اجتمع أكثر من 250 شخصاً في ملتقى “خبز ونت” 2019 الذي انعقد من 15 إلى 17 تشرين الثاني/نوفمبر في قلب العاصمة اللبنانية، بيروت. كان الملتقى الإقليمي للحقوق الرقمية مميزاً هذا العام، إذ ترافق مع الثورة في لبنان التي لم تغب عن النقاشات والندوات، حتّى أنّ القاعات سُمّيت باسم الساحات اللبنانية.
شكّل “خبز ونت” مساحة آمنة للمشاركين والمشاركات وسط جوّ من الودّ والإلفة ساهمت مدونة قواعد السلوك الخاصة بالملتقى في تعزيزه. أما ورش العمل والجلسات فقد تمحورت حول خمسة مواضيع/ثيمات: السياسات في السياقات الصعبة، الأمن الرقمي وأفضل الممارسات، المجتمعات والشبكات، الثقافة وإنتاج المعرفة على الإنترنت، البدائل الرقمية المستقلّة. إليكم لمحة عن أبرز المواضيع والفعاليات
هجوم على حرية التعبير
تزايدت حالات التوقيف بسبب الخطاب على الويب في لبنان في السنوات القليلة الماضية، حيث تستند السلطات إلى قوانين تجرّم القدح والذم والتشهير من أجل إسكات الخطاب الذي ينتقد الوضع الاقتصادي الهشّ أو الفساد. في إحدى جلسات “خبز ونت”، أطلقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريرها حول الانتهاكات التي طالت حرية التعبير في لبنان من عام 2015 حتى عام 2019، مشيرة إلى أنّ معدّل هذه الانتهاكات يرتفع بوتيرة مقلقة منذ انطلاق الاحتجاجات على ملف النفايات في عام 2015. وفي جلسة أخرى حول مرصد حرية التعبير “مُحال”، أوضحت “سمكس” أنّ عدد الأشخاص الذين استدعوا بسبب خطابهم على وسائل التواصل ارتفع من 15 حالة في عام 2017، إلى 37 حالة في عام 2018، وصولاً إلى أكثر من 53 حالة في عام 2019 حتى الآن.
قطع الإنترنت في المنطقة العربية
أصبح قطع الإنترنت في المنطقة العربية وسيلة رائجة لقمع المواطنين ويُطبّق في الأحداث الوطنية مثل الاحتجاجات والانتخابات والامتحانات المدرسية. في بلدان مثل السودان والعراق واليمن، لجأ المواطنون إلى الوسائل القديمة للتواصل وإيصال المعلومات، حسبما ورد في إحدى الجلسات التي استضافت أشخاصاً من هذه البلدان. في العراق على سبيل المثال، استخدم المتظاهرون الرسائل النصية (SMS) لإرسال أخبار الاحتجاجات إلى أشخاص لديهم اتصال بالإنترنت لكي ينشروا هذه الأخبار. وفي السودان، استخدم المواطنون الكتابات على الجدران خلال التظاهرات الضخمة ضد نظام الرئيس السابق عمر البشير ومن ثم المجلس العسكري. أما في اليمن حيث الإنترنت حالياً شديد البطء، يعمد المواطنون إلى الاشتراك بعدة خطوط اشتراك رقمي (DSL) ليشبكوها سوية بطريقة تقنية من أجل الحصول على سرعة مقبولة.
البقاء بأمان على الشبكة
لا شكّ أنّ السلامة والأمن الرقميين من الأمور الأكثر أهمية في الوقت الحالي، خصوصاً بعد اختراق بيانات عدد من شركات التكنولوجيا الخاصة والهجمات التي تطال المعارضين والناشطين الحقوقيين من قبل السلطات في المنطقة العربية. تطرّقت عدّة جلسات في ملتقى “خبز ونت” لهذه المسألة، سواء لتزويد المشاركين بنصائح حول خطوات الحماية الأساسية أو المتقدمة، أو لحماية نفسك كمستخدم/ة على الويب. أشارت عبير غطاس، المتخصصة في أمن المعلومات في “هيومن رايتس ووتش”، إلى أنّ “تحديث الجهاز في غاية الأهمية، عليكم أن تحدثوا أجهزتكم للحصول على آخر التحديثات الأمنية التي تحارب البرمجيات الخبيثة”. بدوره، نصح علي سباعي من “سمكس” باستخدام برامج إدارة كلمات المرور، مثل تطبيق “بِت وردن” (Bitwarden) المفتوح المصدر، وذلك من أجل إنشاء كلمات مرور قوية وتخزينها في مكان آمن.
