بدأت وزارة الاتصالات اللبنانيّة تطبيق خطواتٍ عملية لمكافحة ظاهرة “الإنترنت غير الشرعي”، عبر اجتماع عُقد في 9 تموز/يوليو الماضي مع ممثلي شركات مزوّدي خدمات الإنترنت المعروفة بالـ ISP. اللافت في الاجتماع كان حضور مستشار رئيس الجمهورية للدراسات، العميد زياد هيكل، ما يعكس اهتماماً رسمياً وأمنياً بالملف.
وقد علمت “سمكس” أنّ مسألة ضبط عمل شركات تزويد خدمات الإنترنت أتت بناءً على طلب الأجهزة الأمنية، لتكون المهمّة تم نقله إلى وزارة الاتصالات، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو هل تنجح الوزارة والجهات المعنيّة في تنظيم الفوضى التي يفرضها “ديوك الحيّ”، وهم أفرادٌ أو جهاتٌ محليّة تحتكر بشكلٍ غير قانوني إيصال خدمة الإنترنت إلى المواطنين؟
تسجيل المشتركين وملاحقة المخالفين
تستحوذ شركات الإنترنت الخاصة على نحو 60% من السوق، في ظلّ عجز هيئة “أوجيرو” عن تلبية الطلب المتزايد على الخدمة، وفشلها في الوصول إلى العديد من المناطق في لبنان.
وفي إطار الجهود الرسميّة لتنظيم قطاع الإنترنت في لبنان، أعلن مستشار رئيس الجمهورية للدراسات، العميد زياد هيكل، عن مسارٍ قانوني وإداري جديد يهدف إلى ضبط القطاع، والحدّ من الفوضى والفساد فيه.
في اتّصالٍ مع “سمكس”، يوضح هيكل أنّ “هناك مقاربةً أمنيّة وتقييمية وُضعت بالتنسيق مع وزارة الاتصالات، تشمل خطواتٍ تصحيحيّة تبدأ من ضبط بيانات المشتركين، وصولاً إلى تقييم قانونية الشركات العاملة في السوق، ومراقبة استخدام داتا المواطنين.
وكشف هيكل خلال الإجتماع الأخير الذي جمع الوزارة بممثلي شركات مزوّدي خدمات الإنترنت، عن إطلاق منصّة مخصصة لهذه الشركات، تُلزمها بتسجيل بيانات المشتركين لديها ضمن مهلة شهر. ومن المتوقع أن تُجرى زيارات ميدانية تدقيقيّة خلال الأشهر الثلاثة التي تلي انتهاء المهلة، للتأكد من دقة المعلومات.
“أيّ مزوّد لا يلتزم بإدخال معلوماتٍ دقيقة إلى المنصة ستُتّخذ بحقه التدابير القانونية، ومن لا ينقل خدماته عبر شبكة أوجيرو أو ناقلي خدمات الداتا (DSPs) سيواجه خطر إلغاء الترخيص”، ويتابع هيكل لـ”سمكس”، “نحن نحتاج إلى بعض الوقت قبل إعلان نتائج هذه الخطة للرأي العام، علماً أن عملنا لا يرتبط بإدارة وزارة الاتصالات، بل يتصل بشكلٍ مباشر بكل ما يخص الحماية الأمنية للمواطنين، وذلك بالتنسيق مع اللجنة الأمنية للاتصالات”.
لا يمكن للخطة أن تنجح دون تعاونٍ وتنسيق بين الوزارات المعنية، لاسيما الاقتصاد، المالية، والاتصالات، بحسب مستشار رئيس الجمهوريّة، وذلك لضمان تنفيذ خطة شاملة تُعيد للدولة سيطرتها على القطاعات الحيوية، وفي مقدمتها قطاع الإنترنت.
92 شركة مرخّصة
كشفت مصادر في وزارة الاتصالات لـ”سمكس” أنّ الوزارة بدأت العمل على خطة شاملة لضبط فوضى توزيع الإنترنت في لبنان، من خلال تفعيل أحكام المرسوم 9458، بالاستناد إلى القانون الإتصالات رقم 431، عبر إطلاق منصّة رقمية جديدة مخصصة لشركات تزويد خدمة الإنترنت.
