المنتدى العربي لحوكمة الانترنت(http://igfarab.org).
تندرج القيود القانونية على الحقوق و الحريات ضمن الضمانات الأساسية لحماية الحقوق المدرجة في أغلب دساتير الدول العربية وذلك شريطة احترام المعايير الواردة بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية الذي صادقت عليه معظم هذه الدول.
ولإن تناول مسألة حماية الحقوق والحريات من منطلق معايير القيود المسلطة عليها أمرا فيه شيء من التناقض باعتبار الانتشار الواسع لانتهاكات حقوق الانسان في المنطقة، فإنه في الحقيقة من الوارد أن تسن الحكومات قوانينا من شأنها أن تنظم ممارسة الحقوق و لذلك فإن تأطير الحدود المسلطة على الحقوق بمعايير واضحة مسألة أساسية حتى لا يؤدي الأمر إلى إفراغ الحق من مضمونه.
في هذا السياق، و باعتبار تصاعد خطاب محاربة الإرهاب والتطرف في العالم و في المنطقة العربية بالخصوص، وما لذلك من تبعات على تكريس حقوق الإنسان، يجب التأكيد على أن الرقابة المسلطة على الاتصالات تمثل قيدا للحق في الخصوصية كما يمكن أن تشكل حدا من حرية التعبير، وبالتالي فإن هذه الرقابة لا يمكن أن تتم إلا بمقتضى نصوص تشريعية تراعي مجموعة من المعايير الدولية. ولذلك من المفروض حينئذ أن يتم تحديد أسباب المراقبة بوضوح وابراز ضرورة اجراءها عند الإقتضاء. وعليه، فلقد بات من الأكيد تحديد مفهوم الحفاظ على الأمن القومي حتى لا يبقى فضفاضا وحتى لا يشكل غطاءا للتجاوزات. وإلى ذلك من الوجيه ان تكون المراقبة كذلك متناسبة مع الهدف الذي يرجى تحقيقه حتى لا تؤثر على جوهر هذا الحق. وفي جميع الاحوال، فإنه لا مفر من تأمين رقابة قضائية يلتجئ إليها المتضررون.
إلا أن تكريس هذه الضمانات في مجال الاتصالات يواجه صعوبات نجد في أولها محدودية فهم الأبعاد التقنية و التطبيقية لهذا المجال وسبل تفعيل معايير الحماية على حقوق المستخدمين.
ومساهمة منها في لفت الانتباه لهذه المسألة، فلقد بادرت منظمة تبادل الإعلام الإجتماعي (smex.org) ومنظمة الإتصالات التقدمية (APC.org) ومجلة حبر الإلكترونية بتقديم وثيقة ضرورية و متناسبة خلال دورة 2015 للمنتدى العربي لحوكمة الانترنت ببيروت، تلخص أهم المبادئ المستخرجة من المعايير الدولية والواجبة التطبيق على البيئة الرّقمية من أجل تعزيز حماية حقوق المستخدم.
وكما تدعو المنظمات الثلاثة كل الفاعلين في مجال الاتصالات وكذلك المهتمين بشأن الحقوق الرقمية إلى تبني وثيقة المبادئ الدولية الثلاثة عشرة كوثيقة مرجعية يُحتكم إليها عند الحاجة إلى تقييم مدى احترام الرقابة لمعايير حماية حقوق الانسان و كذلك للتعريف بها لكي يكون المواطن العربي على بينة من ان الرقابة على الاتصالات خاضعة بدورها إلى رقابة قانونية.