الأخبار المزيفة حقيقية!
تؤثر الأخبار المزيفة كثيراً على الرأي العام، خصوصاً مع اعتماد المفبركين على الإنترنت كوسيلة اتصال منتشرة وسريعة لنشر الأخبار المزيّفة. شكّلت الأخبار المزيفة موضوع عدّة جلسات في ملتقى “خبز ونت” لما لها من تأثير كبير وبالأخصّ في ظل التظاهرات الأخيرة في عدّة بلدان عربية. أشار الصحافي محمود غزيّل المتخصّص في التحقّق من الأخبار، إلى أنّه رصد خلال التظاهرات الأخيرة في لبنان حوالي 150 خبراً مضلّلاً على الويب. وبعد عملية التحقّق، شرح أنّ “40% منها كانت مفبركة بالكامل، و24% منها كانت محتوى قديماً يُعاد استخدامه، و19% من مصادر معروفة [جرى التلاعب بها]، و7% من المحتوى كان من خارج لبنان”. أكّد معظم المتحدّثين في الجلسات على أهمية عملية التحقّق، كالاطّلاع على الأخبار من مصدرها، والبحث عن الصورة والفيديوهات الأصلية حيث نُشرت للمرّة الأولى، وتكذيب الرسائل الصوتية مهما كان مصدرها.
#غرد_حقوق_رقمية
دعت “سمكس” فريق “بقعة ضوء” من العراق الفائز في مسابقة #غرد_حقوق_رقمية التي نظّمناها بالتعاون مع منصة “تويتر” في الشهر الماضي، وذلك للحديث عن تجربتهم/ن والجهود التي بذلوها للفوز. وشرحت شنو الداودي من فريق “بقعة ضوء”: “لقد أجرينا حوارات مع مجموعات تركيز مع طلاب وأساتذة وفنانين، لكي نحدّد المشاكل التي تطال الحقوق الرقمية والسلامة والأمن الرقميين انطلاقاً من العالم الفعلي”. شارك في المسابقة 11 فريقاً من المنطقة العربية، وكان الفريق العراقي الفائز من الفرق التي تميّزت بإنشاء محتوى معرفي بعدّة أشكال، من نصوص ورسوم بيانية واستطلاعات. واستطاع الفريق الاستمرار بالمسابقة وعمل بجدّ لإنشاء المحتوى ونشره على حسابه على “تويتر”. مبروك!
نقاشات ذات قيمة مضافة
نظّمنا في إطار فعاليات “خبز ونت” جلسات ونشاطات أخرى، مثل ورشة عمل التقنية والقانون التي جرت في اليوم صفر (أي قبل يوم من انطلاق الملتقى رسمياً)، بالتعاون مع “حبر” من الأردن و“مؤسسة حرية الفكر والتعبير” (afte) من مصر. شكّلت ورشة العمل مساحة للنقاش بين القانونيين والتقنيين حول العلاقة بين القانون والتكنولوجيا والتعرّف إلى كيفية عمل كلّ منهما.
مساحة إضافية لجلسات ذاتية التنظيم
تخلل الملتقى مساحة للجلسات ذاتية التنظيم، حيث يندفع المشاركون إلى تنظيم جلسات أو ورش عمل أثناء الملتقى خارجة عن الهيكل الأساسي للبرنامج. ناقشت إحدى الجلسات ذاتية التنظيم كيفية تشكيل المجموعات أثناء الثورة اللبنانية، وكيفية تحسين تنظيمها وتواصل أعضائها مع بعضهم البعض. ملتقى “خبز ونت” الذي نظّمته “سمكس” بالتعاون مع الداعمين والشركاء، وشارك في تصميمه المشاركون/ات فيه، ساهم في خلق مساحة فعلية لمناقشة التكنولوجيا والمجتمع وحقوق الإنسان في بيئة ودودة وآمنة تدعمها مدوّنة قواعد السلوك الخاصة بالفعالية.
نأمل أن نراكم مجدداً في “خبز ونت” 2020