أعلنت “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد” في سوريا، يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي، أنّها تدرس منع المكالمات الصوتية على خدمات “واتساب” وغيرها من خدمات الاتصال الصوتي عبر بروتوكول الإنترنت (VoIP)، وذلك من أجل زيادة الإيرادات في قطاع الاتصالات، وفقاً لتقرير من صحيفة “الوطن” السورية.
تقول وزارة الاتصالات السورية إنّ إمكانية منع هذه الخدمات سببها الحاجة إلى زيادة إيرادات قطاع الاتصالات، غير أنّ هذا الحظر سيرتّب آثاراً سلبيةً حتماً. فالقرار سيشكل تهديداً مباشراً لحقوق السوريين في الخصوصية، ويؤدّي إلى زيادة الرقابة الذاتية، ويقلل من التدفق الآمن للمعلومات، كما يضع عبئاً اقتصادياً غير منصف على المواطنين.
يُتوقّع أن تحقق شركة الاتصالات السورية المملوكة للحكومة ربحاً يبلغ حوالي 100 مليون دولار (ما بين 4 إلى 5 مليارات ليرة سورية) سنوياً، بحسب صحيفة “الوطن”. ولكنّ إباء عويشق، مدير عام “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد”، اشتكى من أنّ خدمات نقل الصوت عبر بروتوكول الإنترنت “تقلل من عائد الاستثمار لشركات الاتصالات وتقلّل من حافزها للقيام باستثمارات جديدة لتحسين الشبكة وتقديم خدمات أفضل بسعر أقل”.
في الوقت الحالي، تحتكر سوق الاتصالات المتنقلة في سوريا شركتان، هما شركة “سيريتل” (SyriaTel) للاتصالات التي تستحوذ على الحصة الأكبر من السوق والتي يملكها رامي مخلوف، قريب الرئيس السوري بشار الأسد، وشركة “إم تي إن” (MTN) سوريا والتابعة لـ”مجموعة إم تي إن” (MTN Group) في جنوب أفريقيا.
تنتهك هذه السياسة في حال إقرارها حقوق المواطنين السوريين بالخصوصية وتزيد من عملية الرقابة الذاتية. وذلك لأنّ المكالمات الصوتية عبر شبكة الاتصالات التي تسيطر عليها الحكومة لا توفّر الحماية نفسها التي توفّرها خدمات “واتساب” وخدمات الاتصال الصوتي عبر بروتوكول الإنترنت الأخرى والتي تشفّر عملية الاتصال من الندّ للندّ (end-to-end encryption).
وبالتالي، يمكن للحكومة الاستماع بسهولة إلى المحادثات واستخراج البيانات والمعطيات الوصفية (meta data)، خصوصاً وأنّها تشتري وتستخدم أدوات مراقبة مختلفة للتجسّس. ولذلك فإنّ إجبار المواطنين على التخلّي عن مكالمات الصوت عبر بروتوكول الإنترنت يشكل تهديداً مباشراً للحق في الخصوصية.
علاوة على ذلك، تدفع هذه القرارات المواطنين إلى اعتماد بدائل جديدة مكلفة وخطيرة. ففي دولة الإمارات التي مَنعت خدمات الاتصال الصوتي عبر بروتوكول الإنترنت بزعم أنّها غير آمنة وقابلة للاختراق والتصيّد، سمحت الحكومة لشركتي الهاتف المحمول، “اتصالات” (Etisalat) و“دو” (Du)، بإطلاق خدمات خاصة بها للاتصال الصوتي عبر بروتوكول الإنترنت. لا تقتصر تكلفة هذه الخدمات على المال فحسب، بل إن حكومة الإمارات يمكنها بذلك أن تصل أيضاً إلى البيانات الوصفية ومعلومات الاتصال الخاصة بكلّ مستخدم بما يسهّل عملية المراقبة.
وفي سوريا، فقد تلجأ شركتا الاتصالات إلى طرح خدمات مماثلة في محاولة لزيادة الأرباح، ولكنّ هذه الخدمات قد تكون في الواقع أكثر عرضة للهجمات مثلها مثل الاتصالات العادية. كما سيضع القرار عبئاً اقتصادياً غير عادل على كاهل المواطنين السوريين الذين يدفعون بالفعل مقابل هذه الخدمات، وهو ما عبّر بعض السوريين عن غضبهم منه على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي حين أجبرت الحرب السورية نحو 5.6 ملايين مواطن سوري على النزوح من البلاد، فإنّ هذا القرار سيزيد من الضغط على أصدقاء هؤلاء وعائلاتهم بحيث لن يترك لهم أيّ خيار سوى إجراء مكالمات دولية باهظة الثمن.
بالإضافة إلى ذلك، يُرجّح أن يؤثّر هذا الحظر في سوريا سلباً على قدرة الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة على التواصل، خصوصاً وأنّ كثيراً منهم يعتمدون على ميزات الاتصال عبر الفيديو، وذلك مثلما حصل سابقاً في دولة الإمارات.
إذا قرّرت “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد” المُضيّ بهذا القرار، سيؤدي ذلك إلى تقييد الحق في الخصوصية وحرية التعبير. وسيبقى بمقدور المواطنين السوريون التحايل على هذا الحظر عن طريق استخدام تطبيقات “الشبكة الشخصية الافتراضية” (VPN)، ولكنّ أغلبها خدمات مكلفة، كما أنّ تطبيقات VPN المجانية غالباً ما تتتبّع وتسجّل عملية التصفّح وتمنح أطرافاً ثالثة إمكانية الوصول إلى بيانات المستخدم.
وفي الوقت الذي تحجب فيه قطر والإمارات خدمات الاتصال الصوتي عبر بروتوكول الإنترنت، فإنّ تبرير سوريا للبدء بعملي ةحجب مماثلة بسبب “زيادة الإيرادات” يشكّل سابقة خطيرة. وسبق أن منعت دول أخرى في المنطقة العربية، مثل لبنان والمغرب، خدمات الاتصال الصوتي عبر بروتوكول الإنترنت لفترات وجيزة في عامي 2010 و2016، ولكنّها سرعان ما أعرضت عن هذا الأمر.
يجب على “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد” السورية أن تتخلّى عن هذا الاقتراح وأن تبقي على خدمات الاتصال الصوتي عبر بروتوكول الإنترنت مفتوحة ومجانية للجميع.