أصبح قطع الإنترنت بشكل تام من قبل الحكومة العراقية أمراً طبيعياً، مع تصاعد ملحوظ في عمليات الإطفاء التام للإنترنت وحجب المواقع على الإنترنت منذ عام 2014.
قرّر مجلس الوزراء العراقي قبل أيام قطع خدمات الإنترنت خلال فترة الامتحانات العامة لطلاب البكالوريا، للصفوف السادس الإعدادي، في جلسته الخامسة والعشرين المنعقدة في 25 حزيران 2019. ونصّ القرار على “قيام وزارة الاتصالات وهيئة الإعلام والاتصالات، كل بحسب تخصصه، بقطع بث الانترنيت، خلال فترة الامتحانات العامة للدراسة الإعدادية، من الساعة السادسة صباحاً، ولغاية الثامنة صباحاً”.
وجاء القرار، بناءً على ما عرضته وزارة التربية في جلسة مجلس الوزراء الاعتيادية الخامسة والعشرين “حفاظاً على تأدية الطلبة للامتحانات بكلّ دقة ونزاهة وحرصاً على سلامة الامتحانات ودقة مخرجاتها، وعدم استخدام تقنيات الاتصال الحديثة، للغش في الامتحانات”.
ولكنّ وزير الاتصالات العراقي، نعيم الربيعي، كان قد قال في تصريح رسمي سابق لوكالة “السومرية نيوز”، في تشرين الثاني/نوفمبر 2018: “أصدرنا قراراً في بداية عملي في الوزارة يتضمن عدم قطع الإنترنت تحت أي ظرف كان”، مضيفاً أنّ “على وزارة التربية والوزارات الأخرى أن تحمي حقوقها وألّا ترمي الأعباء على وزارة الاتصالات”.
قطع الإنترنت في العراق أصبح عادة “سيئة”
تتضمّن عملية حجب الإنترنت قطع خدمات الإنترنت الثابت والجوال، وغالباً ما يحدث قطع شامل للإنترنت بالتزامن مع الامتحانات العامة على مستوى العراق في جميع المحافظات ما عدا إقليم كردستان في هذا العام. وفي أيام التظاهرات أو الانتخابات يحصل تقطيع في خدمات الإنترنت وحجب جزئي لبعض المواقع، خصوصاً مواقع التواصل الاجتماعي، كما حدث في انتخابات أيار/مايو 2018. وقد يطال تقطيع الخدمات محافظة بأكملها في حال حدوث تظاهرات كبرى كما حصل في البصرة العام الماضي.
ومن جهته، شهد إقليم كردستان في السنوات الماضية قطعاً للإنترنت أثناء تأدية الامتحانات وحتى أثناء التظاهرات، وآخرها خلال تظاهرة للمعلمين في مدينة السليمانية في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2018.
خسائر كبيرة وفرصة لانتشار الشائعات
لا توجد تقارير رسمية بشأن الخسائر الاقتصادية التي تخلّفها عملية قطع الإنترنت، ولكن المواطنين والمراقبين يقدّرون خسارة القطاع الخاص لقرابة 500 مليون دولار بسبب قطع الإنترنت. كما يلاحظون أنّ قطع الإنترنت يؤثّر على الكثير من المؤسسات التعليمية والحكومية وبعض المرافق الأمنية المهمة. وتقدّر خسائر العراق بسبب قطع الإنترنت حوالي 40 مليون دولار، بحسب تقرير لموقع “نت بلوكس” الذي يرصد حالات قطع الإنترنت عالمياً.
بالإضافة إلى ذلك، تطال هذه العملية المواطنين بحيث يدخل العراقيون في عالم منعزل تماماً، مما يزيد من انتشار الشائعات والأخبار الكاذبة، كما حدث في حزيران 2014 عندما تم قطع الإنترنت أثناء دخول داعش إلى بعض محافظات العراق.
التوثيق كوسيلة ضغط
ثمّة مبادرات لتوثيق حالات قطع الإنترنت، مثل “الشبكة العراقية للإعلام المجتمعي” (أنسم) التي تضمّ مدوّنين ومهتمين بالشأن الرقمي، والتي توثّق عمليات الحجب والإطفاء. وهنالك حملة انطلقت من قبل مستخدمي الإنترنت على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان #improve_iraq_network تهدف إلى تحسين خدمة الإنترنت التي ساءت للغاية في الآونة الأخيرة. كما تنشط مبادرات دولية مثل موقع “نت بلوكس” و“أوراكل”.
وقال “مرصد الحريات الصحفية” العراقي في بيان حول قطع الإنترنت خلال الامتحانات، إنّ “ما أقدمت عليه الأمانة العامة لمجلس الوزراء يُعدّ خرقاً فاضحاً لنص المادة 40 من دستور العراق لسنة 2005، والتي ضمنت حرية الاتصالات والمراسلات البريدية والإلكترونية ومنعت مراقبتها أو تقييدها أو التنصت عليها إلا لضرورة قانونية أو أمنية واستنادا لأمر قضائي مسبق”.
وبدورها، أشارت “الشبكة العراقية للإعلام المجتمعي” (أنسم) إلى إنّ التعميم بقطع الإنترنت هو إجراء تعسفي شمولي غير مدروس، يضع الناس أمام خطر في ظل الظروف الحالية في محاربة تنظيم الدولة، لأن المجتمع بحاجة للمعلومة عبر الإنترنت للاطلاع على ما يحدث في العراق”.
وعلى الرغم من ذلك، لم تكن هناك أي محاولة لرفع دعوى قضائية ضد الحكومة بسبب حجب الإنترنت، ولكن ثمّة تحرّك لمحامين شباب في عام 2019 لإيقاف هذا القرار غير القانوني.
حلول جزئية
لا يجد عامة الناس أيّ حلول لتجاوز الإطفاء التام للإنترنت، غير استخدام الاتّصال الاعتيادي والرسائل النصية عبر شبكات الهاتف النقال، أو التخطيط للسفر إلى شمال العراق أو خارجه من أجل البقاء على إتصال دائم بالإنترنت.
أما بالنسبة للحجب الجزئي، فيستخدم المواطنون خدمات “الشبكات الافتراضية الخاصة” (VPN) لتجاوز الحجب. ولكنّ ذلك لا يكون ممكناً في الكثير من الأحيان بسبب ضعف سرعة الإنترنت بالأساس، وكلّ هذا يعيق وصول الناس إلى المعلومة.
مصدر الصورة: internetintel.oracle.com
—————————————————————————————————————————
حيدر حمزوز: ناشط في الشأن العام الرقمي في العراق والمنطقة