لم تستطِع طالبة كلية الحاسوب وتقنية المعلومات، ريم طلال، من متابعة دروسها في “جامعة صنعاء” عبر منصة التعليم الإلكتروني بسبب سوء خدمة الإنترنت. بعدما أقرت وزارة التعليم العالي تعليق الدارسة في اليمن والتحول إلى نظام التعليم عن بعد. لم تلتزم ريم بالتعليم الإلكتروني بسبب تكلفة الإنترنت المرتفعة وسوء الخدمة، الأمر الذي دفعها إلى تبادل بعض المحاضرات مع زملائها الطلاب عبر البلوتوث.
تقول ريم لـ”سمكس” إنّ “تجربة التعليم الإلكتروني كانت سيئة للغاية ومتعبة للأعصاب ولا تقدم أي فائدة للطلاب”، مضيفةً أنّ اللجوء إلى الخيارات البديلة مثل البلوتوث جعلها تخسر الكثير من المحاضرات وتمضي وقتاً طويلاً في نقلها.
لم يقتصر الضرر الذي خلّفه سوء خدمات الإنترنت في اليمن على الطلّاب، بل طال الجامعات أيضاً. فقد تراجعت الجامعات اليمنية عن فكرة التعليم الإلكتروني بعدما فشلت في ذلك بسبب سوء خدمات الإنترنت وعدم قدرة الكثير من الطلاب على تحمّل تكلفته المرتفعة، حسبما تشرح لـ”سمكس”، الدكتورة سامية الأغبري، رئيسة قسم الصحافة في “جامعة صنعاء”، كُبرى الجامعات الحكومية في اليمن.
في وقت يشكو البعض من صعوبة االتعليم عن بعد في ظل جائحة كورونا، يعاني اليمن أصلاً من صعوبة الوصول إلى الإنترنت وصعوبة الحصول على سرعة لائقة، هذا في حال كان لدي المستخدمين اشتراك بالخدمة. تُعدّ خدمة الإنترنت في اليمن الأدنى مرتبة من حيث نسبة الاشتراك بخدمة النطاق العريض (8%) بين بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن الأغلى عالمياً، بحسب تقرير لـ”البنك الدولي”. أمّا سرعة الإنترنت فهي متقلّبة بمعدّل 4 ميغبايت/ثانية وتقع في المرتبة 173 من بين 177 بلداً في العالم.
حلول بديلة إنّما غير مستدامة
عجزت شركة “يمن نت”، وهي مزوّد الخدمة الرئيسي، عن توصيل خدمة الإنترنت إلى مناطق كثيرة في اليمن لا سيما القرى والمناطق المجاورة للمدن. لذا، ظهرت في الأعوام الماضية مشاريع صغيرة خاصة تقدم خدمة الإنترنت من “يمن نت” إلى مناطق مختلفة. تعمد هذه المشاريع إلى الاشتراك بخدمات “يمن نت” ومن ثمّ تحويل الإنترنت من الكابلات السلكية عبر أجهزة إرسال لاسلكية إلى مناطق لا تصلها الشبكة من أجل تقديمها إلى المستهلك. وتغطي حوالي 80% من المناطق حسبما يقول لـ”سمكس” المهدنس أحمد العليمي، رئيس “النقابة الوطنية للشبكات”، وهي “نقابة مهنية تم التحضير لإنشائها من قبل مجموعة من المهندسين لهم رؤية وخطط وبرامج تسعى لتوحيد وتنسيق وتنظيم عمل الشبكات”، حسبما تعرّف عن نفسها.
لجأت ريم وغيرها الكثير من اليمنيين إلى استخدام شبكات الوايفاي التجارية التي “يسهل الوصول إليها في أيّ وقت والتي تُعتبر أقلّ تكلفة من الاشتراك في خدمات ’يمن نت‘”، حسبما تقول. بالإضافة إلى ذلك، تعاني شبكة “يمن نت” من انقطاع متكرّر بسبب النقص في عمليات الصيانة الدورية وتحديث تقنيات الإنترنت بالإضافة إلى نقص الوقود بسبب الحرب التي تدخل عامها السادس.
