ما الذي نستنتجه من حقيقة أنّ غالبية حوادث الأمن الرقمي المُبلَّغ عنها في العام 2021 قد حصلت على “فيسبوك”؟ أولاً، يشير العدد المتزايد من الحسابات المحظورة وحالات إزالة المحتوى غير المبرّرة إلى ممارسات إدارة المحتوى غير الشفافة، خصوصاً في ما يتعلّق بالمحتوى العربي على المنصّة. وفي الوقت نفسه، تشير الأخطاء المُرتكبة في هذه الممارسات إلى مشكلة أيديولوجية أعمق في صياغة “معايير المجتمع” التي تعمل على إسكات المجموعات والأفراد المهمّشين على الإنترنت. وليس ذلك سوى مثال واحد عن حالات كثيرة جرى الإبلاغ عنها عبر “منصّة دعم السلامة الرقمية”.
أطلقت منظمة “سمكس” (SMEX) “منصّة دعم السلامة الرقمية” في العام 2019 لتقديم الدعم التقني للناشطين/ات والصحافيّين/ات ومنظمات حقوق الإنسان التي تواجه طيفاً واسعاً من حوادث الأمن السيبراني في لبنان وفي عدد من الدول الناطقة باللغة العربيّة. وفي العام 2021، استجاب فريقنا لأكثر من 100 حالة تتعلّق بالرقابة على الإنترنت والتحرّش وعمليات إزالة المحتوى غير المبرّرة على وسائل التواصل الاجتماعي.
يقدِّم الاستعراض التالي للحالات التي عالجتها المنصّة بين كانون الثاني/يناير وكانون الأول/ديسمبر 2021 معلومات قيِّمة حول طبيعة التهديدات الرقميّة التي يواجهها الناشطون/ات، والمدافعون/ات عن حقوق الإنسان، والمحامون/ات، والصحافيّون/يات، ومنظمات المجتمع المدني في المنطقة، وبالأخصّ في لبنان.
من خلال معرفة مكان حدوث هذه التهديدات وتوقيتها وتوترها، يمكن لنا، نحن المهتمّون/ات بالحقوق الرقميّة، رصد التهديدات الحالية، والاستجابة للأنماط المحدّدة، والوقاية من المخاطر المحتملة على الصعيدَيْن التقني والسياساتي.
يمكن إبلاغ “منصّة دعم السلام الرقمية” عن الحوادث بواسطة البريد الإلكتروني، أو تطبيق “سيغنال” (Signal) أو تطبيق “واتساب” (WhatsApp). ويعمل نظام معالجة الحوادث في المنصّة على غربلة الحالات بحسب أولويتها والقدرة الاستيعابية، بحيث يستجيب الفريق المسؤول عن معالجة الحوادث للبلاغات كلّ يوم من التاسعة صباحاً حتى منتصف الليل، بما في ذلك خلال عطلة نهاية الأسبوع.
في العام 2021، تلقّينا 79.9% من البلاغات بواسطة البريد الإلكتروني، و18.6% منها عبر “واتساب”، و1.5% منها فقط عبر “سيغنال”. وتعود نسبة المراسلات الكبيرة عبر البريد الإلكتروني إلى أنّ خدمة الإبلاغ عبر “واتساب” لم تكن متوفّرة قبل تموز/يوليو 2021. أمّا النسبة المتدنيّة من المراسلات المُستلَمة عبر “سيغنال” فتشير إلى قلّة الناس الذين يستخدمون هذا التطبيق في منطقتنا لتبادل الرسائل الفورية الآمنة.
