يستخدم مشغّلو الاتّصالات المحمولة نظام رصد أداء الشبكة للحفاظ على جودة الخدمة ومتابعة طلبات المستخدمين/ات.
سؤالٌ بديهيٌّ يطرح نفسه هنا: كيف تستخدم الأجهزة الأمنية هذا النظام؟ ومن يديره؟
تعتمد الأجهزة الأمنية اللبنانية نظام “أستيليا” (Astellia) للرصد، الذي تستخدمه شركتا الهاتف الخليوي لتشغيل أداة رصد أداء الشبكة الخاصة بها. وقد تبيَّن ذلك بعد أن طلب وزير الاتصالات الموافقة على شراء/تحديث النظام من خلال عقدٍ بالتراضي ومن دون اتّباع الإجراءات المنصوص عليها في قانون الشراء العام.
تسعى شركتا الهاتف الخلوي في لبنان، أي “ألفا” (Alfa) و”تاتش” (Touch)، اللتان تملكهما الدولة اللبنانية وتديرهما وزارة الاتصالات، إلى تحديث نظام “أستيليا” الخاصّ بهما، غير أنّ الأجهزة الأمنية لم تستشِر هيئة الشراء العام وفقاً لما نصّ عليه قانون الشراء العام، وذلك “لأسبابٍ أمنيةٍ” بحسب ما ذكرت وسائل الإعلام.
غالباً ما يعتمد مشغّلو الاتّصالات المحمولة نظام “أستيليا” باعتباره أداةً تسمح بالرصد المباشر وتحديد المشاكل وتغطّي شبكات الجيل الثاني والثالث والرابع، من شبكة الوصول اللاسلكي إلى العمود الفقري للشبكة، ويوفّر نظام “أستيليا” معلومات متعلّقة بالشبكة والمشتركين، ما يمكّن مشغّلي الاتصالات المحمولة من تحسين أداء الأعمال.
تُعتبر الحلول المتعلّقة برصد أداء الشبكة وجودة الخدمات مفيدةً للغاية لمشغّلي شبكات الهاتف المحمول الذين يسعون إلى الحفاظ على جودة خدماتهم، وتحسين الكفاءة التشغيلية، والمحافظة على قدرتهم التنافسية في قطاع الاتصالات. وتجدر الإشارة إلى أنّ أنظمة رصد أداء الشبكة تساعد المشغّلين على تطوير الشبكة وإجراء تحسيناتِ دقيقة للارتقاء بجودة الخدمات بشكلٍ عام للعملاء من خلال تحديد المناطق التي تعاني من احتقانِ أو ضعفِ الإرسال أو غيرهما من المشاكل. كذلك، تسمح تلك الأنظمة بكشف الأعطال وإصلاحها عند وقوع أيّ مشاكل في الشبكة لتقليص فترة انقطاع الخدمة والحدّ من تأثيرها على اتصالات العملاء.
يستخدم المشغّلون أيضاً نظام الرصد لضمان جودة الخدمات، إذ تساعد هذه الحلول المشغّلين على قياس مؤشرات الأداء الرئيسية وضمان استيفاء تلك المعايير أو تجاوزها في شبكاتهم – وتساعد أنظمة الرصد المشغّلين في إدارة تجربة المشتركين ووضع الخطط المتعلقة بالقدرة الاستيعابية.
تُجري الحكومة اللبنانية حالياً مناقشات مع الشركة الأم لنظام “أستيليا”، وهي الشركة الكندية “إكسفو” (EXFO) المعنيّة بـ”تطوير حلول الاختبار والرصد والتحليل في قطاع الاتصالات العالمية، وصاحبة خبرة تزيد عن 35 عاماً”. ولكنْ، تبرز مخاوف متعلّقة بالخصوصية والأمن لأسباب عدّة، ولا سيما أنّ هذه التطوّرات تُثبِت أنّ السلطات اللبنانية تزوّد الأجهزة الأمنية والعسكرية ببيانات الاتصالات الكاملة وتتيح لها الوصول إلى أداة الرصد المباشر لشبكة الاتصالات.