أمّا الاشتراك خدمات الإنترنت المحمول في اليمن الذي تقدّمه شركات الاتصالات، فهي خدمات مكلفة يصل فارق السعر بينها وبين الإنترنت المقدم من مزوّد الخدمة “يمن نت” إلى حوالي 400% بالإضافة إلى كونها شبكة لا تقلّ سوءاً عن شبكة “يمن نت” من حيث جودة الاتّصال، كما تؤكّد ريم.
محاولة احتكار السوق على الرغم من تردّي الخدمات
تحاول شركة “يمن نت” محاربة هذه الشبكات عن طريق إصدار قرارات من شأنها زيادة الخناق على أصحاب الشبكات والمستخدمين على حدٍّ سواء. ومن أجل محاربة هذه الشبكات والمقاهي التي يقصدها المستخدمون، عمدت شركة “يمن نت” في بداية العام الماضي إلى رفع سعر الاشتراك العادي إلى 40 ألف ريال يمني (64 دولاراً أميركياً) وتحديد السعة بـ300 جيغابايت وبسرعة لا تتجاوز 4 ميغابايت، بعدما كان سعر الاشتراك الشهري قبل عام 2016 حوالي 30 ألف ريال (50 دولاراً) لسرعة لا تتجاوز 4 ميغابايت وسعة مفتوحة. دفع هذا التضييق الكثير من مقاهي الإنترنت والشبكات الخاصّة إلى إغلاق أبوابها بسبب ارتفاع التكلفة وعدم إقبال المستهلكين، فخسر كثيرون إمكانية الحصول على اشتراك بالشبكة خصوصاً في المناطق البعيدة التي لا تصلها خدمات “يمن نت”.
وفي نهاية العام الماضي وبالتزامن مع التصعيد الذي قامت به “النقابة الوطنية للشبكات” للمطالبة بإعادة الخدمة إلى ما كانت عليه من قبل وتحسينها إلى الأفضل، أطلقت وزارتا الداخلية والاتصالات في حكومة صنعاء حملة لمصادرة أجهزة البث الخاصة بالشبكات اللاسلكية، حيث تلقت النقابة حينها أكثر من 56 بلاغاً من أصحاب الشبكات الذين صودرت اجهزتهم من مختلف المناطق، بخاصّة المناطق الريفية، حسبما يشرح العليمي لـ”سمكس”.
لقيت هذه القرارات رفضاً شعبياً واسعاً في الوقت الذي كان ينتظر فيه المستخدم اليمني تحسين الخدمة بدلاًمن تضيق المجال أمامه للوصول إليها. يرى المهندس العليمي، رئيس “النقابة الوطنية للشبكات”، في حديث مع “سمكس”، أنّ “هذه القرارات لا تصبّ في صالح ضد المستخدم وتنتهك حقه في الوصول إلى الإنترنت، كما تؤدّي إلى الإضرار بأصحاب الشبكات ومقاهي الإنترنت الذين يقدّمون ما عجزت أن تقده ’يمن نت‘ للمستخدمين”.
تدخّل بعد ذلك البرلمان اليمني ولجنة وساطة محايدة وجرى الاتّفاق على إعادة الأجهزة إلى أصحابها وإعادة النظر في أسعار الانترنت وتحسين الخدمة. ولكنّ الأجهزة لم تعد إلى أصحابها حتّى الآن، كما يقول النائب أحمد سيف حاشد، وهو قاضٍ وعضو لجنة الحقوق والحريات في البرلمان والمسؤول عن الملف الخاص بمشكلة الإنترنت. يؤكد حاشد لـ”سمكس” أنّ “هناك ما لا يقل عن 50 ألف أسرة يمنية مستفيدة من شبكات الإنترنت تشكّل مصدر الرزق الوحيد، ومثل هذه القرارات تضرّ بعدد كبير من الأسر كما تقيّد حقّ المواطنين في الوصول إلى الإنترنت في أيّ وقت، وهذا مخالف للقانون وانتهاك واضح بحقّ المواطن”.
