يعاني السوريون من عدم القدرة على الوصول إلى الكثير من المواقع والمراجع على الويب بسبب حجبها من قبل السلطات المحلية، أو من قبل دول الخارج انصياعاً للعقوبات الدولية المفروضة على البلاد منذ عام 2011.
“من الصعب جداً على الصحافيين والباحثين الوصول إلى المعلومات على شبكة الإنترنت بسبب حجب السلطات السورية لعدد هائل من المواقع الإلكترونية”، حسبما يقول عبد الله ناصر، وهو طالب إعلام سوري مقيم في دولة الإمارات العربية المتّحدة. “أتوقع أن تدخل سوريا موسوعة غينيس كأكثر دولة تحجب المواقع الأجنبية، بحجة الحرص على المواطنين من المواقع المغرضة، وكأننا نعيش عصر الستالايت مرة أخرة لكن بتقنيات مختلفة”.
في الوقت الحالي، بات من الصعب على الصحافيين والباحثين الوصول إلى عدد هائل من المواقع الإلكترونية المحجوبة بحجّة أنّها “معادية لسياسة الدولة”. يرى الناشط السوري محمد العبدالله في حديث مع “سمكس” أنّ “حجب المواقع بدأ منذ دخول الإنترنت إلى سوريا، من دون وجود سياسة واضحة للحجب. ففي حين حُجبت مواقع إخبارية لأسباب سياسية، مثل صحيفة ’القدس العربي‘، لم يكن مفهوماً حجب موقع مثل ويكيبيديا”.
من المواقع المحجوبة الأخرى، بحسب مستخدمين من داخل سوريا، موقع “إدارة الغذاء والدواء الأميركية” الذي يعتمد عليه بعض الكليات الجامعية. ولا تخلو عملية حجب المواقع الأجنبية من الطرافة أحياناً، كما يقول ناصر، إذ يمكن أن “تجد موقع بي بي سي عربي محظوراً في بعض المناطق السورية وموقع بي بي سي باللغة الإنكليزية متاحاً للجميع لسبب غير واضح”.
حجب من الخارج
تسبّبت العقوبات الخارجية بحجب الكثير من الخدمات والمواقع عن سوريا، إذ شملت معظم العقوبات التي فُرضت على سوريا حجب مواقع إلكترونية تعليمية، مثل مواقع “أميريكان ليرننغ سنتر” (American Learning Center) و”المجلس الثقافي البريطاني” (British Council).
تشير وفاء، وهي طالبة طبّ بشري في “جامعة دمشق”، في حديث مع “سمكس” إلى أنّ الحجب أثّر على دراستها سلباً. وتشرح أنّه “لا يمكن تصفّح المواقع العلمية الأميركية وغيرها أو الاشتراك بها بحكم تواجدنا في سوريا بسبب العقوبات. وقد أصبح الرقم 403 (الرقم الذي يرافق رسالة ’هذه الخدمة غير متاحة في بلدك‘) موضع تندّر”.
أمّا وائل الذي يعمل كمبرمجٍ لمواقع إلكترونية، فيشتكي من عدم قدرته على دفع أيّ رسوم مقابل خدمات يحتاجها بشكل رئيس في عمله “مثل حجز المواقع الإلكترونية التي كانت ولا تزال تضطرّ المستخدم إلى فتح حسابات بنكية خارج سوريا بسبب عدم توفّر إمكانية الدفع الإلكتروني للخارج من داخل سوريا، وكذلك بسبب الحظر الخارجي الذي يحجب مثل خدمات الدفع البديلة”، على حدّ قوله.
يشرح وائل لـ”سمكس” أنّه كان يضطرّ إلى توكيل شخص يتواجد في لبنان ليتسنّى له إجراء المعاملات المصرفية التي تخوّله من فتح حساب مصرفي في لبنان والدفع الكترونياً بشكل أسبوعي تقريباً، ما يضع على عاتقه أعباء وتكاليف إضافية. ومن الحلول الأخرى التي كان يلجأ بعض المبرمجين إليها، الاعتماد على سائقي سيارات السفر العاملين على خط دمشق-بيروت من أجل إرسال مبالغ مالية إلى بعض المكاتب التي تقدّم هذا النوع من الخدمات. “ولكنّها عملية تنطوي على نوع من المخاطرة لعدم وجود ما يحفظ الحقوق سوى كلام شفهي”، يقول وائل.
