طرأت أحداث جديدة على مشهد حجب المواقع الذي يتوسّع في لبنان، مع تأكيد مدير هيئة “أوجيرو” لـ”سمكس” بأنّها ستنشر لائحة بالمواقع المحجوبة ونشرها للائحة بالفعل، وكذلك مع صدور قرار حجب جديد لموقع “ش.م.ل” عن قاضي الأمور المستعجلة وليس عن النيابة العامة كما جرت العادة.
يأتي ذلك في وقت يشهد لبنان ازدياداً في عملية حجب المواقع الإلكترونية لأسباب مختلفة قد لا يكون معظمها مبرّراً، مثلما حصل مع موقع “ش.م.ل” (shinmimlam.com) الذي يوفّر أداة تساعد في الوصول إلى بيانات السجل التجاري في لبنان. عادةً ما تصدر قرارات الحجب في أجواء تسودها الغموض بشأن الأسباب أو حتى بشأن المواقع المحجوبة نفسها، ولكن بالنسبة إلى موقع “ش.م.ل”، تبيّن فيما بعد أنّ نقابة المحامين في بيروت هي التي قدّمت الشكوى إلى قاضي الأمور المستعجلة بسبب إتاحة الموقع لإمكانية البحث باستخدام اسم المحامي، وبالتالي معرفة الشركات التي يتعامل معها.
تستنكر “سمكس” – بصفتها منظّمة تعمل على تعزيز الحقوق والحريات الرقمية في لبنان والمنطقة – الحجب والحظر. ولذلك، سوف نتابع هذه القضية مع جميع الأطراف المعنية لتأمين تدفّق المعلومات بحرّية.
وفي حين تطالب “سمكس” منذ وقت طويل بالشفافية في اتّخاذ القرارات وكذلك في اتّباع الأصول القانونية واحترام المستخدمين والقوانين مثل قانون حق الوصول إلى المعلومات وغيره، يبدو أنّنا بدأنا نشهد تجاوباً من قبل بعض السلطات والمؤسّسات. ففي حديث لـ”سمكس” مع مدير هيئة “أوجيرو”، عماد كريدية، يكشف كريدية أنّ “أوجيرو” نشرت بدءاً من 27 تموز/يوليو، لائحة بالمواقع المحجوبة تعرض اسم الموقع، وسبب الحجب، وتاريخ طلب الحجب، والجهة التي طلبت ذلك، ولا تتيح للمستخدمين إضافة أي تعليق.
آلية حجب المواقع الإلكترونية
تُعتبر آلية حجب المواقع الإلكترونية “مبهمة” بالنسبة للكثيرين، خصوصاً وأنّ قرار الحجب يُتّخذ وتطبّقه وزارة الاتّصالات والشركات حتّى من دون علم صاحب العلاقة في أحيان كثيرة.
يشرح المحامي شربل شبير لـ”سمكس” أنّه قبل دخول قانون “المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي” حيّز التنفيذ بتاريخ 18/1/2019، “لم يكن هناك نصّ خاصّ بموضوع حجب المواقع، وما كان يُطبّق هو قانون العقوبات حيث يقوم النائب العام استنسابياً بحجب الموقع وحفظ الملف من دون أن يكون المتضرّر حقّ المراجعة”.
وحول صدور قرارات النائب العام بشكل مفاجئ للمستخدمين، يضيف شبير أنّ النائب العام يمتلك الحقّ في أن يتحّرك تلقائياً عند وجود جرم أو بناء على أخبار أو شكوى حقّ شخصي.
بعد ذلك، يحوّل النائب العام قراره إلى وزارة الاتّصالات التي تحوّل بدورها إلى شركات الاتّصالات المحلّية وموزّعي خدمة الإنترنت وشركات نقل المعطيات على الأراضي اللبنانية بحجب الموقع الإلكتروني المعنيّ على الإنترنت.
من جهة ثانية، يؤكّد كريدية لـ”سمكس” أنّ هيئة “أوجيرو” لا علاقة لها بإتاحة أيّ موقع أو حجبه بل وزارة الاتّصالات والنيابة العامة، فـ”هيئة أوجيرو تشغّل القطاع لصالح الوزارة، ونحن ننفّذ القرارات القضائية التي تأتي إلى وزارة الاتصالات وتحوّلها لنا حتّى لو كان لدينا تحفّظ على ذلك”.
وبالنسبة إلى شركات اتّصالات الهاتف المحمول، يؤكّد مصدر لـ”سمكس” أنّ الشركات لا سلطة لديها على حجب المواقع، بل “هي تنفّذ الكتاب الذي يصلها من وزارة الاتّصالات. ولكن في بعض الأحيان قد تكون بعض المواقع محجوبة على شبكات المحمول ومتاحة على شبكات الإنترنت الثابت، وهو ما يقول المصدر إنّه ناجم عن خلل تقني وليس عن قرار بالحجب. ويشرح أنّه “قد يحصل ذلك في حال تأخّرت الشركات بإنهاء بعض الخدمات اللوجستية مثل تحديث لائحة التراخيص الخاصّة بالمواقع”.
في شهر حزيران/يونيو الماضي تبيّن لنا أنّ بعض المدوّنات التي تستخدم منصّة “بلوغسبوت” محجوبة وطالبنا الشركات بتوضيح الأسباب ونشر قائمة بالمواقع المحجوبة. وبعد فترة، علمت “سمكس” أنّ نطاق “بلوغر” “لم يكن” (لم يعد) محجوباً على الشبكة بطريقة غير مفهومة.