مخاوف متعلقة بالخصوصية والأمن
تعمل الأجهزة الأمنية الأربعة الكبرى في لبنان بالتوازي، وتتنافس أحياناً على التنصّت على المكالمات الهاتفية، في حين أنّ الوزارات اللبنانية متّهمة بارتكاب خروقات روتينية في ما يتعلّق بحماية البيانات الشخصية أو بإهمالها. الأسوأ من ذلك، هو أنّ النظام يتيح رصد شبكة الاتصالات للمشغّلين بجمع معلوماتٍ تسمح بكشف الهويّة وبيانات شخصية للحفاظ على جودة الخدمات.
وبالتالي، فإنّ وصول طرفٍ ثالث إلى هذا النظام من دون إذن أو من دون حماية الخصوصية يثير مخاوف مشروعة. فقد يؤدّي وصول الأجهزة الأمنية إلى نظام “أستيليا” وتعقُّب رقم أحد المستخدِمين مثلاً إلى انتهاكات للخصوصية، وإلى الرصد والتتبع، وارتكاب مضايقات تستهدف هذا المستخدم، والتسبّب بمخاطر أمنية، ولا سيما في حال لم يراعِ هذا الوصول القوانين والأحكام القضائية ذات الصلة والأذونات الممنوحة.
بالرغم من تلك المخاطر، لم يصدر في لبنان حتّى اليوم قانونٌ حول الخصوصية، بل يقتصر الأمر على قانونٍ عام يُعنى بالمعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي (81/2018) وقانونٍ آخر قديم حول التنصّت (140/1999). إضافةً إلى ذلك، صرّح مصدرٌ فضّل عدم الكشف عن هويته لـ”سمكس” بأنّ الأجهزة الأمنية اللبنانية تمتلك بالفعل نظام تنصّت يمكنها استخدامه، وأضاف: “هناك خلافات بين الأجهزة الأمنية الأربعة الكبرى حول الجهة التي ستتولّى إدارة النظام. لذا، فقد سلكت الطريق الأسهل وتوجّهت مباشرةً إلى شركتَيْ الهاتف الخليوي، ما يثير الكثير من التساؤلات في هذا الإطار. مثلاً، هل هذا الوصول إلى البيانات مأذون به بقرار قضائي؟”
ويتسبّب وصول الأجهزة الأمنية إلى أداة مدنية أو إساءة استخدامها لبيانات الاتّصالات والموقع بزعزعة الثقة في المؤسّسات الحكومية وبظهور مخاطر كبيرة متعلّقة بالخصوصية وحرية التعبير. وأضاف المصدر أنّ استخدام الأجهزة الأمنية للأدوات المدنية قد يعرقل سير العمل في قطاع الاتصالات، مؤكّداً أنّ ذلك مؤشّر سيّء.
فالسماح للجهات الأمنية بالوصول إلى النظام يُعطي الأولوية للشؤون الأمنية، ما يؤدّي إلى إرهاقه، إذ تقوم أربع جهات أمنية باستخدامه إلى جانب شركتَيْ الهاتف الخليوي. كذلك، فإنّ استخدام الأجهزة الأمنية لأداة رصد الشبكة المدنية قد يؤثّر على قطاع الاتصالات بأكمله ويُثني الشركات عن الاستثمار فيه؛ فلا أحد يريد شراء شركة اتصالات أو إدارتها عندما يضطر موظفوها إلى الانشغال بالمسائل الأمنية، أو عندما يُسمَح لممثلي الأجهزة الأمنية بالوصول إلى النظام.
علاوة على ذلك، ويمكن أن يتسبّب وصول الأجهزة الأمنية إلى النظام بانتهاك الخصوصية وحقوق الإنسان وقرينة البراءة، وتهديد حرية التعبير، وظهور حالات من القمع، وعليه، من الضروري تعزيز الشفافية في هذا السياق لتبرير الحفاظ على خدمة الاتصالات والأمن العام والحق الأساسي في الخصوصية.