هل يمكنك أن تتخيّل/ين الدخول إلى بحر من المعرفة على الويب من دون القدرة على قراءة أيٍ شيء منه؟ هذه هي الحقيقة التي ترافق كلّ يوم الشخص المصاب بالحبسة الكلامية – “الأفازيا” (Aphasia)، وهو اضطراب في التواصل يمكن أن يؤثر على التحدّث والقراءة والكتابة.
بصفتي شخصاً يعاني من الأفازيا بسبب سكتة دماغية، أجد صعوبة في قراءة نصوص الويب المكتوبة بخطٍّ صغير ومسافات ضيّقة بين الخطوط، بينما تقلّ هذه المشاكل عند الكتابة. هل تعرف/ين أنّ أقل من 1% من مواقع الويب تلبي معايير إتاحة القراءة؟ وهذا ما يعني أنّني لا أستطيع قراءة حوالي 1.8 مليار موقع على الإنترنت اليوم. ولكي أقرأ مثل هذا المحتوى على الإنترنت، أعمد إلى نسخه إلى “مستندات غوغل” (Google Docs) وأقضي الكثير من الوقت في تغيير حجم الخط والنص واللون وإصلاح المسافات.
يجب أن تكون المعلومات الموجودة على الويب في متناول الجميع، بما في ذلك الأشخاص ذوي الإعاقات اللغوية. فالإنترنت مورد أساسيّ في عالمنا المترابط اليوم، يوفّر مساحة لبناء الشبكات، ومجموعة من الفرص للباحثين/ات عن عمل، ومصدراً لا غنى عنه للمعرفة.
تطَوَّر الإنترنت كثيراً منذ بدايته، ولكنّ هذه الشبكة العالمية لا تزال غير متاحة للكثير من الأشخاص الذين يعانون من اضطراب من اللغة مثل الحبسة الكلامية “الأفازيا”، وعسر الكلام “الديسفازيا” (Dysphasia)، وعسر القراءة “الديسلكسيا” (Dyslexia). وعلى الرغم من أنّ حوالي 18.5 مليون شخصاً يعيشون مع اضطراب لغوي، فالمطوّرون/ات والمصمّمون/ات ومنتجو/ات المحتوى الذين يحترمون هؤلاء الأشخاص ويأخذونهم/ن في الاعتبار ليسوا إلّا قلّة قليلة. ومن المواقع القليلة التي تقدّم ميزات للأشخاص الذين يعانون من إعاقات لغوية، نشير إلى “إنيبل مي” (enableme)، و”بوك شير” (Bookshare)، و”أونلاين أو سي آر” (Online OCR)، و”مايكروسوفت ون نوت” (Microsoft OneNote).
الإعاقة اللغوية من منظور قانوني
للأشخاص ذوي الإعاقات اللغوية الحق في الاندماج والوصول العادل إلى الإنترنت. في لبنان، اعتمد القانون رقم 220/2000 المتعلّق بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة قبل عدة سنوات. كما أقرّت الأمم المتّحدة اتفاقية المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، تنصّ على أنّه “لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من العيش في استقلالية والمشاركة بشكل كامل في جميع جوانب الحياة، تتخذ الدول الأطراف التدابير المناسبة التي تكفل إمكانية وصول الأشخاص ذوي الإعاقة، على قدم المساواة مع غيرهم، إلى البيئة المادية المحيطة ووسائل النقل والمعلومات والاتصالات، بما في ذلك تكنولوجيات ونظم المعلومات والاتصال،[…]”
قواعد إتاحة محتوى الويب
تتضمّن “إرشادات إتاحة محتوى الويب” (WCAG) مجموعة واسعة من التوصيات لجعل الوصول إلى محتوى الإنترنت أسهل للأشخاص ذوي الإعاقة، بما في ذلك المصابين/ات بالعمى وضعف البصر والصمم وفقدان السمع وصعوبات التعلّم والقيود المعرفية ومحدودية الحركة و إعاقات النطق واللغة.
ووفقاً لهذه الإرشادات، يجب على كلّ موقع ويب:
- أن يحتوي على نصوص بديلة لجميع العناصر غير النصّية
- أن يوفّر إمكانية الوصول إلى جميع الوظائف باستخدام لوحة المفاتيح
- أن يقدّم محتوىً نصّياً مقروءاً ومفهوماً
- أن يتأكّد من إمكانية تشغيل كلّ صفحة بطريقة يمكن التنبؤ بها تماماً
- أن يتأكّد من أن المستخدمين/ات يمكنهم/ن تصحيح أخطائهم/ن
- أن يمنح المستخدمين/ات وقتاً كافياً لقراءة المحتوى النصّي
- أن يستخدم عناوين صحيحة ومنظّمة
- أن يستخدم ألواناً متباينة
- أن يتيح إمكانية تغيير حجم الخطّ
- أن يجعل الفيديو والوسائط المتعددة في المتناول
- أن يقلّل من استخدام الجداول
إذا كنتم/ن مصمّمين/ات أو مطوّرين/ات مواقع ويب، ضعوا/ن في الاعتبار فحص الموقع باستخدام أداة “ويب أكسسابيليتي” (WebAccessibility) لاختبار ما إذا كان موقعكم/ن يلبّي معايير إتاحة محتوى الويب. وإذا كنتم/ن من الأشخاص الذين يعانون/ين من إعاقة لغوية، فاستخدموا/ن الميزات المتاحة في المتصفحات الحديثة مثل “خط النص” (text font) (فايرفوكس وكروم وسفاري)، و “تكبير العرض” (enlarge your view) (فايرفوكس وكروم وسفاري).
ليس من السهل العيش مع الأفازيا، ولكن يمكن للبرمجة الرصينة، وتصميم الويب بطريقة تشمل الجميع، أن يساهما في تسهيل الأمر. عندما يتيح محتوى موقعكم/ن خيارات وميزات للأشخاص من ذوي الإعاقات اللغوية، فإنّ هؤلاء الأشخاص سيشعرون بالاحترام والتقدير.
بصفتنا صنّاع سياسات ومصمّمين/ات ومطوّرين/ات، تقع على عاتقنا مسؤولية جماعية لإبقاء الإنترنت في متناول الجميع، على الرغم من اختلافاتنا.