أقرّ البرلمان السوداني، في 10 حزيران/يونيو، قانون مكافحة جرائم المعلوماتية 2018. وذلك بعد أيّام على إجازة مجلس الوزراء السوداني، في 21 حزيران/يونيو 2018، تعديلات على قانون الصحافة والمطبوعات (تعديل 2018) تمهيداً لإحالته إلى البرلمان من أجل إقراره.
عبارات فضفاضة يمكن استغلالها في قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية
رغم مضيّ أكثر من شهر على إقرار المجلس الوطني السوداني لقانون مكافحة جرائم المعلوماتية الذي يرتكز إلى قانون جرائم المعلوماتية 2007 ومشروع قانون مقدّم من وزارة الاتّصالات السودانية، لا يمكن العثور على نصٍّ كاملٍ له على الموقع الإلكتروني للمجلس الوطني، إنّما يمكن الاطّلاع على بعض أبرز مواده في الصحف السودانية والمنشورات على الإنترنت.
اعتبر القانون أنّ النشر على الإنترنت على اختلاف المنصّات يقع ضمن الجرائم الإلكترونية تحت فئة “نشر الأخبار الكاذبة”، واستخدم عبارات فضفاضة “أثارت المخاوف خصوصاً بين الصحافيين كونها تقيّد حرّية التعبير والحرّيات الصحافية والنشر الإلكتروني”، حسبما يقول لـ”سمِكس” الأستاذ الجامعي المختصّ في مجال الإصلاحات القانونية، سامي عبد الحليم سعيد.
فقد فرضَت المادة 23 عقوبات مثل “السجن لمدّةٍ لا تتجاوز عاماً واحداً، أو الجَلد، أو الغرامة” على “كلّ من يستخدم شبكة المعلومات أو الاتّصالات أو أيّاً من وسائل المعلومات أو الاتصالات أو التطبيقات في نشر أيّ خبر أو إشاعة أو تقرير، مع علمه بعدم صحّته، قاصداً بذلك تسبيب الخوف أو الذعر للجمهور، وتهديد السلامة العامة، والانتقاص من هيبة الدولة“.
كما تضمّن مواد إضافية يمكن استغلالها لمنع المواطنين من انتقاد قضيةٍ ما إذا كان أحد الأجانب طرفاً فيها، بحيث فرَضَ “عقوبةً بالسجن لعامين، أو بالغرامة، أو العقوبتين معاً، لكلّ مَن يستخدم شبكة المعلومات أو الاتصالات أو أيّ وسيلة من وسائل المعلومات في إثارة الكراهية ضد الأجانب بما يسبب التفرقة والعداوة“.
ومن جهةٍ أخرى، يرى سعيد أنّ القوانين في السودان تُقرّ وتتكرّر العقوبات والمسائل نفسها في قوانين مختلفة. فقانون جرائم المعلوماتية 2018، بحسب سعيد، يكرّر مواد “يرتبط في سماته العامة بالقانون الجنائي، بل يناقش قضايا يعالجها القانون الجنائي لسنة 1991، وهو يغطّي في بعض مواده أنشطة جرمية تحصل من خلال استخدام الكمبيوتر وشبكة الإنترنت”.
بالإضافة إلى ذلك، لحظ القانون الذي أقرّه البرلمان السوداني، في الفصل الثاني، أحكاماً متعلّقة باختراق الشبكات والحسابات وإيقاف الإنترنت، مثل اختراق “مواقع ونظم وشبكات وخدمات الاتصال ودخول مواقع ونظم المعلومات الخاصة بالغير ودخول المواقع وأنظمة المعلومات من موظف عام وإيقاف واعتراض وإعاقة الوصول للخدمة وتشويشها وتعطيلها والتنصّت عليها.
قانون لتنظيم الصحافة أم لتأديبها؟
لم نتمكّن أيضاً من إيجاد نسخةٍ كاملة من قانون الصحافة المعدّل الذي وافقت عليه الحكومة، والمواد المُشار إليها أدناه يمكن الاطّلاع عليها في الصحف السودانية والمنشورات عبر الإنترنت.
يبدو أنّ مشروع تعديلات قانون الصحافة المعدّل الذي وافقت عليه الحكومة في 21 حزيران/يونيو الماضين، لن يصل إلى البرلمان قبل أن يخلّف موجةً من النقاشات والتساؤلات حول ما إذا كان يهدف إلى تنظيم العمل الصحافي أم إغلاق المؤسّسات الصحافية.
تقول الحكومة إنّها تريد تنظيم عملية النشر الإلكتروني، غير أنّ سعيد يشير إلى أنّ قانون الصحافة المعدّل يهدف إلى “فرض قيود على الصحافة الإلكترونية بعدما أحكمت الحكومة سيطرتها على الصحافة الورقية. فوسائل الإعلام الاجتماعي تلعب دوراً كبيراً في انتقاد سياسة الحكومة، والمنصّات مثل المواقع الإخبارية وفّرت مجالاً كبيراً للصحفيين لنشر مقالاتهم التي لم تسمح لهم الأجهزة الأمنية بنشرها على الصحف الورقية”.
ويظهر ذلك، وفقاً لسعيد، من خلال تكرار قانون الصحافة الجديد لمواد ترد في قوانين نافذة أخرى، مثل قانون الصحافة والمطبوعات 2009، وقانون جرائم المعلوماتية 2007، و قانون الأمن الوطني 2010، والقانون الجنائي 1991، بالإضافة إلى قانون حق الحصول على المعلومات 2015.
يقول الأخير إنّ قانون للنشر الإلكتروني يأتي ضمن محاولة للحدّ من التأثير الملموس لوسائل الإعلام المجتمعي والصحافة الإلكترونية ومشاركة المواطن العادي في التعبير عن الآراء، ويشرح أنّ “التعديلات الجديدة لم تميّز بين الصحيفة المتعارف عليها والصفحات الشخصية على الإنترنت، إذ عَرّفت الصحافة الإلكترونية بأنّها ’اللوح أو الحائط أو السطح – ورقياً أو إلكترونياً الذي يحمل محتوىً لغرض التداول‘”.
بالإضافة إلى ذلك، يمنح مشروع قانون الصحافة المعدّل سلطةً للجنةٍ تُسمّى “لجنة السجلّ” تفرض على الصحافيين المستقلّين التسجيل فيها، وهي مسؤولة عن إيقاف الصحافي عن الكتابة للمدّة التي تراها مناسبة، وإصدار إنذار بتعليق صدور الصحيفة، وسحب الترخيص مؤقتاً لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، وإلغاء ترخيص الصحيفة بلا فترة محددة. وهذا ما يراه سعيد مدخلاً للحكومة إلى فرض رقابتها على الفضاء الإلكتروني.
لم تكن هذه القوانين السودانية الجديدة لمكافحة الجرائم الإلكترونية وتنظيم النشر الإلكتروني والصحافة الأولى من نوعها في المنطقة العربية، فقد شهدت عدّة بلدانٍ عربية إقرار قوانين أو اتّباع إجراءات تحدّ من حرّية التعبير، مثل مصر، وسوريا، والبحرين، ولبنان، والسعودية، وغيرها من البلدان.