في السابق، حتّى قبل فرض العقوبات، كانت “بطاقات الشراء عبر الإنترنت التي توفّرها البنوك الخاصة بمثابة حلم للسوريين بسبب تكلفتها المرتفعة وصعوبة الحصول عليها”، حسبما يروي ناصر. ولكنّ الدولة منعت بيعها في مدينة حلب في عام 2010، من دون صدور قرار رسمي، بحجة أنّها “تضر بالاقتصاد الوطني وفيها نوع من تحويل الأموال بطرق غير معروفة مع العلم أنها كانت عن طريق أحد البنوك الخاصة”.
طرق مختلفة لتخطّي الحجب
لم يستسلم المستخدمون في سوريا للحجب، ولذلك تراهم يعتمدون طرقاً مختلفة لتخطّيه مثل تطبيقات كسر البروكسي (حيث يقوم موقع الويب المحجوب بتوفير روابط لمحتواه عبر إحدى خدمات البروكسي التي تظهر جهازك وكأنّه متّصل من موقع جغرافي مختلف لموقعك الفعلي) والتي كان بعضها غير آمن.
يعتمد الكثير من المستخدمين في سوريا على تطبيقات البروكسي المجانية لصعوبة الاشتراك ببروكسي مدفوع (ثمنه مرتفع مقارنة بمستوى الدخل، وبسبب صعوبة الدفع الإلكتروني). ولكن، يشير الخبير الرقمي المهندس محمد بشير، في حديه لـ”سمكس”، إلى أنّ معظم برامج البروكسي المجانية غير آمنة لأنّها غير محمية ما يكفي. ويشرح أنّ انكشاف البروكسي “يسهّل على برامج التعقب المستخدمة من قبل الحكومة الوصول لعنوان بروتوكول الإنترنت (ـIP address) الخاص بمستخدم البروكسي، لأنّها تحصر عدد المستخدمين لهذا التطبيق في نطاق جغرافي محدّد”.
ولعل الدراسة التي نفذها “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” تحت عنوان “حالة الإعلام وحرية التعبير- سوريا 2006″، تعكس بوضوح المنهجية المطبقة بموضوع الحجب. فقد أوردت الدراسة أنّه “تـم تصميم مزوّد خدمة الإنترنت في مؤسسة الإتصالات باستخدام سياسة واضحة تقوم على حجب كلّ شيء والسماح ببعض الخدمات. على سبيل المثال، حُجِب كلّ موقع يحوي في اسمه كلمة Mail ليشمل بذلك كل الخدمات التي تتعلق بالبريد الإلكتروني”.
الحجب ينتهك حقوق الإنسان
يؤكّد الناشط العبدالله أن حجب المواقع يعتبر أداة لقمع لحرية التعبير، وتقييد حرية وصول الناس لهذه المواقع التي تطال مواقع تعليمية وثقافية. ففي عام 2012، أصدرت رئاسة الجمهورية مرسوماً تشريعياً يشدّد الرقابة ويؤكّد على سياسة الحجب العشوائية. ويعتبر العبدالله هذا الحجب نوعاً من “الترهيب الفكري والمعرفيّ ضدّ المستخدمين من دون أيّ طائل”، وأنّه “يشعرهم بأنّهم تحت المراقبة، لترك شعور لديهم بخطورة استخدام أيّ أداة تقنية توصلهم للموقع المحجوب”.
يرى الصحافي الاستقصائي مصعب الشوابكة، وهو عضو في “الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين” (ICIJ)، أنّ حجب المواقع الإلكترونية الأخبارية يؤثر سلباً على الحق في حرية الرأي والتعبير وبالتالي على حقوق أخرى موازية.
ويؤكّد الشوابكة في حديثه لـ”سمكس” أنّ “نتهاك الحكومة السورية لهذا الحق عبر حجب المواقع وبالتالي حجب المعلومات عن الناس، يؤدّي إلى تعطيل الحق في نشر المعلومات، والحق في المعرفة والوصول إلى المعلومات من جهة أخرى. وعندما يُنتهَك حقّ الإنسان في الوصول إلى المعلومات “فإنّه يفقد قدرته على اتخاذ القرارات السليمة، مثل قراره في المشاركة السياسية أو الانتخاب، لأنّه سيبني معلوماته إمّا على معلومات مغلوطة أو مجتزأة، أو موجّهة سياسياً”. ويعتقد الشوابكة أنّ “هذا لا ينطبق على المشاركة السياسية فقط بل أيضاً على الاجتماعية والاقتصادية، وحتّى على القرارات الشخصية الأصغر للفرد”.
الحقّ في الوصول إلى الإنترنت هو حق من حقوق الإنسان وبمصادقة من “مجلس حقوق الإنسان” في الأمم المتحدة. ولكن بين مطرقة الحجب الداخلي وسندان العقوبات الخارجية، يكافح السوريون للحصول على أبسط حقوقهم المتمثّلة بالاطّلاع والمعرفة.