في كانون الأول/ديسمبر 2020، بدأت شركات الاتّصالات في السودان برفع أسعار باقات اتّصالات الإنترنت، من دون أن يؤثّر ذلك على تحسّن الخدمة أو توسيع نطاقها. ترافق الأمر مع الإغلاق العام لمواجهة جائحة كورونا والتوجّه نحو العمل والتعليم عن بُعد، فكان أن زاد فوق معاناة السودانيين معاناة بسبب عجز السلطات عن تلبية الطلب المتزايد على الإنترنت والاتّصالات نظراً إلى المشاكل الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد، وليس أقلّها انهيار (ثم تعويم) سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار الأميركي.
شهدت بداية عام 2021 ازدياداً ملحوظاً في في عدد مستخدمي الإنترنت في السودان بنحو 323 ألفاً، أي زيادة بنسبة 2.4% عن عام 2020، مع معدّل انتشار ناهز 30.9% في كانون الثاني/يناير من العام الجاري. ولكنّ هذه الزيادة في الاستخدام لم تنعكس إلّا مزيداً من الأسى على الطلّاب في السودان وذويهم، وصولاً إلى قطع الإنترنت بالتزامن مع امتحانات الثانوية العامة في شهر حزيران/يونيو بحجّة “منع الغش”. “فالطلّاب يواجهون عقبات كثيرة، مثل بطء الإنترنت وانقطاعه وقطعه، وقطع الكهرباء المستمرّ، وصعوبة تعامل الأساتذة والطلاب مع التطبيقات الإلكترونية”، حسبما تصف ريهام حسين، الطالبة في كلية العلوم الرياضية في “جامعة الخرطوم”، تجربتها مع التعليم عن بُعد لـ”سمكس”.
محمود الحاج، وهو أب لطلّاب جامعات، يجد صعوبة في تأمين مستلزمات التعليم عن بعد، حيث اضطّر إلى شراء هواتف ذكية لكلّ فرد من أبنائه، بالإضافة إلى جهاز حاسوب، “في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة” كما يقول لـ”سمكس”. وما زاد الطين بلّة بالنسبة إليه، رفع شركات الاتّصالات لتعرفة الإنترنت في مقابل “خدمات سيئة”.
هل يشكّل سعر الصرف عائقاً بالفعل؟
يعود سبب رداءة خدمة الإنترنت في جزءٍ منه إلى “رداءة شبكة الألياف الضوئية الحالية التي تربط السودان بشبكة الإنترنت، بسبب استخدام شبكات رديئة من النوع الرخيص من أجل توفير التكاليف”، حسبما يكشف لـ”سمكس” المهندس طارق حسن الذي يعمل في شركة “إم تي إن السودان” (MTN Sudan).
يشرح حسن أنّ السودان يتزوّد بالإنترنت عبر البحر الأحمر من كابلات تصل من مصر، ويشير إلى أنّ شبكة الألياف الضوئية أحادية النمط (single mode optical fiber technology) وعند وصولها السودان توزع حسب تعليمات “جهاز تنظيم الاتصالات” بحسب التردّد لكل شركة، وذلك وفق قوانين تنظيم البثّ. يضيف حسن أنّ لكلّ شركة مراكز رئيسية تعرف باسم “مركز تحويل المحمول” (Mobile switching centre – MSC)، في وقتٍ تملك شركة “إم تي إن” (MTN) ثلاثة مراكز فقط “وهو أمر غير واقعي لدولة كبيرة مثل السودان”، وفقاً لحسن.
أمّا عن انقطاع الإنترنت بسبب الكهرباء، فيشرح حسن أنّ كابلات الألياف الضوئية تصل إلى أبراج لتغطّي مناطق معيّنة على شكل أمواج كهرومغناطيسية، وهذه المحطّات تُعرف بـ“محطّات البثّ القاعدية” (Base transmission stations – BTS). تحتاج هذه المحطّات إلى الكهرباء لكي تستمرّ بالعمل، وهي موصولة بشبكة الكهرباء الرسمية وكذلك بمولّدات كهرباء تعمل على الديزل أو الغاز، وذلك في حال انقطاع الكهرباء الرسمية. وبالتالي، في حال انقطاع الكهرباء، وعجز المولّدات عن تغطية فترة الانقطاع، تتوقّف خدمات الإنترنت.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني السودان من ضعف سعة الإنترنت وسرعتها بسبب “ترهّل البنى التحتية وعدم القدرة على شراء قطع الغيار من خارج السودان بسبب الفارق في سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار، وصولاً إلى تعذّر الحصول عليها بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان حتى الآن”.
