محمد أنور – المراقبة الرقمية حسب الرسام المصري محمد أنور.
مقال للمدون رامي رؤوف:
دراسة مختلف التجارب للدول والشعوب، مصدر إلهام للحلول الممكنة والأخطاء التي مر بها الآخرون كي نتعلم وندرك، واختلاف الثقافات والمكونات للتجارب والدوافع التي أدت إليها تثري عملية التعلم وتطوير الأفكار.
يعتقد حراس السلطة وصناع القرار في الدوائر الأمنية والاستخباراتية أن التوسع في أعمال المراقبة أمر ضروري وفعال للوقاية من الجرائم ومكافحة الإرهاب، ونجد في مختلف الدول أن المبررات المعلنة والأسباب المقدمة، تكاد تكون منسوخة ومتقاربة. ونادرا ما تقدم الدول براهين على فعالية تلك الأساليب على نحو يمكننا التحقق منه، ونجد أن الأعمال التي تصنف إرهابية وتخريبية ما زالت قائمة ومستمرة وآخذة في التطور بالرغم من توحش ماكينة المراقبة على مستويات مختلفة.
في إطار مراجعة أفعال الحكومة الأمريكية ودرجات مشروعيتها، قامت مؤسسة نيو أمريكا البحثية في يناير 2014 بإصدار ورقة بحثية تنظر في درجة ارتباط وفعالية آليات المراقبة والاختراق وفحص سجلات المواطنين بمحاكمة المجرمين، وجدوى تلك الآليات في تحقيق نتائج مختلفة لصالح العدالة. قامت المؤسسة بتحليل قضايا 225 شخصا تمت محاكمتهم في أمريكا على خلفية أفعال تصنف بإرهابية، في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتوصلت إلى أن طرق التحري التقليدية، مثل استخدام المخبرين واستجواب المجتمعات المحلية وعمليات الاستخبارات المباشرة، كانت النواة الأساسية في التحقيقات في أغلب القضايا، في حين أن مساهمة برامج المراقبة كانت محدودة. وتوصلت أيضا إلى أن برنامج فحص ومراقبة المكالمات التليفونية ساهم في بدء التحقيقات فقط في 1.8% من القضايا محل التحليل.
“اندفاع حراس السلطة نحو تطوير أشكال المراقبة كرد فعل تجاه الأزمات، له عواقب سلبية عديدة تصيب الدولة والمجتمعات”.
وأهم ما جاء في الورقة البحثية، أن برنامج وكالة الأمن القومي الأمريكي المختص بجمع وفحص جميع المكالمات التليفونية “لم يكن ذات تأثير واضح لمنع الأعمال الإرهابية”.
وإذا ألقينا نظرة عامة على لندن في المملكة المتحدة – التي تتربع على قائمة أكثر مدن العالم في تركيب كاميرات المراقبة في الأماكن العامة والخاصة – نجد أيضا عدم جدوى حقيقية لنظم كاميرات المراقبة في مكافحة الجريمة. ففي عام 2007 أصدرت جمعية الديمقراطيين الأحرار بلندن تقريرا تحليليا مفصلا عن نسب الجرائم وتدخلات الشرطة في المناطق الإدارية التي تشهد كثافة مرتفعة لكاميرات المراقبة، وتوصل التقرير إلى أن قدرة رجال الشرطة على إلقاء القبض على المجرمين في المناطق ذات مئات الكاميرات لا تختلف عن قدرتهم في المناطق التي تكاد لا تحتوي على أي كاميرات. وقال آنذاك متحدث باسم الجمعية إنه لا يوجد رابط بين ارتفاع نسبة كاميرات المراقبة وتحسين معدل الجريمة. وبالرغم من ذلك نجد أن مدينة لندن وحدها بها 500,000 كاميرا مراقبة وتضم المملكة المتحدة إجمالا 5.9 مليون كاميرا – وفقا لإحصاء صادر في منتصف 2013 عن رابطة الصناعات الأمنية في بريطانيا – أي بمعدل كاميرا واحدة لكل 14 شخصا.
هل تتذكرون تفجيري ماراثون بوسطن اللذين وقعا في أبريل 2013؟ ذلك اللقاء كان منعقدا في حضور كاميرات عديدة سواء كانت كاميرات مراقبة أو إعلام ومع ذلك تم التفجير. وساهم شهود العيان في تحديد مواصفات من ارتكبوا الواقعة – وليست كاميرات المراقبة.
لا يختلف الوضع في القاهرة كثيرا من حيث التوسع في أعمال تركيب كاميرات المراقبة وافتراض تحقيق الأمن. في يناير 2015 أعلنت وزارة الداخلية عزمها تركيب كاميرات مراقبة في الشوارع الرئيسية بالقاهرة وإعداد قانون لإلزام المحال بتركيب كاميرات مراقبة. وفي أغسطس 2015 أعلنت وزارة الأوقاف تركيب كاميرات مراقبة في مساجد الجمهورية (واحدة من المشكلات التي لا يتسع المجال في هذا المقال لتناولها هي التفرقة بين مراقبة المجال العام مثل الشوارع والميادين والمجال الخاص مثل الأماكن الدينية).
على سبيل المثال، وقعت الأحداث التالية في أماكن من المفترض أنها تتمتع بقدر من التأمين بواسطة كاميرات المراقبة في محيطها: انفجار مديرية أمن القاهرة (يناير 2014) وانفجار محيط مبنى الأمن الوطني في منطقة شمال القاهرة (أغسطس 2015) وقبل ذلك بأسابيع وقع انفجار في محيط القنصلية الإيطالية بوسط القاهرة (يوليو 2015). وبالرغم من وجود كاميرات مراقبة إلا أن ذلك لم يمنع وقوع التفجيرات وأتشكك إن كان هناك أي مادة فيلمية قيمة ساهمت في تحديد المشتبه بهم – الحقيقيون.
اندفاع حراس السلطة نحو تطوير أشكال المراقبة كرد فعل تجاه الأزمات، له عواقب سلبية عديدة تصيب الدولة والمجتمعات. فعلى مستوى الدولة تطوير نظم المراقبة يعتمد على ضخ مبالغ طائلة جدا من الميزانية بلا مردود يستحق تلك الأموال التي يمكن أن تستثمر في مناحي أخرى، كما أن الانشغال بتلك النظم يزيد من توقعات وهمية تتكون لدى الدولة وحراسها ويؤدي إلى استخدام سيء لموارد الدولة البشرية والشبكية، ويفتح الأبواب أمام سوء استغلال السلطة والصلاحيات. وعلى مستوى المجتمعات فإن تلك النظم تعصف بخصوصية الجميع بلا تمييز وتحول الجميع كفئران في معمل مراقبة على مدار الساعة وتزيد من فرص الاشتباه في أي شخص وكل شخص بلا أسباب منطقية ويحد من حرية الآخرين في التصرف والتعبير. والأهم هو أن شبكات المراقبة لن تساعد في السيطرة على الجرائم أو القضاء على الإرهاب.
* تم نشر هذا المقال على موقع هنا صوتك بتاريخ 23/1/2016.