في 24 آب/أغسطس 2021، استيقظ المجتمع التقني في لبنان على خبر نشرته إحدى وسائل الإعلام يفيد بحصول “كارثة إلكترونية”، و”خسارة آلاف المواقع اللبنانيّة لمنظّمات وجامعات ومؤسّسات”. ويُقصد بذلك المواقع الإلكترونية بنطاقات (lb.)، التي تشير اختصاراً إلى النطاق الخاص بلبنان.
تعود المشكلة إلى أنّ المواقع الإلكترونية التي تنتهي نطاقاتها بـ(lb.) أصبحت مضطرّة إلى دفع بدل مادي للجهة التي تسجّل وتدير هذه النطاقات، وهي في هذه الحالة شركة “السجل اللبناني لأسماء النطاقات” (LBDR) التي يديرها نبيل بوخالد.
في السابق، كان تسجيل هذه النطاقات التي تنتهي بـ(lb.) يحصل مجّاناً، بما أنّ “الجامعة الأميركية في بيروت” كانت تستضيف وتدعم البنى التحتية لـ”السجل اللبناني لأسماء النطاقات” من دون أيّ مقابل. والآن، بعد خروج الجامعة من اللعبة، هل من خوف على نطاقات (lb.)؟
مَن يتحمّل المسؤولية؟
يشرح نبيل بوخالد، مؤسّس (LBDR)، في حديث مع “سمكس”، أنّ “الجامعة الأميركية في بيروت” “لم تكن هي التي تدير عملية تسجيل النطاقات، بل كانت تدعم البِنَى التحتية وتساهم لوجستياً ومالياً عبر السماح للموظفين في القسم الذي كنتُ أعمل فيه بتخصيص جزء من وقتهم للعمل على السجلّ”. ويضيف أنّه “منذ أن تركتُ عملي في الجامعة عام 2012 طلبت الجامعة منّا نقل السجلّ، فأنشأتُ جمعية ’المركز اللبناني للإنترنت‘ (LINC) كمنظمة شبه عامة وشبه خاصة تضمّ أصحاب المصلحة من القطاعين العام والخاص لتكون مسؤولة عن نطاقات المستوى الأعلى (.lb ccTLD و .لبنان)؛ ولكنّها لم تحصل على موافقة وزارة الداخلية اللبنانية، فبقيت الجامعة الأميركية تستضيف السجلّ حتّى عام 2020 حين صرفَتْ الموظّفين الاثنين اللذين كانا يشغّلان السجلّ (registry)”.
اشتكى بعض الذين تحدّثت إليهم “سمكس” من أنّهم لا يعرفون من هي شركة “السجل اللبناني لأسماء النطاقات” (LBDR) المسجّلة في ديلاوير، في الولايات المتحدة الأميركية والتي تدير النطاقات الخاصّة بلبنان. يردّ بوخالد أنّه أسّس “السجل اللبناني لأسماء النطاقات” (LBDR) كشركة لكي تتولّى مسؤولية سجلّ نطاقات (lb.) اللبنانية، وسجَّلَها في ديلاوير في الولايات المتحدة الأميركية “لأنّ القانون في هذه الولاية يحمي البيانات وكذلك لا يفرض ضريبة على سجلّات النطاقات، وذلك بعد عملية بحث عن المكان الأفضل في عدد من البلدان”، على ما يقول لـ”سمكس”.
لدى سؤال بوخالد عن عدم تسجيل الشركة في لبنان، يعيد الأمر إلى أسباب متراكمة دفعته إلى ذلك. على سبيل المثال، لم تحصل الجمعية التي أسّسها لإدارة سجلّ النطاقات على علم وخبر من وزارة الداخلية اللبنانية. وفي الفترة التي أعلنت فيها “الجامعة الأميركية في بيروت” عن عدم استقبال البنى التحتية لسجلّ النطاقات اللبنانية، ففي صيف عام 2020 كان لبنان يمرّ بأزمة اقتصادية كبيرة ولا يزال. “حالت هذه الأزمة دون تمكّننا من فتح أيّ حساب مصرفي جديد في البلد وحتّى من تحويل أيّ أموال إلى الخارج لدفع تكلفة التشغيل للسيرفر”، وفقاً لبوخالد الذي يؤكّد أنّه حصل شخصياً بموجب مرسوم حكومي على تفويض بالاستمرار بإدارة عمليات سجلّ نطاقات (lb.) اللبنانية في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2020 وذلك “بعد رفض عدّة جهات تولّي مسؤولية السجّل، من بينها هيئة أوجيرو”، كما يقول.
