نُشرت هذه المقالة أساساً على موقع “تصنيف الحقوق الرقمية” (Ranking Digital Rights) وهذه نسخة مترجمة ومختصرة عنها.
احتلت شركتا الاتصالات العربيتين، “اتصالات” (Etisalat) الإماراتية، و”أوريدو” (Ooredoo) القطرية، المراتب الأخيرة بين شركات الاتصالات في تقرير “مؤشر مساءلة الشركات 2018” من منظمة “تصنيف الحقوق الرقمية” (Ranking Digital Rights)، وأظهر التقرير تدنياً في مستوى الإفصاح عن السياسات مقارنةً بالسنوات الماضية. يتزامن هذا الاتجاه التنازلي مع انخفاض ملحوظ في حق استخدام الإنترنت وحرية التعبير على الويب في كلا البلدين وفي جميع أنحاء المنطقة العربية عموماً، حيث يواجه مستخدمو الإنترنت رقابة حكومية مباشرة وعمليات ترهيب تدفع بالمستخدمين إلى ممارسة الرقابة الذاتية.
بعد أحداث الربيع العربي عام 2011 والذي أثبت أنّ الإنترنت أداة قوية للمدافعين عن حقوق الإنسان، بدأت السلطات في المنطقة العربية تفرض إجراءات صارمة على حرية التعبير عبر الإنترنت. ومنذ ذلك الحين، راحت تتزايد التبليغات حول تقطّع مستمر في خدمات الإنترنت في عدد من بلدان المنطقة، بما في ذلك البحرين، ومصر، وليبيا، والإمارات العربية المتحدة، وقطر. كما لجأت الحكومات إلى اتّخاذ تدابير صارمة لتجريم الخطاب عبر الإنترنت، واستهدفت ناشطين في مجال حقوق الإنسان وصحافيين ومعارضين، وعمدت إلى منع الوصول إلى خدمات معينة على الإنترنت أو إلى الشبكة ككلّ.
ليس مستغرباً أن تحتلّ شركتا “اتصالات” و”أوريدو” أدنى مرتبة حسب مؤشر “تصنيف الحقوق الرقمية” (RDR)، الذي يقيّم مدى شفافية الشركات في نشرها لسياسات الاستخدام، تحديداً تلك المتعلقة بحرية التعبير وخصوصية المستخدمين، وذلك تماهياً مع سياسات الحكومات. فدراسة سياسات الشركتين المعلنة، تبيّن أن الحكومتين الإماراتية والقطرية تقيدان حرية التعبير على الويب وتعتمدان سياسة احتكار سوق الاتصالات.
ويبيّن التقرير تراجع شركتي “أوريدو” و”اتصالات” مقارنة بالشركات الأخرى هذا العام، بحيث لم تنشرا أي سياسات خصوصية على الرغم من عدم وجود قوانين تمنع هذا الأمر. وفي المقابل، فإنّ غالبية الشركات التي تم تقييمها في”مؤشر مساءلة الشركات” قد أدخلت بعض التحسينات، بما في ذلك شركات عاملة في بلدان تفرض رقابة مشددة مثل الصين وروسيا.
تؤدّي تلك السياسات إلى حرمان مستخدمي الإنترنت في المنطقة العربية من حقوقهم في الحصول على سياسات خصوصية شفافة توضّح أسباب الرقابة على المحتوى، وكيفية التعامل مع بيانات المستخدمين، والسياسات المتبعة للاحتفاظ بها. وهذا ما يزيد من مخاوف المدافعين/ات عن الحقوق الرقمية حول تراجع حرية الإنترنت في جميع أنحاء المنطقة العربية، بحيث أصبحت شركات الإنترنت طرفاً مهماً وفعّالاً في فرض الرقابة الذاتية والحكومية على الإنترنت.
على سبيل المثال، أمرت السلطات الإماراتية بحجب عدد من المواقع الإعلامية القطرية نتيجة للأزمة السياسية بين قطر ودول الخليج من دون تقديم أي تفسير أو تبرير لمستخدمي الشبكة. وتلعب قوانين الجرائم الإلكترونية في الإمارات العربية المتحدة، والعقوبات المشدّدة مثل 15 سنة سجن بسبب التعبير عن التعاطف مع قطر، دوراً أساسياً في فرض رقابة مشددة على الأفراد والمنظمات.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الشركتين لم تكشفا عن استجابتها لقرارات الحكومات بحجب المحتوى أو حظره، مع العلم بأنّ عدم الامتثال للأوامر الحكومة يُعتبر جريمة جنائية في الإمارات العربية المتحدة.
غياب الخصوصية
أحرزت معظم الشركات التي تناولتها الدراسة درجات أفضل في سياسات الخصوصية الخاصة بها، وهو توّجه بات يطبّق في أوروبا عبر اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) وأماكن أخرى من العالم.
تُظهِر التقارير السابقة عدم نشر الشركتين أي سياسات خصوصية، مما يجعل المستخدمين على جهل تام بالمعلومات التي تُجمع عنهم/ن وكيف تُخزّن وتُستخدم ولأيّ أهداف. هذا السلوك لشركات الاتصالات والإنترنت في جميع أنحاء المنطقة تقريباً، فقد أظهر البحث الذي أجراها شركاؤنا في منظمة “تبادل الاعلام الاجتماعي” (SMEX)، ومقرها بيروت، أنّ 7 شركات اتصالات فقط من أصل 66 شركة تم تقييمها تتيح سياسات الخصوصية وشروط الاستخدام علناً.
يمكن للشركات أن تكون جزءاً فعّالاً
يمكن لشركتي “اتصالات” و”أوريدو” اتخاذ خطوات مهمة نحو الإفصاح عن سياسات الخصوصية وطريقة تعاملهما مع بيانات المستخدمين/ات. فعلى الرغم من القيود الحكومية المفروضة على الشركتين، لا يشكّل هذا الأمر مبرراً كافياً للشركتين لعدم الإفصاح عن السياسات التي تؤثّر على خصوصية المستخدمين وحرية التعبير لديهم.
يمكن للشركتين:
- نشر سياسات الخصوصية: يجب على الشركتين نشر سياسات خصوصية سهلة القراءة والفهم، توّضح آلية تجميع المعلومات وكيفية تخزينها واستخدامها ومشاركتها.
- توضيح القيود على المحتوى والحصول على الخدمات: يجب أن تكون الشركتان أكثر شفافية حول التعامل مع الطلبات الحكومية والخاصة لحجب المحتوى أو حظره أو تقييد حسابات المستخدمين.
- تحسين طرق الانتصاف: ينبغي للشركتين تحسين آليات التظلّم من خلال إدراج الشكاوى المتعلقة بحرية التعبير والخصوصية بشكل صريح، وتوفير سبل انتصاف واضحة لهذه الأنواع من الشكاوى.
مصدر الصورة الرئيسية: “تصنيف الحقوق الرقمية” (Ranking Digital Rights)
عفاف عبروقي- باحثة في مجال التكنولوجيا وحقوق الإنسان.