وتهدف المنصّة بحسب المصادر إلى “تنظيم عملية توزيع الإنترنت، والتعرّف إلى المستخدمين الفعليين، والحد من التوزيع العشوائيّ الذي يُكبّد الدولة خسائر مالية كبيرة، إلى جانب حماية حقوق المستهلك”. وتمنح المنصة مهلة زمنيّة مدتها شهر واحد للشركات لتسجيل بيانات المشتركين ومزودي الخدمة، يعقبها فترة تدقيق ميداني تمتدّ لثلاثة أشهر للتحقق من دقة البيانات.
وبحسب الوزارة، فإنّ الشركات التي لا تلتزم بتسجيل المعلومات بدقة، أو لا تمرّر خدماتها عبر شبكة “أوجيرو” أو شركات نقل البيانات المرخّصة (DSPs)، ستواجه تدابير قانونية قد تصل إلى تعليق أو إلغاء الترخيص. وتعتمد الوزارة في هذه الخطوة على “مقاربة تقنيّة وقانونيّة متكاملة لضبط السوق، وضمان الشفافية والرقابة، ضمن خطة أوسع لمعالجة الهدر في أحد أكبر القطاعات المنتجة في لبنان”، وفق حديث وزارة الاتصالات مع “سمكس”.
يبلغ عدد الشركات المرخّصة حالياً 92 شركة، وفقاً لأرقام وزارة الإتصالات التي زوّدتنا بها، في حين يُقدّر عدد الموزّعين غير المرخّصين بالمئات، ما يفضح حجم الفوضى التي تحاول الوزارة احتواءها عبر هذه الآلية الجديدة.
ليس هذا كلّ شيء. تُبرز المعطيات حجم التحديات، إذ ذكر تقرير ديوان المحاسبة لعام 2021، أنّ عدد المشتركين في الشبكات غير الشرعية يتراوح بين 700 و800 ألف مشترك، أي ما يقارب 60% من مجمل السوق. وفي المقابل، لا يتعدّى عدد المشتركين في الشبكات القانونية 419 ألف مشترك، بينهم، 274 ألفاً لدى هيئة أوجيرو، و145 ألفاً لدى شركات الإنترنت.
من جهتها، تعتمد الشركات الخاصة على شراء خدماتها من “أوجيرو” وإعادة بيعها للمشتركين بالدولار النقدي. والسؤال هنا هو لماذا لا تُعطى الأولويّة لتعزيز الإنترنت الرسمي عبر “أوجيرو”؟ علمت “سمكس” من مصادر في وزارة الاتصالات أنّ الوزارة تعمل حالياً على تنفيذ خطة الوزير شارل الحاج على مدى السنوات الثلاث المقبلة، والتي تقوم على توسيع شبكة الألياف الضوئية (Fiber Optic)، “ما سيتيح لأوجيرو تقديم خدمات إنترنت عالية الجودة لعددٍ أكبر من المواطنين، وبالتالي تعزيز دورها كمزوّد وطني”.
وعن مدى تجاوب شركات الإنترنت الخاصة، تؤكّد الوزارة أنّ “بعض ممثلي الشركات عبّروا عن هواجس تقنية تتعلق بحماية البيانات وخصوصية المستخدمين، إلا أن الوزارة أكدت حفظ البيانات “بعهدة الأجهزة الأمنية”، في خطوة تطرح تساؤلاتٍ حول مدى الشفافية، والحماية القانونية للخصوصية الرقمية.
تلجأ بعض شركات الإنترنت إلى حيلٍ تسعيريّة تُكبّد المشتركين زيادة تصل إلى 25% على الفاتورة الشهرية، بحسب تقارير صحافية، وذلك لتغطية رسوم مستحقّة للمديرية العامة للاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات. في هذا السياق، أكّدت مصادر “سمكس” في الوزارة أنّ الخطة الجديدة “تهدف إلى ضمان جودة الخدمة، وأن الوزارة ستفرض التزاماتٍ واضحة على الشركات لتسديد الرسوم المتوجبة عليها بدل تحميلها للمشتركين”.