ملاحظة من المحرّر (2/9/2021): بعد نشر المقالة، نفى مصدر من “أوجيرو” أنّ الهيئة رفضت تولّي مسؤولية نطاقات (lb.)، مشيراً إلى أنّ “هيئة أوجيرو كانت تسعى لتولّي هذه المسؤولية ولم ترفضها بتاتاً”. وبدورنا، نوضح أنّ المقالة تهدف إلى تفسير ما يحصل في مسألة نطاقات (lb.) في الآونة الأخيرة، وليس الدخول في قضايا تحمل وجهات نظر متباينة.
ولكن، قد يشتمل التسجيل في الولايات المتّحدة على “تحدّيات قانونية”، وفقاً للمدير التنفيذي لمنظمة “سمكس” للحقوق الرقمية، محمد نجم.
يشرح نجم أنّ “خضوع الشركة لقوانين الولايات المتحدة يمكن أن يؤثّر على سبيل المثال على مسألة إزالة المحتوى أو تجميد النطاقات التي تعتبرها الدولة المضيفة تابعة لكيانات محظورة”. ومن ناحية أخرى، يبدي تفهّمه لما قامت به الشركة، “خصوصاً بعد قرار الجامعة الأميركية في بيروت، ونظراً إلى الأزمات التي تعتري البيئة الرقمية والخصوصية وحماية البيانات في لبنان”.
هل تتوقّف نطاقات (lb.) نهائياً؟
“لا خوف على النطاقات”، يقول بوخالد، فهي في النهاية “تشبه دليل الصفحات الصفراء، بحيث نضع النطاق على مئات السيرفرات الموزعة في العالم ليتمكن المتصفّحون من الوصول إليه”.
أمّا بالنسبة إلى النطاقات الحكومية (gov.lb.) فيوضح بوخالد أنّ “لا علاقة لنا بها، وأنّ المسؤول عنها هو ’مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية‘ (OMSAR) الذي يمتلك حق الوصول إلى نظامنا لتجديد النطاقات، والتحقق منها، بناءً على طلب الدولة”. من جهة ثانية، يشرح أنّ الجامعات والجمعيات “هي التي تدفع تكلفة تسجيل النطاق خاصتها، ولم تحصل أي مشكلة مع أيّ منها”.
وفيما يتعلّق بالمخاوف الأمنية، يكشف أنّ سيرفر النطاقات التابع لشركة “السجل اللبناني لأسماء النطاقات” (LBDR) “موجود في نيوزيلندا التي توفّر حماية أكبر للبيانات”، على حدّ قوله، موضحاً أنّ “استخدام سيرفر سحابي يوفّر الكثير من التكاليف التي تكون مجزّأة على المشتركين فيه”. ويشير كذلك إلى أنّ تقنية السحابة “توفّر مراكز بيانات مراكز بيانات منتشرة في أنحاء العالم، وهي تكلفة لا نستطيع تحمّلها لوحدنا كما لا يمكن إنشاء مركز بيانات في لبنان بسبب التكلفة المرتفعة وكذلك بسبب الأوضاع السيئة للبنى التحتية من كهرباء وإنترنت”.
بلبلة في إعادة تفعيل النطاقات
منذ تأسيس شركة “السجل اللبناني لأسماء النطاقات” (LBDR) في نهاية عام 2020، بدأت بإرسال رسائل وإشعارات لأصحاب نطاقات (lb.) في مطلع العام 2021 للبدء بعملية نقل إدارة النطاقات من الجامعة إلى جميع جهات الاتّصال المسؤولة عن النطاقات المسجّلة.
