نشرت مجموعة ناشطي حركة شباب 6 أبريل هذه الصورة بتاريخ 8 شباط/فبراير 2018 مع هاشتاغ #سيناء_خارج_التغطية
أعلنت القوات المسلحة المصرية صباح الجمعة انطلاق عملية عسكرية للقضاء على “الإرهابيين والعناصر الاجرامية” شمال ووسط سيناء، غرب نهر النيل وفي دلتا النيل. العملية الّتي سمّيت “العملية العسكرية الشاملة: سيناء 2018،” تترافق مع قطع كامل للانترنت والاتصالات في شبه جزيرة سيناء. ما دفع بناشطين على الويب ومواطنين مصريين للشروع باستخدام هاشتاغ “#سيناء_خارج_التغطية،” للتعبير عن قلقهم إزاء المصير المجهول للمدنيين في سيناء، في ظلّ تعذّر الوصول اليهم على أرض الواقع وعلى الويب.
تطلق الحكومة، التي لطالما عرفت بالتعتيم الإعلامي على ما تقوم به من عمليات عسكرية في شبه الجزيرة، حملة عسكرية كبرى ذات نتائج مصيرية، لكنها في نفس الوقت، تقطع الاتصال بين أهالي سيناء غير المكتظّة بالسكّان، وتعزلهم عن باقي مصر. هذا النوع من قطع الاتصالات أمر مألوف لأهل مدينة العريش وغيرها في شمال سيناء، فهم ضحايا قطع الشبكة “كلّما كان هناك عملية أمنية أو عسكرية في المنطقة الصحراوية شمال المدينة،” بحسب ما أخبر SMEX به مهندس من العريش، رفض ذكر اسمه خوفاً من أن يتمّ استدعاؤه من قبل السلطات. أضاف المصدر أن الحكومة لاتحذّر المدنيين قبل قطع الشبكة ولا تقدّم أيّ تبريرات بعد عودتها.
تقود الحكومة المصرية عمليات عسكرية ضد تمرد سيناء منذ اندلاعه في 2011، بعيد الثورة المصرية التي أطاحت بالرئيس المصري حسني مبارك. حيث شنّت مجموعة أنصار بيت المقدس المتشدّدة عدة هجمات على القوى الأمنية المصرية قبل مبايعتهم لتنظيم الدولة الإسلامية في (داعش) شبه جزيرة سيناء، وباتوا يعرفون بـ “الدولة الإسلامية – ولاية سيناء.”
مهند صبري، وهو صحفي وباحث يركّز في عمله بشكل خاص على سيناء، أخبر SMEX في لقاء هاتفيّ أنّ قطع الإنترنت والاتّصالات هو ممارسة غير ناجعة. “تعاني القوات الحكومية جرّاء هذه الانقطاعات أكثر من المجموعات المسلّحة،” قال ذلك مشيراً إلى حوادث انقطع فيها الاتّصال بين القوات على الأرض، أو بينهم وبين وزارة الداخلية، خلال عمليات سابقة. أمّا المجموعات المسلّحة “فلديها وسائل بديلة للتواصل، كاستخدام أجهزة BGAN للاتّصال عبر الأقمار الصناعية، واستخدام أجهزة الاتّصال اللاسلكي المعروفة بـ’الووكي توكي’ التي تعتمد على الموجات القصيرة،” أضاف صبري، موضّحاً الأثر الضئيل لقطع الشبكة على الأهداف المزعومة.
في الحقيقة، هذه الانقطاعات تمنع الصحفيين المحلّيين والأجانب والمنظمات غير الحكومية من الوصول إلى مصادر ميدانية. “الحدّ من تغطية إخفاق الاستراتيجية المصرية في سيناء وأثره السلبي على المجتمع هناك، أحد أسباب قطع الشبكة” بحسب صبري. في 3 شباط/فبراير، فضحت صحيفة نيويورك تايمز “التحالف السرّي” بين مصر وإسرائيل في الحرب ضدّ المسلّحين في شمال سيناء. تحاول الحكومة المصرية إخفاء معلومات كهذه عن الملأ، بحسب صبري، مضيفاً أن “القيادة المصرية راغبة بإخفاء موافقتها على الضربات الجوية الموجهة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء.”