ننشر هنا نص الوثيقة كما هو من موقع (https://ar.necessaryandproportionate.org/text)
مَبَادِئٌ دَوْلِيَّةٌ لِتَطْبِيقِ حُقُوقِ الإِنْسَانِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمُرَاقَبَةِ الاتِّصَالَاتِ
النّسخة النهائية، مايو 2014*
بتقدّم التّقنيات التي تُعين الحكومات على مراقبة الاتّصالات تزداد فداحة فشل الحكومات في ضمان كَوْنِ القوانين و التّنظيمات و النّشاطات و القوى و السُّلطات المتعلّقة بمراقبة الاتّصالات ملتزمة بالقوانين والمعايير الدّولية لحقوق الإنسان. هذه الوثيقة تسعى إلى بيان كيفية انطباق قوانين حقوق الإنسان الدّولية على البيئة الرّقمية المعاصرة، خاصّة بالزيادة في تقنيات وأساليب مراقبة الاتّصالات و التطوّر الحادث فيها. هذه المبادئ يمكن أن تكون إطارًا لمجموعات المجتمع المدنيّ ولصناعة الاتّصالات و للحكومات و غيرها لتقييم اتفاق تشريعات المراقبة الحالية أو المقترحة مع حقوق الإنسان.
هذه المبادئ حصيلة تشاور دولي مع مجموعات من المجتمع المدنيّ والصنّاعة وخبراء دوليّين في قوانين مراقبة الاتّصالات وسياساتها و تقنياتها.
دِيباجة
الخصوصيّة حقّ إنسانيّ أصيل، و رُكن أساسيّ لقيام المجتمعات الدّيمقراطيّة، وهي جوهريّة لحفظ الكرامة الإنسانيّة، كما تُعضّد حقوقا أخرى مثل حرية التعبير و الحصول على المعلومات و حرّيّة التّنظيم، و يُقرّها قانون حقوق الإنسان الدوليّّ [1]. مراقبة الاتّصالات تنتقص من الحقّ في الخصوصيّة ومن حقوق إنسانيّة أخرى، لذا لا يمكن تبريرها إلّا إذا كانت منصوصًا عليها في القانون، و ضروريّّة لتحقيق غرض مشروع، و متناسبة مع الغرض المنشود[2].
قبل الإقبال الجماهيريّ على استخدام الإنترنت كانت توجد مبادئ قانونيّة راسخة و عوائق لوجستيّة تخصّ مراقبة الاتّصالات حَدَّتْ من قدرة الحكومات على إجرائها. في العقود الأخيرة تَقلّصت تلك العوائق اللوجستيّة كما أصبح تطبيق المبادئ القانونيّة في سياقات التّقنيات الحديثة مُلتبسًا. التّضخم في مُحتَوى الاتّصالات الرّقميّة وفي المعلومات عن الاتّصالات – ما تُعرف بالبيانات الفوقيّة للاتّصالات – و كذلك تَدنّي كُلفة تخزين كمّيات كبيرة من البيانات و التّنقيب فيها، واعتماد الأفراد على مُقدِّمين لخدمات حفظ المُحتَوى و نشره، كُلّها جعلت مراقبة الحكومات للاتّصالات ممكنة على نطاق غير مسبوق[3]. في ذات الوقت فإن التّفسيرات والفهم الشّائعين لقوانين حقوق الإنسان لم تُجارِ التّطوّرات الحادثة في تقنيات و أساليب الحكومة في مراقبة الاتّصالات، و لا قدرة الحكومة على تجميع و تنظيم معلومات مُستقاة من ممارساتِ مراقبةٍ متنوعةِ التّقنيات و الأساليب، ولا زيادة حساسية المعلومات الممكن النّفاذ إليها.
إن التواتر الّذي أصبحت به الحكومات تسعى إلى النّفاذ إلى مُحتَوى الاتّصالات و بياناتها الفوقيّة يزداد باطّّراد كبير بلا تمحيص كافٍ[4]. بالنّفاذ إلى البيانات الفوقية للاتّصالات و تحليلها يمكن توليف سيرة لحياة الفرد، تتضمن الحالة الصّحيّة، والآراء الدّينيّة و السّياسيّة، والعلاقات التّنظيميّة، والاهتمامات و النّشاطات، كاشفة عن تفاصيل قد تزيد عمّا يمكن استنتاجه من مُحتَوى الاتّصالات ذاته[5]. برغم كِبَر العُمق الممكن للتّدخُّل في حياة الفرد و أثر ذلك السّلبي على انتماءاته السّياسيّة وغيرها، فإن القوانين وإجراءات الرّقابة والقوى والسُّلطات لا تُقُدِّر البيانات الفوقيّة حقّ قدرها في الحماية ولا تضع قيودًا كافية على كيفيّة استخدامها لاحقا من قِبَل الحكومة، بما في ذلك كيفيّة التّنقيب فيها وتبادلها وحفظها.
