صورة للشاعر مصطفة سبيتي أرسلتها لنا عائلته.
تحديث بتاريخ 13 كانون الأوّل/ديسمبر 2017: بعد اعتقاله لمدّة 15 يوماً، أُطلق سراح الشاعر مصطفى سبيتي يوم الثلاثاء، 12 كانون الأوّل، 2017، بعد دفعه كفالة مالية قيمتها 500 ألف ليرة لبنانية (تعادل حوالي $333)، بحسب جريدة النهار. إلّا أنّه إلى الآن، لم يتمّ إسقاط التهم الموجّهة ضد سبيتي وبالتالي يبقى ملف قضيّته مفتوحاً.
يوم الإثنين الماضي، اعتقلت شعبة المعلومات التابعة لقوى الأمن الداخلي الشاعر أحمد “مصطفى” سبيتي، بعد نشره على فيسبوك ما اعتبره البعض إهانةً لمريم العذراء. هذا الاعتقال، أثار جولةً جديدة من التحدّيات لحرّية التعبير في لبنان.
سبيتي، البالغ من العمر 65 عاماً، والمقيم في بلدة كفرصير ضمن قضاء النبطية، نشر عبر صفحته على فيسبوك “أنا حزين. لماذا لم يكلّفني الله بمضاجعة العذراء مريم لكي أنجب عيسى المسيح؟؟!!” وسرعان ما لقي المنشور موجةً من ردّود الفعل السلبيّة؛ إذ أخذ المستخدمون/ات بمشاركة صورٍ عن المنشور مع التعليق بأنّه يثير النعرات الطائفية. المدّعي العام التمييزي سمير حمود أخبر وكالة الأنباء الوطنية بأنّ سبيتي معتقلٌ بسبب إهانته لمريم العذراء وأنّه قيد التحقيق.
انتهز عددٌ من المواقع الإلكترونية الفرصة لإدانة محتوى منشور سبيتي ولجأت لحضّ السلطات على التدخّل. حيث نشر الموقع الرسمي لحزب القوات اللبنانية مقالاً يحمل العنوان “مصطفى سبيتي يهين السيدة العذراء… وهو مدان حتّى يثبت العكس” ويطالب الحكومة بـ”المحاسبة الفورية”. أمّا موقع ليبانون ديبيت، فقد وصف في بيانٍ صحفيٍّ ما كتبه سبيتي بالـ“مقرف”.
وفي محاولةٍ للرد على الانتقادات، كتب سبيتي أنّ حسابه كان قد تعرّض للاختراق وأن لا علاقة له بالمنشور. إلّا أنّه خلال التحقيق عاد واعترف بأنّه هو من كتب المنشور في لحظة “انفعال وغضب”.
الانحياز والتضخيم الانتقائي لبعض المنشورات على مواقع الإعلام الاجتماعي، باتت خلال العام الماضي سماتً مميّزة للإعلام اللبناني، التقليدي والجديد، عند تغطية قضايا حرّية التعبير. ما يثير تساؤلاتٍ حول أثر هذا النوع من التغطية على العملية القانونية. شوقي شريم، محامي مصطفى سبيتي، عبّر عن قلقه حيال ذلك بقوله “أصبح القضاة يتوخّون حذراً أكبر قبل إطلاق سراح الموقوفين الّذين يتداول قضاياهم الإعلام. أعتقد لو أنّ قصّة سبيتي لم تكن قيد التداول في الإعلام والإعلام الاجتماعي لكان من الممكن إطلاق سراحه بعد التحقيق.” شريم هو أيضاً ممثل نقابة المحامين في النبطية.
هذا النوع من التغطية الإعلامية قد يقود السلطات لاتّخاذ قرارتٍ مجحفة، كالاعتقال. بحسب جورج غالي، المدير التنفيذي لجمعية حقوق الإنسان “ألف”، الّتي تعمل على وقف الاعتقالات التعسّفية، “ما من داعٍ لاعتقال سبيتي فهو لا يشكّل خطراً على المجتمع.” وبعد أن زارته ابنته لوركا سبيتي، يوم الخميس، أخبرت SMEX أنّ “الوضع في السجن سيء للغاية، هناك حوالي 15 إلى 20 شخصاً في زنزانة صغيرة.”