يكشف موقع الشركة أنّ مجموع النطاقات التي نُقلَت من وضع التشغيل القائم على السجل (registry)، إلى وضع التسجيل القائم على المسجِّل (registrar) بلغ 4552 نطاقاً حتّى شباط/فبراير 2021، منها 4314 نطاقاً نشطاً و380 نطاقاً جرى توقيفه ولكن يمكن إعادة تنشيطه عن طريق إعادة تجديد عملية التسجيل.
لا تحصل عملية تجديد تسجيل النطاقات هذه عن طريق “السجل اللبناني لأسماء النطاقات” (LBDR)، كما يوضح بوخالد، بل عن طريق “مسجِّلين” (registrars) محلّيين، هم “شركة أبو غزالة للملكية الفكرية”، و”آي دي إم” (IDM)، و”براكتيكال هوست” (PRACTICALHOST)، و”سوديتيل” (SODETEL)، و”تيرانت” (TERRANET).
ومع ذلك، لم تكن عملية تجديد النطاقات في السجلّ بهذه السهولة للبعض. يقول شكيب الجابري، المتخصّص في أمن المعلومات والذي كان سجّل عدداً من المواقع على نطاق (lb.)، في حديث مع”سمكس”، إنّه عثر في 30 أيار/مايو على رسالة من “السجل اللبناني لأسماء النطاقات” (LBDR) في صندوق “الرسائل غير المرغوب فيها” (spam) تخبره بأنّ لديه “حتّى 30 تموز/يوليو لإجراء عملية نقل النطاق من دون أن تتضمّن الرسالة أيّ شرح أو تفسير للأسباب”.
بعد ذلك، أخبر الجابري الأشخاص الذين كان سجّل لهم النطاقات، وعمل تجديد نطاقٍ واحد لا يزال على تواصلٍ مع صاحبه، قبل أن تصله رسالة تأكيد التجديد من “السجل اللبناني لأسماء النطاقات” (LBDR) في 30 حزيران/يونيو من هذا العام. ولكن فيما يتعلّق بالجهات التي تتقاضى ثمن تشغيل النطاقات، أي المسجِّلين (registrars)، “لم يكن أحد منها يردّ على رسائلنا عبر البريد الإلكتروني”، وفقاً للجابري. يشرح الأخير أنّه من بين الشركات التي تواصل معها، كانت شركة “طلال أبوغزالة” لتسجيل الملكية الفكرية وهي “الوحيدة التي ردّت على رسالتنا بسرعة”.
بعد معاناة في التواصل عبر الهاتف مع تلك الشركات، استطاع الجابري أخيراً التواصل مع شركة “سوديتيل” ودفع 40 دولاراً أميركياً (سعر الدولار في السوق السوداء حوالي 19 ألف ليرة لبنانية) وملأ الاستمارات المطلوبة من أجل استمرار عمل النطاق لمدّة سنة كاملة.
في هذا الإطار، يؤكّد بوخالد أنّ القيمة التي تتقاضاها شركته “السجل اللبناني لأسماء النطاقات” (LBDR) مقابل خدمات وضع نطاقات (lb.) في السجلّ وتشغيلها هي 20 دولاراً، “ونحن لا نتقاضى المبلغ من صاحب النطاق بل من المسجّلين الذين اخترنا أن يكونوا شركات مسجّلة في لبنان، وهم من يقوم بعملية التجديد للنطاقات ويحدّد كلّ منهم السعر الذي يناسبه”.
مهلة غير كافية؟
يقول ناجي القطب، الاستشاري في إدارة البيانات وتحليلها، والذي كان يدير شركة تعمل على تسجيل النطاقات، إنّ “الرسائل إلى جهات الاتّصال لم تكن كافية”. ويشرح في مقابلة مع “سمكس” أنّه “في الكثير من الأحيان كان من يسجّل النطاقات هو مسؤول تكنولوجيا المعلومات في الشركة، أو شركة تقدّم خدمات تسجيل النطاقات، وذلك قبل سنوات، وربّما يكون الشخص قد ترك الشركة منذ زمن أو أنّ مزوّد الخدمات قد أغلق أبوابه، أو حتّى لم يتواصل مع أصحاب الشأن بكلّ بساطة”.