(ملاحظة: أُزيلت كلّ العناصر الحسّاسة والمعلومات الشخصية من البيانات قبل تحليلها)
“فيسبوك” يتصدّر القائمة
في ما يتعلّق بالمنصّات والحوادث التي تشمل تعليق الحساب و/أو النشاط، أبلغنا عن 57 حادثة على “فيسبوك”، و19 على “تويتر”، و27 على “إنستغرام”. ويُعزى عدد الحالات المرتفع على “فيسبوك” إلى استخدامه الشائع في الدول الناطقة باللغة العربية، ويليه تطبيق “واتساب”. وتُظهر هذه الأرقام مواطن الضعف والثغرات في “معايير المجتمع”، التي تؤدّي إلى عمليات إدارة محتوى غير عادلة على المنصّة. تُظهِر موجة الرقابة التي اجتاحت “فيسبوك” و”إنستغرام” خلال الهجمات الإسرائيلية على حيّ الشيخ جرّاح في نيسان/أبريل 2021، حيث أُزيلت مئات المحتويات والحسابات المناصرة لفلسطين، ممارسات الإدارة الخاطئة لدى شركة “ميتا” (Meta) وانحيازها العميق ضدّ سرديّات معيّنة.
خلال السنة الماضية، أُحيلت 50 حادثة تقريباً إلى الشركات المعنيّة مباشرة من خلال “منصّة دعم السلامة الرقمية” لتسليط الضوء على التعليق الظالِم لبعض الحسابات وحالات إزالة المحتوى غير المبرّرة.
نوعان من الحوادث الأمنية
تتلقّى “منصّة دعم السلامة الرقمية” نوعَين من الحوادث. النوع الأوّل (الإنساني) يرتبط بصاحب/ة الحساب، حيث يُبلِغ الأفراد عن التهديد بالابتزاز الجنسي، والتنمّر والتحرّش على الإنترنت، وغير ذلك. ونتوقّع أن تستمرّ هذه الأرقام في الارتفاع في العام 2022 مع توافد المزيد من الأشخاص إلى المجال الرقمي.
أمّا النوع الثاني من التقارير فيتعلّق بالمسائل التقنية ويرتبط بالحسابات بحدّ ذاتها، وتشمل الحوادث في هذا الإطار اختراق الحسابات أو سرقتها، وحظر الحسابات والأنشطة. ومن بين 67 حالة تقنية تلقّتها المنصّة، كان 70% منها يتعلّق بالشركات المذكورة. وتشير النتائج إلى تزايد حالات قمع حرية التعبير في عدد من بلدان المنطقة.
التوازن من ناحية النوع الاجتماعي
أخيراً، نلاحظ أنّ 51.5% من الحالات يُبلغ عنها مُستخدِمون من الرجال، مقارنة ب36.4% تُبلغ عنها مُستخدِمات من النساء. وتجدر الإشارة إلى أن 70% من جميع الحالات المُبلَّغ عنها تتعلّق بالتحرّش على الإنترنت، والابتزاز الجنسي، وخطاب الكراهية، والتنمّر على الإنترنت ضدّ النساء.
تُظهِر نتائج “منصّة دعم السلامة الرقمية” مواطن الضعف الكثيرة التي يعاني منها المستخدِمون/ات من الدول الناطقة باللغة العربية على الإنترنت، سواء أكانت تقنية أو سياساتيّة. لذا، لا بدّ من بذل الكثير من الجهود الإضافية لتوفير مساحات مدنيّة رقميّة أكثر أماناً وأكثر قدرة على الصمود.
في المرحلة المقبلة، سوف تضاعِف “سمكس” جهودها للمساهمة في بناء قدرة الأشخاص ومنظمات المجتمع المدني على الصمود بوجه التحدّيات والتهديدات الرقمية في لبنان والمنطقة، وذلك من خلال مشاركة النصائح الأمن الرقمي، وإجراء اختبارات السلامة الرقمية، وتقديم دورات التدريب على الأمن الرقمي، وغيرها من سبل الدعم. بالإضافة إلى ذلك، تطوّر “سمكس” قدراتها في مجال التحليل الجنائي الرقمي لمساعدة الصحافيّين/ات والمدافعين/ات عن حقوق الإنسان الذين استُهدفوا/ن ببرمجيات التجسّس. وأخيراً، ستواصل “سمكس” مناصرتها لإقرار سياسات أكثر إنصافاً على منصّات التواصل الاجتماعي، تراعي الخصائص الثقافية واللغوية والتاريخية للدول الناطقة بالعربية.
للتواصل مع منصّة دعم السلامة الرقمية:
– “سيغنال”/”واتساب”: 0096181633133
– البريد الإلكتروني: helpdesk@smex.org