وقبل ذلك، طلبت وزارة الاتصالات اللبنانية من شركات الاتّصالات حجب تطبيقات تتداول أسعار الصرف بناءً على قرار من النائب العام، في قرار نعتبر أنّه يقيّد الحقّ في الوصول إلى المعلومات وحرية التعبير. بالإضافة إلى ذلك، أدّى حظر هذه التطبيقات إلى حجب خدمات “غوغل فايربايز” (Google Firebase) من دون قصد، وهي خدمات يعتمد عليها الكثير من رواد الأعمال. وهذا ما وعد كريدية بأنّ “أوجيرو” ستتأكّد من أن “تخلو أيّ عملية حجب من إلحاق أضرار جانبية على الخدمات الأخرى التي يستفيد منها المستخدمون”.
ماذا يعني الاعتماد على قانون المعاملات الإلكترونية لإصدار أمر بالحجب؟
على الرغم من قصوره، يحدّد “قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي” وفقاً للمادّتين 125 و126 أنّ حجب المواقع الإلكترونية يجب أن يكون عن طريق شكوى مقدّمة إلى المحكمة. ولكنّه أبقى في المادة 126 على إمكانية تقرير النائب العام للحجب إنّما “بصورة مؤقتة لمدة أقصاها ثلاثين يوماً قابلة للتجديد مرة واحدة بقرار معلّل، على أن ينقضي مفعول هذا الاجراء حكماً بانتهاء المهلة المحددة”.
يلفت شبير إلى أنّ هذا القانون “أناط حجب المواقع والخدمات الإلكترونية بالمحكمة، أو بقاضي العجلة بناءً على عريضة أو دعوى تُقدّم أمامه”. وبالتالي، “يمكن للموقع الإلكتروني أو الخدمة الإلكترونية أو تعاود مزاولة عملها بعد انقضاء المهلة من دون مراجعة القضاء”، بحسب شبير الذي يؤكّد أنّه “يمكن للشخص المتضرّر أن يراجع المحكمة ويجب أن يكون الحجب وفقاً الحكم قابل للاستئناف”.
وبالنسبة إلى موجبات الحجب، تحدّد المادّة 125 أنّه “يمكن للمحكمة الناظرة في الدعوى بموجب حكمها النهائي وقف خدمات إلكترونية أو حجب مواقع إلكترونية أو إلغاء حسابات عليها إذا تعلقت بالجرائم المتعلقة بالإرهاب أو بالمواد الإباحية للقاصرين أو بألعاب مقامرة ممنوعة أو بعمليات الاحتيال الإلكتروني المنظمة أو تبييض الأموال أو الجرائم الواقعة على الأمن الداخلي والخارجي أو المتعلّقة بالتعدّي على سلامة الأنظمة المعلوماتية كنشر الفيروسات”.
لدى “سمكس” الكثير من الملاحظات والتحفّظات بشأن “قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي”، وترفض أن تبقى إجراءات الحجب استنسابية في يد النائب العام ولو لفترة مؤقّتة، وتنادي بأن يكون الطعن متاحاً لكل شخص متضرّر من قرارات المحكمة.
كيف يمكن الإبلاغ عن المواقع المحجوبة وتخطّي الحجب؟
تنشر “سمكس” منذ عام 2015 قاعدة بيانات تضمّ حوالي 50 موقعاً إلكترونياً محجوباً في لبنان، وتطلب من المستخدمين أن يخبرونا بالمواقع المحجوبة لكي نضيفها إلى قائمتنا. ونعمل حالياً على تحديث قاعدة البيانات هذه عن طريق اختبار الروابط المختلفة على خدمات مختلفة.
نشجعكم/ن على اختبار هذه المواقع باستخدام أدوات مثل تطبيق “أوني بروب” (OONI Probe) وموقع run.ooni.io.، وتحميل النتائج إلى “أوني إكسبلورر” (OONI Explorer). كما يمكنكم إرسال النتائج برسالة إلى mariam[at]smex[dot]org مع ذكر مزود خدمة الإنترنت (ISP) الذي تبيّن أنه يحجب هذه المواقع.
توصيات لتخطّي الحجب
استخدموا تطبيقات الشبكة الخاصة الافتراضية (VPN) وتأكّدوا من أن تكون تطبيقات موثوقة مثل “سايفون” (Psiphon) و“بروتون في بي إن” (ProtonVPN). من الضروري استخدام تطبيقات “في بي إن” موثوقة، لأنّ التطبيقات المشبوهة يمكن أن تستخدم الكثير من البيانات الشخصية وتشاركها مع أطراف وجهات أخرى.
يجب على المستخدمين أيضاً تثبيت تطبيقات تشفير “نظام أسماء النطاقات” (DNS)، مثل “وارب” (WARP) و“نيكست دي إن إس” (NextDNS)، والتأكّد من تشغيل التطبيق دائماً. في إصدارات “فايرفوكس” (Firefox) الخاصة بالحواسيب يعمل تشفير “دي إن إس” دائماً وبشكل تلقائي، ولكنّه لا يعمل بالطريقة نفسها على إصدارات الأجهزة المحمولة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام متصفّح “تور” (Tor Browser)، وهو برمجية مفتوحة المصدر تحمي الاتصال وتؤمّنه بتمريره عبر شبكة موزعة من المسيّرات التي يديرها متطوعون في أرجاء العالم. تصعّب طريقة عمل “تور” تتبّع الاتصالات، كما تتيح تجاوز الرقابة والحجب. يتوفّر متصفح “تور” على “أندرويد” وكذلك على “ويندوز” و”ماك” و”لينكس” من دون الحاجة إلى تنصيب أية برمجيات، كما يمكن تشغيله انطلاقاً من ذاكرة فلاش USB.