ليست المرة الأولى التي تأخذ فيها قضية “حرمة الموت” هذه المساحة العامة من النقاش على منصات التواصل الإجتماعي والإعلام.
بعد موت البطريرك السابق نصرالله بطرس صفير رحمه الله، وقبيل انطلاق المؤتمر الصحافي لرئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر يوم الجمعة 17 أيار، تناول الأخير البطريرك الراحل بكلام اعتبره كثيرون إهانة له. ثمّ أصدر النائب العام التمييزي بالإنابة مذكرة وجاهية بتوقيف الأسمر بعد الاستماع إلى إفادته.
حادثة مشابهة حصلت قبل عامين ونيّف أظهرتا تحرّك النيابة العامة بجرم القدح والذم بشخص ميت ومن دون دعوى قضائية. ففي سهرة العام الجديد 2017، وبعد الهجوم المسلّح على ملهى ليلي في إسطنبول الذي أدّى إلى مقتل عدد من روّاده، ومنهم لبنانيين، امتلأت المنصات الإعلامية بالتعزية بهذا الحدث المفجع. أمّا رمزي القاضي، المواطن اللبناني الذي يضمّ حسابه على “تويتر” 35 متابعاً، فغرّد في ردّ على تغريدة لقناة “إل بي سي” (LBC) اللبنانية بما معناه أنّ “الذين قُتلوا سُكارى سيذهبون إلى جهنم وبأس المصير، فقد ماتوا في خمّارة بعد ممارسة العربدة والسكر الشديد”. حينها لم يعره أحد أيّ اهتمام إلّا بعض المغرّدين الذين شاركوا معه صوره وهو يحتسي الخمر كردٍّ على إساءته، ولإثبات عدم اتزان ما ذكره.
ولكنّ قناة “إم تي في” (MTV) اللبنانية أبت إلّا أن تأخذ هذه التغريدة المكروهة من 35 متابعاً لتنقلها إلى الجمهور اللبناني كاملاً وتقود حملة تجييش تدعو إلى اعتقال القاضي.
وفي ذلك الوقت، أكملت المقدم سوزان حبيش ما بدأته القناة، وانفردت رئيسة مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية في حينه بالظهور على الإعلام والمفاخرة بإلقاء القبض على القاضي في حلقة على قناة”إم تي في”. وكان من الملفت أن الاتّصال الذي أجرته القناة ضمن هذه الحلقة بإحدى شقيقات الموتى لم تؤدِّ إلى نتيجة بسبب رفض الأخيرة الادّعاء على رمزي القاضي. ولكنّ الحاج وعند سؤالها عن اعتقال القاضي من دون إذن من النيابة العامة، برّرت الأمر بأنّ التغريدة مسّت بحرمة الميت وهدّدت السلم الأهلي والوحدة الوطنية.
في كلتا الحالتين، لا تستطيع الضابطة العدلية اعتقال المدّعى عليه من دون إذن النيابة العامة، فما الذي ينصّ عليه القانون؟
بحسب تغريدات نشرتها المحامية ميسا سليمان على صفحتها، فإنّ النيابة العامة:
1- لا يحقّ لها للادعاء بجرم القدح والذم بحال وقوعه على شخص ميت، بل يجب أن يكون الادّعاء شخصياً من أحد أقارب الميت حتى الدرجة الرابعة سنداً للمادة ٥٨٦ من قانون العقوبات.
2- جرم القدح والذم هو جنحة تصل عقوبتها الأقصى إلى 3 أشهر حبس، وبالتالي فإنّ التوقيف الاحتياطي والاحتجاز أمر غير قانوني.
وكما أكّد أصدقاؤنا في “المفكرة القانونية”، فإنّ هذه التوقيفات غير قانونية بسبب غياب أيّ نص قانوني يسمح باعتقال كلّ من فرحات والقاضي، وذلك استناداً إلى المادة 8 من الدستور اللبناني التي تمنع توقيف أي شخص من دون وجود نصّ يسمح بذلك.
في المقابل، أفضل طريقة لتخفيف الضرر الناجم عن أيّ محتوى يتضمّن خطاب الكراهية هو عدم التداول به، ومحاولة إزالته عن الويب عبر التبليغ عنه للشركات صاحبة المواقع، حسبما ينصح أغلب المحلّلين والباحثين في مواضيع النشر.
في تلك الأحداث يكون للمعتدين نوايا خبيثة بهدف إثارة الكراهية بين الشعوب. ولكن في حالة بشارة الأسمر، وقع الرجل في خطأ عدم معرفته بأنّ الميكروفون مفتوح، وبالتالي لم يكن يقصد إثارة الكراهية وما فعله ليس بجرم، فلماذا اعتُقِل؟
ينبغي للنيابات العامة أن تعي أنّ الحجز الاحتياطي لمواطنين هو الاستثناء في قضايا حرية التعبير، وأنّ التمادي في جعل هذا الاستثناء قاعدة غير قانوني في أغلب الحالات. كما يساهم أيضاً في إيجاد نوعٍ من الرقابة الذاتية وزيادة التعصّب والطائفية عند جيل كامل، بدلاً من خلق مناخ حرّياتي يساهم في زيادة النقاش وتعزيز الفكر النقدي لفكفكة
أزماتنا الداخلية حول الهوية والطائفية.
الصورة لرئيس الاتحاد العمالي بشارة الأسمر.