أعلن وزير الاتصالات اللبناني شارل الحاج في 30 نيسان/أبريل خلال جولة في جنوب لبنان عن استعادة تغطية شبكة المحمول بنسبة 80%. وأشار إلى عودة خدمات “أوجيرو” للاتصالات الثابتة بنسبة 85%، وتشغيل 71 مركز اتصال من أصل 82. وأوضح أن خدمة المحمول عادت بنسبة 80% بعد تأهيل 86 محطة من أصل 109 في شركة “ألفا”، وبنسبة 90% في شركة “تاتش” بعد إصلاح 166 محطة إرسال من أصل 184.
ومع ذلك، لا يزال المواطنون في جنوب لبنان بعد ستة أشهر على وقف إطلاق النار جراء الحرب الإسرائيلية يعانون من مشاكل كبيرة على صعيد الاتصالات والإنترنت في عدد من القرى الحدودية التي تنعدم التغطية فيها تقريباً بسبب تعذّر إصلاح الأعطال جرّاء المخاطر الأمنية. وتمتد هذه المعاناة لتشمل قرى قضاء النبطية وإقليم التفاح، البعيدة نسبياً عن الحدود. ولا يقتصر الأمر على شبكات الهاتف والإنترنت الثابتة التابعة لهيئة “أوجيرو”، بل يشمل أيضاً رداءة خدمات الإنترنت الخاصة (الكيبل).
وقبل يومين، في الأربعاء 21 أيار، انقطعت خدمة الإنترنت الثابت (DSL) في مناطق عدة تشمل النبطية، وعربصاليم، والبيسارية، وجبشيت، وجباع، وكوثرية السياد، والدوير، والشرقية، والغسانية، مما “تسبّب بمشكلة لدى الطلاب والمؤسسات التجارية”، بحسب “الوكالة الوطنية للإعلام”. وطالب المشتركون وزير الاتصالات و”أوجيرو” بـ”معالجة المشكلة نظراً لحاجة طلاب المدارس والجامعات والمؤسسات المصرفية والتجارية إلى الإنترنت”.
تعيش الصحافية رنا جوني من منطقة النبطية معاناة مع شبكات الاتصالات والإنترنت، وتقول لـ”سمكس” إنّ “الأزمات ازدادت سوءاً بعد انتهاء الحرب، ممّا يؤثر على عملي ويكبّدني مبالغ طائلة ويجعلني أجري جولاتي الميدانية من دون تغطية اتصالات”. وأضافت أنّ “هذا التعتيم يحدّ من إمكانية التواصل لإتمام العمل أو في حال حدوث أيّ طارئ، وحتى لقديم رسائل على الهواء للوسيلة الإعلامية التي أعمل فيها”.
اضطرت جوني، المراسلة الميدانية، إلى استخدام شريحتي اتصال من شركتي “ألفا” و”تاتش” اللبنانيتين لتأمين تغطية أفضل، حيث تختلف قوة الشبكة بين الشركتين حسب المنطقة.
تضطرّ جوني إلى قصد مدينة صيدا لإتمام عملها وارسال المواد الصحفية الخاصة بها، وتتكبّد ثلاث فواتير وهي فاتورتا الاتصالات لشريحتي الاتصال المحمول وفاتورة إنترنت الشبكات الكيبل، ناهيك عن أنّ “حزم الانترنت التي تجددها بأقل الأوضاع مرتين في الشهر وهي من الأغلى في العالم”.
وزارة الاتّصالات اللبنانية: لا خطط واضحة
توجّهت “سمكس” بهذه الأسئلة وأكثر إلى وزارة الاتّصالات التي تعتبر نفسها حققت إنجازاً كبيراً على صعيد إصلاح الأعطال في الجنوب، ونقلت شكاوى المواطنين ومعاناتهم، ولكن لم تكن أجوبة المصدر في الوزارة والذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، مقنعة وعلى قدر الآمال.
يفيد المصدر بأنّ التحسن الملحوظ في مناطق الجنوب اللبناني تحقق بفضل الجهود المتكاملة لفرق “تاتش”، و”ألفا”، و”أوجيرو” على الرغم من التحديات. ويؤكّد لـ”سمكس” استمرار العمل والتحسينات التي ستنعكس تباعاً على جودة الخدمة في جميع المناطق اللبنانية، دون تحديد جدول زمني لذلك، كاشفاً عن عزم الوزارة نشر محطات إرسال بديلة متنقلة (Mobile Base Station) ومواقع LTE في المناطق الأكثر تضرراً.