نِطاقُ الانطباقِ
هذه المبادئ و ديباجتها وحدة متكاملة؛ كلّ مبدأ فيها تنبغي قراءته و تفسيره كجزء واحد في إطار أكبر يحقّق عند تناوله في مجمله هدفا واحدًا هو ضمان أن القوانين والسّياسات و الممارسات المتعلّقة بمراقبة الاتّصالات تلتزم بقوانين و معايير حقوق الإنسان الدّولية و تحمي الحقوق الإنسانيّة للأفراد كما ينبغي، مثل الخصوصيّة و حرّيّة التّعبير. لذا فلكي تفي الحكومات حقًّا بالتزاماتها الدّوليّة بحقوق الإنسان فيما يتعلّق بمراقبة الاتّصالات فإنها يجب أن تلتزم بكلٍّ من المبادئ المبيّنة فيما يلي.
هذه المبادئ تنطبق على مراقبة الدّولة الاتّصالات على أراضيها و خارج أراضيها، وهي كذلك تنطبق أيّا كان الغرض من المراقبة؛ سواء كان إنفاذ القانون أو حماية الأمن القوميّ أو جمع المعلومات الاستخباراتيّة أو أيَّ وظيفة حكوميّة أخرى. كما أنّ هذه المبادئ تنطبق على التزام الحكومة باحترام و رعاية حقوق الأفراد الإنسانيّة، والتزامها بحماية الحقوق الإنسانيّة للأفراد من انتهاكها من قبِل الأطراف غير الحكوميّين، بمن فيهم مؤسّسات الأعمال[6]، ، إذ تقع على مؤسّسات الأعمال مسؤوليّة احترام الخصوصيّة الفرديّة و حقوق إنسانيّة أخرى، بخاصّة بالأخذ في الاعتبار الدّور الأساسيّ الذي تقوم به في تصميم و إنتاج و تشغيل الوسائل التقنيّة؛ وتقديم خدمات الاتّصال، وكذلك تسهيل ممارساتِ مراقبةٍ حكوميّةٍ[7]. مع هذا فإنّ هذه المبادئ تبيّن واجبات والتزامات الحكومة عند اضطلاعها بمراقبة الاتّصالات.
التّطوُّرُ في التّقنياتِ و التّعريفاتِ
”مراقبة الاتّصالات“ في البيئة المعاصرة تشمل المراقبة و التَّنَصُّتَ و الجمع و الحصول على، والتّحليل والاستخدام و الحفظ و التّدخل في، والنّفاذ إلى، وما شابهه من أفعال، فيما يخصّ معلومات تتضمّن أو تعكس أو تنشأ من، أو هي عن، اتّصال أجراه شخص في الماضي أو يجريه في الحاضر أو المستقبل.
”الاتّصالات“ تشمل النّشاطات و التّفاعلات والمعامَلات المنقولة عبر وسائط إلكترونيّة، مثل مُحتَوى الاتّصال وهويّة أطراف الاتّصال وبيانات الاقتفاء المكانيّ مثل عناوين بروتوكل الإنترنت، وتاريخ ومدّة الاتّصال و مُعرّفات معدّات الاتّصال المستخدمة.
”المعلومات المحميّة“ معلومات تتضمّن أو تعكس أو تنشأ من، أو هي عن، اتّصالِ شخص مما هو ليس متاحا الوصول إليه أو الحصول عليه علنا للعامّة.
