ضرراً وكلفةً، وهي أكثر ملاءمةً للتعامل مع الغشّ في الامتحانات لأنَّها محدّدة ومناسبة للهدف المُراد تحقيقه.