“نعمل بجدية على إنهاء ظاهرة التوزيع غير المنظم للإنترنت عبر المنصة الرقمية، ومن خلال تشريعات واضحة، وبالتنسيق الكامل مع الأجهزة الأمنية. هدفنا أن يحصل كل مواطن على خدمة إنترنت قانونية، بجودة وأسعار عادلة”. هكذا اختتمت الوزارة حديثها لـ”سمكس”.
بانتظار تشكيل الهيئة المنظمة لقطاع الإتصالات
حتى اليوم، لم تتشكّل الهيئة المنظّمة لقطاع الاتصالات، والتي حُصرت بها مجموعةٌ من المهام التي لا يجوز توكيل أيّ جهاتٍ أخرى بها.
يوضح المدير الإداري والقائم بإدارة أعمال الهيئة المنظمة لقطاع الإتصالات أمين مخيبر، في اتصال مع “سمكس”، أنّ الهدف من الاجتماعات التي حصلت كان أمنياً أولا، “وسيكون المحفّز الأول لشركات توزيع الإنترنت، التي ستوجّب عليها الإفصاح عن معلوماتها الرسمية عبر المنصة التي تم إنشاؤها، تحت طائلة الملاحقة القانونية”.
ويشدّد مخيبر على أهمّية أن تكون المعلومات التي تضاف إلى المنصة دقيقة وشفافة، باعتبار أنّنا “بلد معرّض للخرق ويمرّ بوضعٍ حساس، وعلينا معرفة المستخدمين، وكيفيّة توزّعهم في المناطق، ومزوّدي خدمات الإنترنت الذين يتعاملون معهم”. وبشأن هواجس شركات الإنترنت المتعلقة ببيانات المستخدمين، فإنّ “هذه المعلومات ستكون بعهدة الأجهزة الأمنية حصراً، وليس بإمكان أحدٍ في الوزارة أو الهيئة الوصول إلى هذه المعلومات”.
أما الهدف الثاني من الإجتماعات فهو تحسين إيرادات الدولة والجباية، ويلفت مخيبر هنا إلى أنّ “الهيئة تعمل على تصريف الأعمال إلى حين تعيين مجلس إدارتها في القريب العاجل. نحن ننتظر التعيينات لكي نمارس دورنا الفعلي بتطبيق قانون الإتصالات 431، ونقوم اليوم بدور مستشارين ومساعدين تقنيين بشكل غير مباشر للوزارات التي تعاقبت”.
صمت شركات الـISP
حاولت “سمكس” التواصل مع عددٍ من شركات تزويد خدمة الإنترنت ISP للحصول على تعليقٍ حول الموضوع، إلا أنّ الشركات فضّلت عدم الخوض في التفاصيل، كونها ما زالت في طور “التباحث القانوني مع محامي الشركات”.
ويبرّر أصحاب هذه الشركات تحفّظهم قائلين إنّ مسألة الكشف عن المستخدمين وتوزيع الشبكات تُثير قلقهم، نظراً لكونها تتعلق ببيانات شخصية للمواطنين.
يسأل عبد قطايا، مدير برنامج الإعلام ومشروع حوكمة الإنترنت مع “سمكس”، متى أصبحت بيانات المستخدمين الشخصية محطّ حرصٍ من قبل شركات مزوّدي الإنترنت؟ ولماذا هذه الحجة علماً أنّ الدولة هي التي تطلب هذه المعطيات؟”
ويتابع، لماذا تلجأ وزارة الاتصالات إلى حلّ أمني بحت بدلاً من الحلول التقنية؟ هل تتهرّب وزارة الاتصالات من مسؤولياتها في إيصال الإنترنت للسكّان، وتحسين البنى التحتية، وتعزيز دور المزوّد الرسمي “أوجيرو”؟
الصورة الرئيسية من AFP.