تقليديّا كانت درجة الانتهاك التي تُحدِثها مراقبة الاتّصالات تُقيَّم على أساس تصنيفات مُصطَنعة عُرفيّة. إذ تُميِّز الأُطُر القانونيّة الحاليّة ما بين ”المُحتَوى“ و ”غير المُحتَوى“ وما بين ”بيانات المشترِك“ و ”البيانات الفوقيّة“، و كذلك ما بين البيانات ”المُخزَّنة“ و”المُنتقِلة“، وما بين البيانات في البيت أو في حوزة طرفٍ مقدِّمٍ للخدمة[7]. إلا أن ذلك التمييز لم يعد ملائما لقياس درجة الانتهاك التي تُحدِثها مراقبة الاتّصالات في حياة الأفراد الخاصّة وعلاقاتهم. فبينما اتُّفق فيما مضى على أن محتوى الاتّصالات يستحقّ حماية ملموسة في القانون بالنّظر إلى إمكان كشفه عن بيانات حسّاسة فإن الواضح الآن أنّ معلومات أخرى تنشأ من الاتّصالات – هي البيانات الفوقيّة و أنواع أخرى من غير المُحتَوى – قد تكون كاشفة عن حياة الفرد بأكثر ممّا يكشفه مُحتَوى الاتّصال ذاته، لذا فهي تستحقّ حماية مساوية. بتحليل كلِّ نوع من تلك البيانات، بمفردها أو باقترانها مع غيرها، صار اليوم في الإمكان الكشف عن هويّة الفرد و سلوكه و علاقاته و حالته الجسمانيّة و الصحيّة و عِرقِه و لونه وميوله الجنسيّة وأصله القوميّ وآرائه؛ كما تُمكِّن من التّعرّف على مواضع تواجد الأفراد و تحرّكاتهم و تفاعلاتهم عبر الزّمن[8]، أو لجموع الأشخاص في منطقة معيَّنة بما في ذلك في المظاهرات العامّة أو الفاعليّات السّياسيّة الأخرى. نتيجة لذلك فإنَّ المعلومات المحميّة ينبغي سَبْغُ الحماية القانونيّة القصوى عليها.
عند تقييم درجة الانتهاك التي تُحدِثها مراقبة الاتّصالات من الضروريّ الأخذ في الاعتبار قدرة المراقبة على كشف معلومات محميّة، وكذلك الغرض الذي من أجله تسعى الحكومة إلى المعلومات. كلُّ مراقبة للاتّصالات تنتقص من حقوق الإنسان، لذا فإن قانون حقوق الإنسان الدوليّ ينطبق عليها. مراقبة الاتّصالات التي من المرجّح أن تؤدي إلى كشف معلومات محميّة قد تُعرّض فردًا لخطر التّحري عنه أو التّمييز ضدّه أو إلى انتهاك حقوق الإنسان، تُشكّل انتهاكًا خطيرًا لحقّ الفرد في الخصوصيّة كما تُفرغ حقوقًا أخرى من مضمونها، بما فيها الحقّ في حريّة التعبير والتّنظيم و المشاركة السّياسية. هذا لأنَّ هذه الحقوق تستوجب قدرة النّاس على الاتّصال بغير مراقبة الحكومة. لذا فإنَّ تحديد طبيعة البيانات المطلوب الكشف عنها والاستعمالات الممكنة لتلك المعلومات واجب في كلّ حالة على حدة.
قبل اعتماد أسلوب مراقبة جديد للاتّصالات أو التّوسّع في أسلوب قائم ينبغي على الحكومة أن تتيقّن ممّا إذا كانت المعلومات التي سيجري جمعها تقع في نطاق المعلومات المحميّة، و ذلك قبل السّعي إلى النّفاذ إليها، و على الحكومة أن تقبل التّمحيص القضائيّ وآليّات الرّقابة الدّيمقراطيّة الأخرى. و لتحديد ما إذا كانت المعلومات المجموعة بأحد أساليب مراقبة الاتّصالات تقع في نطاق المعلومات المحميّة فإن وسيلة المراقبة ونطاقها و مُدّتها كُلّها عوامل ذات دلالة، لأن المراقبة الشّاملة أو المنهجيّة أو الأساليب المُنتَهِكة من شأنها أن تكشف عن معلومات خاصّة تزيد كثيرا عن الأجزاء المكوّنة لها، و يمكنها أن توصل مراقبة المعلومات غير المحميّة إلى درجة من الانتهاك تدعو إلى حمايتها حماية كاملة كما المعلومات المحميّة[9].
