الحفاظ على حرّية التعبير يتطلّب فهماً ودرايةً بالإطار القانوني الذي ينظّم ممارسة هذه الحرية، خصوصاً مع التضييق المتزايد على حرية التعبير في لبنان وزيادة حالات الاستدعاء بسبب التعبير على الويب.
في هذا الإطار، ومن أجل إطلاق نقاش نقديّ إيجابيّ وبنّاء، جمعت “سمكس” في 18 حزيران/يونيو ناشطين/ات على وسائل التواصل الاجتماعي من أحزاب سياسية ومهتمّين/ات بالشأن العام، لمناقشة قضايا حرّية التعبير في لبنان، وكيفية صونها من الناحية القانونية خصوصاً.
أعرب المشاركون عن أهمّية عقد هكذا جلسات تجمع الأحزاب التقليدية والمهتمّين بالشأن العام، كونها تسهّل الاطّلاع على وجهة نظر الآخرين ومناقشة القوانين التي تمسّ الجميع بطريقة إيجابية.
شدّد البعض على ضرورة تخطّي الرقابة الذاتية والخوف من إيصال المعلومة عن طريق إرساء بعض المفاهيم والمبادئ، مثل إدراك مشروعية النقد السياسي. وحصل إجماع على أنّه لا يمكن تفعيل هذه الخطوات التي تحمي حرّية التعبير إلا عن طريق فهم القوانين ودراستها لتفادي الثغرات.
حرية التعبير في القوانين اللبنانية
كرّس الدستور اللبناني الذي يُعدّ أعلى مصدر للتشريع حرّية التعبير، إذ نصّ في المادة 13 على “حرية إبداء الرأي قولا وكتابة وحرية الطباعة وحرية الاجتماع وحرية تأليف الجمعيات كلها مكفولة ضمن دائرة القانون”.
بالإضافة إلى ذلك، توجد مجموعة من القوانين التي تؤثّر على حرّية التعبير في لبنان، من دون تمييز واضح بين وسائل النشر ومواقع التواصل، مثل قانون العقوبات، وقانون أصول المحاكمات الجزائية، وقانون الحق بالوصول إلى المعلومات (حماية كاشفي الفساد)، وقانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي، وقانون المطبوعات، والقانون المتعلق بالبث التلفزيوني والإذاعي، والقانون العسكري.
هذه القوانين تُستخدم غالباً لقمع حرّية التعبير، كما رأت المحامية ليال صقر، مؤسِّسة منظّمة “سيدز” (Seeds)، “فقانون العقوبات هو أهمّ القوانين التي تقيّد حرية التعبير إذ غالباً ما تُستخدم مواد القدح، والذم ، والتحقير، وإثارة النعرات الطائفية والمس بالأديان لتجريم الخطاب على الإنترنت”.
كما أشار المحامي شربل القارح، رئيس لجنة تكنولوجيا المعلومات في نقابة المحامين في بيروت، بدوره، إلى ثغر قانونية تؤثر على هذه الحرية، مثل “منع قانون أصول المحاكمات الجزائية محامي المدّعى عليه من حضور الاستجواب”، بينما يسمح قانون العقوبات للموقوف “بالتواصل مع محامٍ عند توقيفه“.
ورأى أنّ قانون المعاملات الإلكترونية الذي بدأ نفاذه في شهر 11 من عام 2018 خطوة إيجابية، ولكنّه اعتبر أنّه يتضمّن ثغرات كثيرة تهدد حرية التعبير، وذكر منها المادة 118 التي وسّعت مفهوم “وسائل النشر” الوارد في قانون العقوبات الذي يُستخدم كسند قانوني لحظر حسابات الناشطين على مواقع التواصل.
وقبل إقرار قانون المعاملات الإلكترونية، حصلت”سابقة اجتهادية تفتقر لأيّ سند قانوني” بحسب المحامية صقر، وذلك عندما اتّخذت النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون قراراً ألزم شربل الخوري بتوقيف حسابه لـ30 يوماً.
ماذا الذي يحصل عند استدعاء المواطنين في قضايا حرية التعبير؟
“الاستدعاء بواسطة الاتّصال الهاتفي لا يُعتبر طريقة أصولية للتبليغ عملاً بالمادة 147 أصول المحاكمات الجزائية“، كما أشارت المحامية صقر. وبالتالي، “يحقّ للمدّعى عليه الامتناع عن التجاوب لحين تبليغه وفقاً للأصول، والتعهّدات التي يُجبر الموقوفون التوقيع عليها باطلة ومخالف لمقدمة الدستور”. ومن جهته أكّد القارح أنّ “التوقيف القانوني يُحدّد بمدّة زمنية هي 48 ساعة، تجدّد مرّة فقط بإشارة الجهة القضائية المختصّة، ما يعني أنّ أيّ توقيف يتجاوز هذه المدة القانونية باطل وغير مشروع، ونشأ عنه حقّ للموقوف بمقاضاة الدولة نتيجة هذه المخالفة”.
أضافت صقر أنّه “من واجب الجهة المولجة بالتحقيق إطلاع المدعى عليه على حقوقه عن طريق تلاوتها بشكل واضح، ولكنّ المحققين غالباً ما يتخلّفون عن ذلك”. وشدّد القارح من جهته على “ضرورة الالتزام بالقانون وتزويد المدّعى عليه بكافة المعلومات والتفاصيل من التعريف بالجهاز الأمني وهوية المتّصل، وموضوع الادّعاء، وهوية المدعي ومكان الاستدعاء”.
هذا المشروع مموّل من السفارة الأميركية في لبنان.
نجاح عيتاني، طالبة حقوق ومتدربة في مجال القانون مع منظمة “سمكس”.