في المقابل، يرى حسن أنّ الإقبال المتزايد على الإنترنت بسبب الإغلاق وما تبعه قد يشكّل فرصةً تدفع شركات الاتّصالات إلى تطوير بناها التحتية، كاشفاً عن توجّه “إم تي إن” نحو استخدام شبكات الألياف الضوئية في نقل البيانات وتطوير خدمات الحزم العريضة لمواكبة النقل المكثّف للبيانات عبر الصوت والفيديو.
ومؤخرا طبّقت شركات الاتصالات زيادة جديدة في الإنترنت، ورفعت شركة زين السودان سعر الإنترنت سعة 250 ميجا بايت اليوم من 29 جنيها إلى 185 جنيها، وسعر 5 قيقا بايت الأسبوع من 488 جنيها إلى 2.116 جنيها وارتفع سعر 10 قيقا بايت الشهر من 675 جنيها إلى 3.075 جنيها و24 قيقا بايت الشهرين من 1.033 جنيها إلى 5.836 جنيها، مما دفع منظمة الشفافية السودانية إلى إصدار بيانا استنكرت فيه فوضى أسعار الإنترنت وغلوها في السودان.
رداءة البُنى التحتية تهمّش سكّان الأرياف
يؤكّد الدكتور محمد بشير عزالدين البشير، مدير الإدارة العامة للتعليم عن بُعد في “جامعة أم درمان الإسلامية”، على ضرورة معالجة مشاكل الطلّاب مثل عدم وصول خدمات الإنترنت إلى الكثير من المناطق. “في حين يعاني سكّان المدن من سوء الإنترنت، فماذا عن سكّان الأرياف حيث بالكاد تتوفّر لديهم الكهرباء ويعانون من أوضاع معيشية سيئة”.
ويوافقه في ذلك مصعب حُمراني، المحاضر بقسم المكتبات والمعلومات في “جامعة أم درمان الإسلامية”، مشدّداً على أهمّية تأمين الإنترنت الجيد للطلاب “الذين يضطرّ الكثير منهم إلى هجرة الأرياف نحو المدن من أجل متابعة التعليم عن بُعد”. ويقترح حُمراني كذلك أن يُتاح الإنترنت مجاناً لقطاع التعليم والمتعلّمين، مقترحاً أن “تتحمّل شركات الاتصالات التكلفة كجزء من مسؤولياتها المجتمعية، وأن تتحمّل الحكومة جزءاً آخر كمساهمة في مجانية التعليم”.
حلول مؤقتة
يعيد المهندس عارف عبد القادر، مدير إدارة البرمجيات في “المركز القومي للمعلومات”، وهو مركز يزوّد الحكومة باستشارات في مجال تكنولوجيا المعلومات، التأكيد على وجود تباين في جودة خدمات الإنترنت حسب الموقع الجغرافي. ويطرح في حديثه مع “سمكس” “الاستفادة من المجمعات الجامعية المجهزة في الولايات لتكون مراكز تعليم عن بُعد، بحكم سهولة الوصول إليها، خصوصاً من الأماكن التي لا تتوفر فيها الخدمات الأساسية سواء كانت شبكة الكهرباء والإنترنت”.
ولذلك، يقترح أن تتشارك الجامعات التكاليف لإنشاء مراكز تغطية للتعليم عن بُعد في المناطق التي تعاني من سوء التغطية في الإنترنت والتغذية في الكهرباء، “تسهيلاً للطلّاب وتوفير كلفة التنقّل والسكن عليهم، وتقليلاً للتكلفة التشغيلية للجامعات”.
يعرض عبد القادر أن تستفيد الجامعات من “مركز المعلومات القومي” الذي يمتلك “بنية تحتية ممتازة يمكن أن تُستغلّ من أجل استضافة التطبيقات المختلفة، ما يوفّر على جامعات كلفة التشغيل، ويساهم في ربط شبكات التعليم مع بعضها البعض بين المركز والولايات”.
ما يقترحه عبد القادر لا يغدو كونه حلولاً مؤقّتة لقطاع معيّن، وحتّى من دون وجود أيّ استراتيجية على المستوى الوطني. وحتّى الآن، لم تعلن الحكومة السودانية، التي تواجه أزمة اقتصادية حادّة وانهياراً كبيراً في سعر صرف العملة المحلية، عن أي خطّة لدعم قطاع الاتّصالات وتعزيزه في ظلّ الحاجة الكبيرة إليه وسط جائحة كورونا من أجل العمل والتعليم عن بُعد.