إن تحديد ما إذا كان للحكومة أن تُجريَ مراقبة للاتّصالات تطال بيانات محميّة يجب أن يتوافق مع المبادئ التّالية:
المَبادِئُ
القانُونية
أيُّ تقييد لحقوق الإنسان يجب أن يكون منصوصًا عليه في القانون. فليس للحكومة أن تَعتمد أو تُطبّق أي إجراء من شأنه تقييد هذه الحقوق في غياب تشريع قائم علنيّ معلوم للكافة، يَتّصف بالوضوح و الدّقة الكافيين لضمان عِلْم الأفراد المُسبَق به و قدرتهم على استشراف تطبيقاته. بأخذ سرعة التطوّر التقنيّ في الحُسبان فإن القوانين الّتي تُقيّد حقوق الإنسان يجب أن تُراجع دوريّا بصيرورة تشاركيّة أو تنظيميّة.
مَشرُوعية الغَرَض
ينبغي ألا تسمح التّشريعات بمراقبة الاتّصالات إلا بواسطة هيئات حكومية بعينها لتحقيق أهداف مشروعة ذات صلة بغرض قانونيّ ثابت الغَلَبة ضروريّ في مجتمع ديمقراطيّ. يجب ألا يُطبّق أيُّ إجراء مراقبة على نحو يكون فيه تمييز على أساس العِرق أو اللّون أو الجنس أو اللّغة أو الدّين أو الرّأي السّياسيّ أو غيره، أو الأصل القوميّ أو الاجتماعيّ، أو المِلكِيّة أو المولد أو أيّ صفة أخرى.
الضَّرُورة
القوانين التي تسمح بمراقبة الاتّصالات، والتّنظيمات والنّشاطات المتعلّّقة بها، و القُوى و السُّلطات الّتي تمارسها يجب أن تَقصُر المراقبة على القدر الأدنى الممكن بيان ضرورته لتحقيق غرضٍ مشروع. فمراقبة الاتّصالات يجب ألا تُجرى إلا عندما تكون هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق غرض مشروع أو، في حال وجود أكثر من وسيلة، عند كونها الوسيلة الأقلّ انتهاكا لحقوق الإنسان. ويقع على الحكومة دَومًا عبءُ إثبات ذلك المُبرِّر.
المُلاءَمة
أيُّ حالة من حالات مراقبة الاتّصالات المسموح بها قانونًا يجب أن تتناسب مع الغرض المشروع الذي تمارَس لأجله.