الشركات “المنافسة” لم تكن أحسن حالاً
أطلقت حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، في العام 2018، شركة “عدن نت” لتقديم خدمات الاتّصالات والإنترنت “بتقنية الجيل الرابع والخامس في عدن بسرعة أفضل وسعر أرخص”، كما أعلنت الشركة سابقاً. أرادت حكومة هادي أن تكون “عدن نت” بديلاً لـ”يمن نت” التي تتمركز شبكتها في صنعاء الواقعة تحت سيطرة جماعة “أنصار الله” (الحوثيين)، وهي الشركة الرسمية التي أُسِّست قبل بداية الحرب في اليمن وكانت تحت إدارة الدولة، وتحديداً “المؤسسة العامة للاتصالات” التابعة لوزارة الاتصالات اليمنية.
استبشر البعض بإطلاق “عدن نت” التي تقول على موقعها إنّها توفّر إنترنت “عالي السرعة وبأسعار أقلّ” بالاعتماد على أبراج الإرسال التي تعمل بتقنية الجيل الرابع (4G). ولكن يبدو أنّ خدمات “عدن نت” لم تختلف عن خدمات “يمن نت” من حيث السوء، حسبما أفادنا بعض مستخدمي الخدمة في عدن. “في أغلب الأحيان، يصبح الإنترنت أسوأ من ذلك الذي تقدّمه ’يمن نت‘، كما أنّ الشركة لم تستطع تغطية أي مناطق خارج مدينة عدن الخاضعة لسيطرة حكومة هادي بعد عامين على انطلاقها”، وفقاً لمستخدمين رفضوا الكشف عن هويتهم.
حلول يمكن أن تحسّن من الخدمة
يفتقر اليمن إلى البنية التحتية للاتصالات عموماً، إذ ما زالت “المؤسسة العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية” تستخدم الأسلاك النحاسية عبر خدمة “دي إس إل” (DSL). هذه الشبكة قديمة جداً وهي أُنشِئت من أجل تقديم خدمات الاتصالات الهاتفية الأرضية قبل أن تُعتمد لتوفير خدمة “دي إس إل”.
يقول الدكتور ناجي الشيباني، عميد كلية الحاسوب وتقنية المعلومات جامعة صنعاء، لـ”سمكس”، إنّ “خدمة ’دي إس إل‘ التي تقدّمها حالياً شركة ’يمن نت‘ محدودة السرعة ولا تناسب التطوّر الحاصل في مجال الأعمال والتعليم على الإنترنت”. بالإضافة إلى ذلك، يؤكّد الشيباني أنّه بالإضافة إلى أهمية صيانة شبكة “دي إس إل” وتطويرها، من الضروري “زيادة سعات الروابط الدولية لأنّ عدد المشتركين حالياً يفوق عدد عناوين الإنترنت IPv4 المتوفرة لدى ’يمن نت‘”. ولذلك يرى الشيباني أنّه يمكن في المستقبل القريب اللجوء إلى “خدمة إنترنت الجيل الرابع (4G) اللاسلكية من أجل تأمين إنترنت أسرع على الأقلّ للأجهزة المحمولة”.
وبالنسبة إلى إدارة شؤون الإنترنت، يرى محمد المقولي، وهو مهندس مختص في الاتّصالات والإنترنت، أنّه “ينبغي تحييد خدمات الاتصالات والإنترنت عن السلطات المتصارعة في اليمن من أجل تطوير أدائها والعمل على تحسينها. “ويشرح لـ”سمكس” أنّ ذلك ممكن في حال استلام قطاع الاتّصالات من قبل “طرف ثالث لا يكون له أي علاقة بأطراف الصراع، شرط أن توضع إيرادات الاتّصالات في صندوق مستقل بحيث يكون الهدف الأساسي منها تطوير الخدمة في كلّ أنحاء البلاد”.
بالإضافة إلى الخدمة المتردية والانقطاع المتكرّر في شبكة “يمن نت”، ثمّة مشكلة أخرى تتمثّل في احتكار الشركة لخدمات الإنترنت وعدم السماح لأيّ جهة أخرى بالدخول إلى سوق المنافسة. ولذلك، يؤكّد النائب حاشد على ضرورة سنّ قانون من قبل البرلمان ينصّ على “إتاحة الفرصة للمنافسين وحماية أصولهم من قبل الدولة من أجل تقديم خدمة مناسبة تتناسب مع ما يتماشى به العالم اليوم”. فهل هذه التحسينات التي تتطلّب المال والأمن والقوانين ممكنة في ظلّ استمرار الحرب في البلاد؟
الصورة الرئيسية من “أنسبلاش”.