كُتب هذا المقال بالتعاون مع “رصيف22” ونُشر أساساً على موقع “رصيف22”.
طوال مدة من الزمن، بقي أسعد (اسم مستعار) يرسل المال وبطاقات إعادة شحن الهاتف النقال لشخص يبتزّه بنشر صور حميمة له كان قد شاركها معه على فيسبوك. بقي أسعد حبيس غرفته خوفاً من “الفضيحة”، إلى أن قرّر أن يخبر أهله بالأمر، فما كان منهم إلّا أن ساعدوه على التخلّص من الشخص المبتزّ الذي تبيّن أنّه يسكن في الحي نفسه.
ولكن ما حصل مع أسعد لم يحصل مع كثيرين واجهوا الابتزاز وحدهم وانجرّوا خلف مطالب المبتزّين، حتّى وصل الأمر ببعضهم إلى الانتحار مثلما حصل في لبنان الذي شهد أكثر من 5 حالات انتحار بسبب الابتزاز الجنسي الرقمي في السنوات الثلاث الماضية بحسب معلومات غير رسمية.
كيف تتسلسل عملية الابتزاز؟
يبدأ الأمر مع وصول طلب إضافة من خلال شبكات التواصل من حساب يحمل صورة فتاة فاتنة على سبيل المثال. قد يستخدم الأشخاص المبتزّون حسابات حقيقية ومزيفة، ولكنّ عمليات ابتزاز كثيرة تحصل من حسابات وهمية كونها تخفي هوية المبتزّ خصوصاً إذا كان في موقع جغرافي قريب مثلما حصل مع أسعد. حتّى يمكن أن يبدأ ذلك عبر تطبيقات التعارف، كما أخبرنا أحد الأشخاص الملمّين بالتكنولوجيا، والذي ساعد رفقاء له في الحيّ بعد تعرّضهم لحالات ابتزاز.
بعد ذلك، ينتقل المبتزّون إلى إغراء الضحية، وصولاً إلى إيهام الشخص بإجراء محادثة فيديو حميمة عبر سكايب أو غيره، في الوقت الذي يكون الفيديو الذي يشاهدونه هو مقطع مسجّل. يكتشف الضحية فيما بعد أنّه وقع في فخّ شخص قد سجّل المحادثة ومن ثمّ أرسل رابطًا للتسجيل على يوتيوب مطالباً بالمال مقابل عدم نشر المقطع مع جميع لائحة أصدقاء الضحية على فيسبوك.
يقول الشخص الذي طلب عدم الكشف عن اسمه أنّ “الضحايا في بعض الأحيان يكشفون معلومات شخصية أكثر من مجرّد اسم حسابهم على فيسبوك، إذ قد يصل بهم الأمر إلى مشاركة أرقام هواتفهم مثلاً مع المبتزّين”.
استغلال العيب وقلّة الوعي
في تقرير لـ”بي بي سي”، يقول مبتزّ من المغرب إنّ “الجنس هو نقطة الضعف لدى العرب، ولذلك نبحث عن نقاط الضعف هذه ونستغلها”. ويشير إلى أنّ الابتزاز هو مهنة المئات من الشبان في منطقته وادي زم في المغرب إذ “يجني [المبتزّ الواحد] حوالى 500 دولار أميركي يومياً”.
يؤكّد أسعد هذا الأمر، يقول “التواصل الحميم عبر وسائل التواصل يُعتبر أسهل نسبياً، إذ من الصعب على مجتمعنا تقبّل هكذا علاقات خارج الأطر المتعارف عليها”.
وبالنسبة إلى “نقطة الضعف” هذه، يرى محمد نجم، المدير التنفيذي لمنظمة “سمكس”، في حديثه لـ”رصيف22″، أنّ “السبب يكمن في أنّ مجتمعنا لا يزال غير منفتح تجاه هذه المسائل ولا توجد فيه ثقافة جنسية سليمة”. أضف إلى ذلك أنّ “ثمّة حاجة كبيرة لنشر ثقافة الخصوصية والوعي لكيفية استخدام وسائل التواصل بشكل سليم”.
تجنّب الابتزاز الجنسي الرقمي ممكن
يمكن للمبتزّين أن ينتشروا على منصّات متنوعة، حتّى على “لينكدإن”. يقول سامي (اسم مستعار) من الإمارات لـ”رصيف22″ إنّه بينما كان يبحث عن فرصة عمل على موقع “لينكدإن”: “تحدّثت مع شخص ينتحل صفة أنثى لإجراء مقابلة عمل كما ادّعى، ثمّ أجرينا اتصال فيديو وانتقل الأمر للحديث عن أمور حميمة. بعد ذلك، أرسل لي مقطعاً مركّباً لي وهدّدني بنشره مع لائحة أصدقائي على لينكدإن وفيسبوك”.
يشير سامي إلى أنّه بعد ذلك أصبح يدقّق أكثر في الحسابات وأسمائها لأنّ المبتزّين “يترصّدون بكلّ من يبحث عن فرصة على الويب سواء كانت علاقة حميمة أو علاقة جنسية أو حتى فرصة عمل”. لذلك، ينصح كلّ من يستخدم وسائل التواصل أن يفكّر قبل كلّ شيء في طلبات الإضافة، وخصوصاً على فيسبوك.
يوافقه نجم من “سمكس”، وينصح المستخدم “بتجنّب إضافة أشخاص غير موثوق بهم أو لا تعرفهم. وفي حال أضفتهم، تأكّد من عدة أمور: هل صورة البروفايل المستخدمة واقعية؟ هل لدى الحساب لائحة أصدقاء، وهل لديه منشورات سابقة وذات معنى؟. بالإضافة إلى ذلك، قد يستخدم الحساب الوهمي طرقاً أخرى للإيقاع مثل روابط التصيّد التي توهم الضحية بأنّها روابط لصفحات معروفة بينما تكون روابط لسرقة كلمات السر أو تنزيل برمجيات خبيثة تخترق أجهزتك.
يضيف سامي “في حال وقعتم في مصيدة المبتزّ عليكم الهدوء والتفكير، ومن ثمّ تخطّي الأمر بروية”. يروي أنّه شعر بالارتباك بعد تعرّضه للحادثة: “استشرت أحد أصدقائي فقال لي بأن أتجاهله وأكتب على مختلف حساباتي على مواقع التواصل بأنّ ثمّة شخصاً يريد ابتزازي بفيديو مركّب لي، وإذا صادفتموه احظروه وبلّغوا عن حسابه، فقد يصل إليكم ليبتزّكم أنتم أيضاً”. كانت النتيجة أنّ أصدقاء سامي وعائلته عمدوا إلى حظر الحساب والتبليغ عن أيّ فيديو مشبوه يصلهم يحمل اسمه.
هذا ما فعله أيضاً خبير الكمبيوتر مع أصدقائه الذين لجأوا إليه: “لقد طلبت إغلاق حساباتهم على مواقع التواصل لفترة أسبوع تقريباً، وحظر الأرقام الغريبة التي تتصل بهم على الهاتف، بالإضافة إلى التبليغ عن أي فيديو مشبوه على يوتيوب وفيسبوك يحمل اسمهم”.