التّناسُب
مراقبة الاتّصالات ينبغي عدُّها فعلًا بالغ الانتهاك يتعارض مع حقوق الإنسان؛ مُهدّدة لأسُسِ المجتمع الديمقراطيّ. القرارات بشأن مراقبة الاتّصالات يجب أن يؤخذ في الحُسبان عند اتّخاذها حساسية المعلومات المتحصّل عليها و درجة فداحة الانتهاك الواقع على حقوق الإنسان، و المقاصد الأخرى المُتعارضة مع مقاصد المراقبة. هذا يتطلَّب من الحكومة أن تُبرهِن على الأمور التالية – على الأقل – لسلطة قضائيّة كفء مستقلّة نزيهة قبل الشّروع في مراقبة الاتّصالات لأغراض إنفاذ القانون أو حماية الأمن القوميّ أو جمع المعلومات الاستخباراتيّة:
-
- – يوجد احتمال راجح أنّ جريمة فادحة أو تهديدا مُعيّنا لغرض مشروع قد وقعت أو على وشك أن تقع؛ و
-
- – يوجد احتمال راجح أن أدلّة بيّنة على تلك الجريمة الفادحة أو التهديد المُعيّن لغرض مشروع يُمكن استنباطها من المعلومات المحميّة المطلوبة؛ و
-
- – أساليب التحرّي الأخرى الأقل انتهاكا قد استُنفدت بلا جدوى أو إنّها ستكون غير مُجدية بحيث إنّ الأسلوب المطلوب الإذن باستخدامه هو الأقل انتهاكا؛ و
-
- – المعلومات المُتحصّل عليها ستقتصر على ما يتعلّق بوضوح بالأدلة على الجريمة الفادحة المزعومة أو التهديد المُعيّن المزعوم لغرض مشروع؛ و
-
- – كل المعلومات المجموعة الزائدة عن ذلك لن تُستبقى بل فورًا ستُتلف أو تُعاد إلى مصدرها؛ و
-
- – المعلومات المُتحصّل عليها لن تَنْفَذَ إليها غير الهيئة المُعيّنة ولن تُستخدم في غير الغرض والمدّة المأذون بهما؛ و
- – ممارسات المراقبة المطلوب الإذن بها والأساليب المطروحة لا تُخِلُّ بجوهر الحقّ في الخصوصيّة ولا بالحرّيّات الأساسيّة الأخرى.
السُّلطة القَضائية الكُفْء
إن القرارات المُتعلّقة بمراقبة الاتّصالات يجب أن تضطلِع بها سلطةٌ قضائيّةٌ كفءٌ نزيهةٌ مستقلّةٌ. تلك السلطة يجب أن تكون:
-
- – منفصلة ومستقلّة عن الجهات الّتي تضطلع بمراقبة الاتّصالات؛ و
-
- – ضليعة في المسائل المتعلّقة بهذا الأمر، كُفْئا لاتخاذ قرارات قضائيّة متعلّقة بقانونيّة مراقبة الاتّصالات، وبالتّقنيات المستخدمة وبحقوق الإنسان؛ و
- – لديها موارد تتناسب مع الوظائف المسندة إليها.
المُحاكَمة العادِلة
المحاكمة العادلة تستوجب أن تَحترم الحكومات الحقوق الإنسانيّة للأفراد و أن تَضمَنها بالنصَّ في القانون على كلّ إجراء من شأنه التعرّضُ لحقوق الإنسان، وبتطبيق تلك الإجراءات باتّساق و بإتاحة العِلمِ بها للعموم. و على وجه التحديد، في كلّ ما يَمَسُّ الحقوق الإنسانيّة للفرد يكون لكلّ شخص الحقُّ في محاكمة عادلة علنيّة في غضون مدّة معقولة أمام قاض مستقل كفء نزيه يُعيّنه القانون[10]، ولا يكون من ذلك استثناء إلا في حالة الضّرورة بوجود خطر حالٍّ وشيك على حياة إنسان. في مثل هذه الحالات يجب الحصول على إذن بأثر رجعي في غضون مدّة مناسبة عمليا. ولا يُعدّ خطر احتمال ضياع أو تلف الأدلّة وحده كافيا لتبرير الإذن بأثر رجعيّ.
إخطار المستخدِم
ينبغي إخطار الأفراد بصدور إذن بمراقبة اتّصالاتهم بما يتيح وقتًا كافيًا و معلومات كافية لتمكينهم من الطّعن على قرار الإذن أو اللّجوء لحلول أخرى، وينبغي أن تُتاح لهم القرائن المدفوع بها في طلب الإذن بالمراقبة. التّأخير في الإخطار ليس مُبرَّرًا إلّا باجتماع الظروف التّالية:
-
- – الإخطار سيكون من شأنه إفشال الغرض الذي من أجله صُرِّح بمراقبة الاتّصالات أو يؤدي إلى خطرٍ حالٍّ وشيك على حياة إنسان؛ و
-
- – أصدرت جهة قضائيّة كفء مستقلّة وقتَ الإذن بالمراقبة إذنا بتأجيل الإخطار؛ و
- – يتم إخطار الأشخاص المتأثّرين فور زوال الخطر على النّحو الذي تحدّده جهة قضائيّة كفء مستقلّة.