يدير الجهاز القومي لتنظيم الاتّصالات في مصر كل ما يتعلّق بالاتّصالات، “ما يعني أنّ لهذه الجهة يد في أي قطع للشبكة يجري في مصر،” بحسب ما قاله ناشط في مجال حرّية التعبير لـ SMEX، على أن لا يتم الكشف عن هويته حفاظاً على سلامته. قال الناشط أنّ “عدّة جهات حكومية تتدخل في عمل الجهاز القومي لتنظيم الاتّصالات، بينها وزارة الدفاع، ووزارة الداخلية، وجهاز الأمن القومي، وغيرها كوزارة الاتّصالات.”
القطع المتكرر لخدمات الاتّصالات والانترنت يتزامن مع تقييد الحكم العسكري للرئيس عبد الفتّاح السيسي لحرية التعبير وحرية الصحافة. في العام 2016، احتلّت مصر المرتبة الثالثة بين الدول الأكثر سجناً للصحفيين، بحسب لجنة حماية الصحفيين.
ومما يجعل تغطية الوضع في شمال سيناء أكثر صعوبةً، هو إعلانها منطقة عسكرية مغلقة وعدم السماح للصحفيين بدخولها. مصدرنا في العريش قال أنّه من الضروري طلب موافقة المتحدّث العسكري، تامر الرفاعي، “الذي قلّما يعطي أيّة موافقات … لا يسمح لأحد بتغطية هذا الموضوع أو أي موضوع حساس.” عند سؤاله عمّا إذا وجدت أيّة منظماتٍ تناصر حقّ السكّان بالوصول إلى الإنترنت وخدمات الاتّصالات، قال: “إطلاقاً، لا يسمح لأحد بذلك … كما هو الحال بالنسبة للصحافة، عمل المنظمات غير الحكومية مقيّد جدّاً هنا.”
لقطع الشبكة في أوقات الصراع والحروب آثار قد تكون خطيرة، سواء في سيناء أو أي مكان آخر. قال صبري أنّ الضحايا الحقيقيين لهذه الانقطاعات هم أهالي شمال سيناء لأنّهم لا يستطيعون “التبليغ عن الدمار أو الإصابات التي تقع … ويحدّ من وصولهم إلى خدمات الطوارئ.” مثلاً، “هناك عدة حالات لم تستطع فيها نساء حوامل الاتّصال بسيارات إسعافٍ عند المخاض،” أضاف صبري. بالنسبة للسكّان، كمصدرنا في العريش، “أسوأ ما في هذه الانقطاعات هو عنصر المفاجأة.” لم يعلم بعض السكّان بوفاة أو مقتل أحدٍ من أقربائهم إلّا بعد حوالي 10 أو 12 ساعة من وقوع الحادثة. فيما كان على آخرين السفر مسافاتٍ طويلة، بحوالي 90 كيلومتراً، فقط لإجراء مكالمة هاتفية أو إرسال رسالة بريد إلكتروني.
إعاقة الوصول إلى المعلومات وخدمات التواصل، والحد منها، هو أمر مقلق على صعيد مصر بأكملها وليس فقط شبه جزيرة سيناء. منذ 24 أيّار/مايو 2017، حجبت الحكومة المصرية 496 موقعاً على الويب على الأقل، بحسب مؤسّسة حرّية الفكر والتعبير، وهي كيان قانوني مستقل. حجبت السلطات المصرية مواقع عدد من وسائل الإعلام العالمية على الويب، مثل واشنطن بوست، ووسائل إعلام مستقلة مثل مدى مصر. بحجة دعم الإرهاب أو نشر “الأخبار الزائفة،” يجري حرمان المصريين من الخدمات الأساسية ومن المعلومات في حين يخضع العمل الصحفي المحلّي للهجوم المنظّم.
كتب هذه المقال باللغة الانكليزية ونقله إلى العربية آسر خطّاب