مضايقة واعتقال مستخدمي/ات مواقع الإعلام الاجتماعي، ممّن تحدّوا الأعراف الدينية والسياسية ليس بالأمر الجديد. خلال الأشهر الـ12 الماضية، رصدت SMEX تسعة حالات اعتقال لأناسٍ عبّروا عن آراء ناقدة عبر مواقع الإعلام الاجتماعي. عام 2014 اعتقلت قوى الأمن الداخلي علي عيتاوي في ضاحية بيروت الجنوبية بسبب نشره صورة لنفسه وهو يقبّل تمثالاً لمريم العذراء. رغم أنّه حمّل الصورة على فيسبوك عام 2011، إلّا أنّها لم تحظَ باهتمامٍ كبير إلّا عندما اختارها صورةً للغلاف بعد ذلك بثلاث سنوات. دفعت الضجّة الّتي أحدثتها الصورة الرئيس السابق ميشال سليمان للتدخّل وتشجيع السلطات لإعتقاله.
أضاف المحامي شريم أنّ النيابة العامّة في النبطية احتجزت سبيتي بعد توجيه الاتّهامات له بناءً على المواد 317 و 474 من قانون العقوبات اللبناني. المادّة 474 هي ذاتها الّتي استخدمتها المحكمة لإدانة عيتاوي، وهي تقول بأنّ من أقدم “على تحقير الشعائر الدينية الّتي تمارس علانية أو حث على الازدراء بإحدى تلك الشعائر عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات.” أمّا المادة 317، فتنصّ على أنّ “كل عمل وكل كتابة وكل خطاب يقصد منها أو ينتج عنها إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة يعاقب عليه بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من مئة إلى ثمانمئة ألف ليرة” (أي من 66.66$ إلى 533.33$).محطة MTV Lebanon تنبّأت بأنّ سبيتي قد يتهم أيضاً بناء على المادة 473 من قانون العقوبات، الّتي تنصّ على أنّ “من جدّف على اسم الله علانيّةً عوقب بالحبس من شهر إلى سنة.”
مقاضاة كهذه ستبعد لبنان عن الأعراف الدولية المتعلّقة بالخطاب الديني. مقرّر الأمم المتحدة الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد، أحمد شهيد، كتب مؤخّراً أنّ 70 دولةً فقط في العالم لديها قوانين ضدّ التجديف و25% دولةً منها هي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. هذا وقد ذكر شهيد أنه رغم تأكيد الحكومات على أن حدّ هذه القوانين لخطاب الكراهية، إلّا أنها “تركّز بشكل عام على درجة الإهانة والغضب الّتي ينتجها التعبير عن المشاعر الدينية، وليس على درجة تقويض سلامة الأفراد ذوي الآراء الدينية والمساواة بينهم.” بالإضافة لذلك، كتب شهيد أنّه بدلاً من حماية الأقلّيات الدينية، عادةً ما “تيسّر مقاضاة أعضاء الأقلّيات الدينية، المرتدّين، الملحدين واللادينيين.” يؤيّد ذلك نائب رئيس النادي العلماني في الجامعة الأميركية في بيروت، حسن شامي، الّذي قال بأن وجود المادة 473 في هذا العصر غير مقبول. وحذّر شامي من أنّ “المصطلحات غير الواضحة الّتي تستخدم في مواد كهذه عادةً قد تخضع للتأويل بغية مقاضاة من يعبّرون عن آرائهم الشخصية على الويب.”
قد يكون سبيتي خرق قانون العقوبات، إلّا أنّ المادة 474 لم تعدّل منذ العام 1954، وكونها منتجاً بشريّاً من زمن آخر، فهي تخوّل الحكومة اللبنانية بملاحقة كلّ من يشكّل تحدّياً للأديان السائدة والأعراف الطائفية. بالإضافة إلى ذلك، استخدام المادة 317 يخلق بيئة خطيرة تمنع الناس التابعين لطائفة ما من استخدام مواقع الإعلام الاجتماعي لانتقاد، مناقشة، أو تحدّي الممارسات الدينية أو عقائد الطوائف الأخرى. من الواضح أنّ المنشور الّذي كتبه سبيتي لا يحتوي على خطاب كراهية ولا يثير النعرات ضدّ المسيحيين في لبنان.
“مشكلتنا في لبنان،” بحسب شريم، “أننا نريد كتم كلّ الآراء المخالفة لآرائنا، ونسعى لتدمير أصحابها، بمعزلٍ عن الظروف الّتي يمرّون بها.”