الالتزام بالإخطار يقع على عاتق الحكومة، إلا أن مُقدّمي خدمة الاتّصالات لهم أن يُخطروا الأشخاص بمراقبة اتّصالاتهم طوعا أو عند الطلب.
الشّفافية
ينبغي على الحكومات أن تكون شفّافة في كلّ القوانين و التّنظيمات و النّشاطات و القوى و السُّلطات المتعلّقة بمراقبة الاتّصالات. فعلى الحكومات أن تنشُر، على الأقل، معلومات إجماليّة عن الأعداد الدّقيقة لطلبات المراقبة المقبولة و المرفوضة، مُفَصَّلة بمُقدِّم الخدمة و بسُلطة التحرّي وبنوع التحرّي و غرضه، وعدد الأفراد المتأثّرين بكلّ طلب. على الحكومة إمداد الأفراد بالمعلومات اللازمة لهم ليفهَموا على نحو كامل نطاق و طبيعة و تطبيقات القوانين السّامِحة بمراقبة الاتّصالات. وعلى الحكومات ألا تعِيق أو تقيّد مقدّمي خدمات الاتّصالات في سعيهم إلى نشر الإجراءات التي يتّبعونها عند تقديرهم وتلبيتهم طلبات الحكومة لمراقبة الاتّصالات، أو سعيهم إلى الالتزام بتلك الإجراءات، أو نشرهم سجّلات طلبات الحكومة مراقبة الاتّصالات.
الرِّقابة الشّعبية
ينبغي على الحكومات إحداث آليّات رقابة مستقلّة لضمان الشفافيّة و المحاسبة فيما يتعلّق بمراقبة الاتّصالات[11]. آليّات الرّقابة الشعبيّة هذه ينبغي أن تكون لها سُلْطَةُ: النّفاذ إلى كلّ المعلومات الّتي قد تكون ذات علاقة بأفعال الحكومة، بما فيها تلك المُصنّفة بدرجات السرّية؛ و تقدير ما إذا كانت الحكومة تستخدم قدراتها القانونيّة على نحو مشروع؛ و تقييم ما إذا كانت الحكومة تنشر معلومات صحيحة وافية عن استخدامات و نطاق أساليب و قُوى مراقبة الاتّصالات وفق التزاماتها بالشّفافية؛ ونشر تقارير دوريّة و معلومات أخرى متعلّقة بمراقبة الاتّصالات؛ و أن تقرّر للصّالح العام مدى قانونيّة تصرّفات الحكومة بما في ذلك مدى التزامها بهذه المبادئ. آليّات الرّقابة الشعبيّة المستقلّة هذه ينبغي أن تُستحدَث إلى جانب آليّات الرّقابة القائمة التي تضطلع بها الفروع الأخرى للحكومة.
سَلامة الاتِّصالات و نُظُمِها
لضمان سلامة و أمان و خصوصيّة نظم الاتّصالات، و حيث إنّ انتهاك الأمان لأغراض الحكومة ينتج عنه في الأغلب انتهاك الأمان عموما، ينبغي على الحكومات ألّا تُجبِر مُقدِّمي خدمة الاتّصالات أو صانعي ومُوّردي العتاد أو البرمجيّات على أن يُضمِّنوا وسائلَ مراقبةٍ و تَنَصُّت في نُظُمَهم التي يُشغّلونها أو يُنتجونها أو يعرضونها ليستخدمها الجمهور أو الجهات الخاصّة أو الحكوميّة، و لا على أن يجمعوا أو يحفظوا معلومات بعينها لأغراض مراقبةٍ حكوميّةٍ للاتّصالات. وينبغي ألّا تطلب الحكومة من مقدّمي الخدمة أن يجمعوا أو يحفظوا على نحو مسبق – احترازا أو تحسّبا – أيَّة بيانات. للأفراد الحقّ في التّعبير عن رأيهم بمجهوليّة، وعلى الحكومة الامتناع عن الإلزام بطلب هويّات المستخدمين[12].