يعتبر القطب أنّ المهلة الممنوحة لأصحاب النطاقات والتي تتراوح بين 30 و60 يوماً لم تكن كافية، مشيراً إلى أنّه واجه بعض الصعوبات في تبليغ المستخدمين بضرورة تجديد النطاقات. “في بعض الأحيان، قد تكون النطاقات مسجّلة قبل 15 أو 20 عاماً، وبالتالي سيكون من الصعب جداً العثور على جهة الاتّصال المناسبة للتواصل مع أصحاب النطاقات الذين كانوا يشترون نطاقات (lb.) لأنّ محرّكات البحث تعطي الأولوية لهذه النطاقات في لبنان”، يقول القطب، لافتاً إلى أنّ عدداً من أصحاب النطاقات أخبره بأنّه سيستغني عن نطاقات (lb.) بسبب البلبلة التي حصلت وتأثيرها على أعمالهم.
وفي ردّ على هذا الأمر، يقول بوخالد إنّ شركته بدأت بإرسال الإشعارات لأصحاب النطاقات فور بدء عملها بداية عام 2021. ويشرح أنّ دورة حياة النطاق مذكورة على موقع الشركة في قسم السياسات (Policies)، الملحق “سي” (Appendix C). (الشكل أدناه).
يشرح بوخالد لـ”سمكس” إنّه أسرع في العمل على نقل النطاقات وإشعار أصحاب النطاقات بضرورة التجديد، لأنّه كان يتوجّب عليه تأمين المال لنقل سجلّ النطاقات إلى سيرفر تدفع شركته تكلفة المشاركة فيه في الخارج، وإلّا كانت النطاقات ستتوقّف كليّاً عن العمل.
عند انتهاء المهلة المحدّدة بـ30 يوماً، يُمنَح صاحب النطاق 30 يوماً إضافياً، وإذا لم يتجاوب يدخل نطاقه في مرحلة “فكاك الرهن” (redemption) لـ30 يوماً آخر. بعد 60 يوماً يُجمّد النطاق، ولا يمكن إلّا لصاحب النطاق أن يجدّده، وذلك “عن طريق تقديم طلب باسم صاحب النطاق عبر المسجّلين كي لا نسمح لأي أحد بتجديد النطاق والادّعاء أنّه يمتلكه، في حين توقّع الشركات المسجّلة على وثيقة تفيد بأنّهت تجدّد النطاق لصاحبه الأصلي”، يقول بوخالد.
أمّا النطاقات المسجلة كـ”علامة فارقة” في وزارة الاقتصاد، وهي عملية تسجيل كانت مطلوبة قبل إقرار “قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي” 81/2018، فهي تبقى لمدّة 365 يوماً.
يُذكَر أنّ “قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي” فكان قد أقرّ في فصليه الثالث والرابع بأنّ “المجلس اللبناني للاعتماد” (COLIBAC)، المنشأ بموجب القانون رقم 572/2004، هو المسؤول عن “اعتماد مقدّمي خدمات المصادقة الذين يصدرون شهادات تمنح الكتابات والتواقيع الإلكترونية قرينة استيفاء الشروط”، وهو الذي “يحدد الشروط والموجبات في إجراءات الحماية التي يعرضها مقدّم خدمات المصادقة”.
ولكنّ هذا المجلس لا يزال “كياناً غير ناشط، وغير قادر على لعب الدور الذي تقوم به هيئات الاعتماد في أوروبا وجميع أنحاء العالم في مجال تقييم المطابقة. وغير قادر أيضاً على القيام بمهامه المحددة بموجب القوانين اللبنانية ذات الصلة المتعلقة بأنشطة هيئة الإعتماد الوطني أو تقييم المطابقة”، بسبب “التأخّر في تعيين مدير عام وموظفين للمجلس”، كما تقول وزارة الاقتصاد اللبنانية!
في كلّ مرّة تتخلّى الدولة عن مسؤولياتها، ويخضع القطاع الخاص لمنطق الضرورات، يقع المستخدمون ضحية هذه التباينات.