ضماناتٌ للتعاون الدوليّ
استجابةً للتغيّر في تدفقات المعلومات و في تقنيات الاتّصالات و خدماتها فقد تحتاج الحكومات لطلب العون من مُقدِّمي خدمة أجانب و من حكومات. لذا ينبغي أن تَضمَن اتفاقات التّعاون الأمنيّ و القانونيّ و غيرها التي تُبرمها الحكومة أنّه في حال إمكان انطباق قوانين أكثر من دولة على حالات مراقبة الاتّصالات فإن القانون منها الذي يَضمَن أقصى حماية للأفراد هو ما يُطبّق. و عندما تلجأ الحكومات لطلب مساعدة في إنفاذ القانون فإن مبدأ ازدواج التّجريم يجب أنْ يُطبّق. وليس للحكومات أن تلجأ إلى صيرورات التعاون القانونيّ بين الحكومات و لا إلى الطلبات الأجنبيّة لمعلومات محميّة بغرض تجاوز القيود القانونيّة المحليّة على مراقبة الاتّصالات، و يجب توثيق صيرورات التعاون القانونيّ الدّوليّة و اتّفاقاته وإتاحتها للعموم و إخضاعها لضمانات الصّحّة الإجرائيّة.
ضمانات ضدّ النّفاذ غير القانونيّ وحقّ الرجوع
ينبغي على الحكومات إصدار تشريعات تُجرِّم المراقبة غير القانونيّة للاتّصالات من قِبَل الجهات العامّة و الخاصّة، و ينبغي على القانون أن يتضمّن عقوبات جنائية و مدنية كافية رادعة، و حماية للمُبلّغين و سُبُلًا للانتصاف للمتضرّرين. يجب أن تقضي القوانين بأن كلَّ المعلومات المُتَحصّلِ عليها بوسيلة تخالف هذه المبادئ لا يُعتّد بها كأدلّة في أيّ تقاضٍ ولا يُنظر إليها على أي نحو في أيّ إجراء، و كذلك كُلُّ دليل مُستَنبط من تلك المعلومات. ينبغي على الحكومات كذلك إصدار تشريعات قاضية بوجوب عدم الاحتفاظ بالمعلومات المُتَحصّل عليها بطريق مراقبة الاتّصالات بعد استخدامها في الغرض الذي لأجله تمَّ التحصّل عليها، بإتلافها أو إعادتها إلى مَنْ هي عنهم.
تقرير: ريم ذوادي
* صيرورة صياغة هذه المبادئ بدأت في أكتوبر 2012 في اجتماع حضره أكثر من 40 خبيرا في الخصوصيّة و الأمان في بروكسل. و بعد مداولات عامّة مبدئيّة تضمّنت اجتماعا لاحقا في ريودِيجانيرو في ديسمبر 2012 قادت منظمات Access و EFF و Privacy International جهدا تشاركيّا انبنى على خبرات في مجال حقوق الإنسان و الحقوق الرقميّة لخبراء من أنحاء العالم. الإصدارة الأولى من وثيقة المبادئ أُنجِزت يوم 10 يوليو 2013 وأعلِن رسميّا عنها في فعالية في اجتماع مجلس الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان في جنيف في سبتمبر 2013. أصداء النّجاح والتّبنّي العالميّ للمبادئ من قِبَل أكثر من 400 منظّمة في أنحاء العالم أوجبا إحداث تحريرات نصيّة طفيفة في لغتها لضمان اتّساق تفسيرها و انطباقها عبر القضاءات. لذا، فبين مارس و مايو 2014 أُجريت مداولات ثانية للتعرّف على أوجه القصور في الصّياغة و تداركها بتحديث المبادئ وفقها. إن أثر المبادئ و الغرض منها لم يتغيّرا بموجب هذه التّعديلات. هذه الإصدارة هي الناتج النهائيّ لهذه الصّيروة و هي النّسخة المرجعيّة لوثيقة المبادئ.