إلا أن هذه الخطوات والإصلاحات التي يزعم المصدر القيام بها تتنافى مع واقع الأمر في الجنوب، فضلاً عن أن الوزارة لم تُقدّم أو تُعلن عن أي خطة عمل واضحة حول الآلية المُتبعة في التعامل مع تداعيات ما بعد الحرب على قطاع الاتصالات، وهذا ما يجعل من ضرورة حوكمة هذا القطاع وتحويل نشاطه من العشوائية إلى عمل مُنظّم ومدروس وفق منهجية واضحة أمراً في غاية الأهمية لتخطي التحديات التي تواجهه.
وغياب هذه الحوكمة جعل من عدّة فئات اجتماعية، ولاسيما تلك التي تحتاج إلى الإنترنت لإنجاز عملها، تدفع ثمناً كبيراً نتيجة فوضى القطاع غير القادر على تقديم أبسط الخدمات كما ينبغي.
وفي سياق متصل، وتحديداً حول العاملين في المجال الإعلامي والهيئات الإغاثية الذين يتطلّب عملهم توفّر الاتصال، والذين واجهوا خلال الحرب خطر الانقطاع عن العالم أو تعذّر القيام بمهامهم، يجيب المصدر إنّ وزارته تعمل على “مقترحات لتقديم حزم مخصّصة خلال الحالات الطارئة أو في الظروف العادية، وسنُعلن عنها فور جهوزيتها”.
في سياق متصل، وبالعودة إلى خطة وزارة الاتصالات التي وُضعت خلال الحرب في عهد الوزير السابق للاتصالات جوني القرم، لا يعلّق مصدر الوزارة على تقييم هذه الخطة، برغم إشارته إلى “أنّها لم تُنفذ بمعظمها”. ويرفض في حديثه مع “سمكس” الإجابة عن سؤال حول ما إذا كانت الوزارة ستعيد النظر في الخطة لمعالجة الثغرات، قائلاً: “لسنا بصدد الحكم على المرحلة السابقة أو تحميل أي طرف المسؤولية؛ ما يهّمنا اليوم هو تحقيق الجاهزية التقنية والميدانية لأي طارئ، وفي المقابل نبني خططنا على أساس أملنا بعدم تكرار الحرب”.
استجداء الاتّصال
يقول علي عميص، وهو من سكان النبطية ويعمل في مجال التحول الرقمي، إنّ صعوبات كبيرة لا تزال تواجه الاتصالات الخليوية والأرضية في جنوب لبنان بعد انتهاء الحرب الأخيرة، وذلك بسبب مشاكل في الشبكات والهوائيات وأجهزة الاتصال. ويضيف أنّ حديث وزير الاتصالات عن عودة الخدمة بنسبة 80% لا يلمسونه على أرض الواقع، إذ أنّ الخدمة لم تشهد تحسناً منذ انتهاء الحرب.
ويوضح عميص أنّ العاملين في مجال التكنولوجيا يعتمدون بشكل أساسي في عملهم على الإنترنت، وأنّ تردّي الخدمة يعيق أداء مهامهم، مما يضطرهم للجوء إلى بدائل متعددة. كما يشير إلى أنّ “المواطنين العاديين قد لا يلاحظون سوء الخدمة، بعكس العاملين في مجال التكنولوجيا الذين يحتاجون إلى سرعات إنترنت عالية”. يعرب عميص عن استيائه من دفع أربع فواتير شهرية لخدمات الاتصالات مع استمرار تردي جودة الخدمة، مطالباً وزارة الاتصالات بتحديث التجهيزات وإطلاق خدمة الألياف البصرية في الجنوب.
ومن بنت جبيل، تقول زينب سعد لـ”سمكس”، إنّها تصعد إلى سطح منزلها بحثاً عن شبكة، وتخشى انقطاع الاتصالات عند القصف الإسرائيلي. “خدمات أوجيرو لا تزال متوقفة، والسكان يشعرون بالعزلة وأنّ الحياة لم تعد إلى طبيعتها في الجنوب في حين يصعب التنقّل للبحث عن تغطية، بينما الفواتير مرتفعة مقابل خدمة غير مستخدمة، خاصةً الجيل الثالث”.
لماذا لم تركّب وزارة الاتصالات بعد المحطّات النقاّلة بعد 5 أشهر على انتهاء الحرب؟ وهل يعود ذلك إلى غياب الاعتمادات اللازمة لشراء المعدات؟ أم هناك مشاكل في الكوادر البشرية لكل من شركتي الخليوي، أو يعود إلى التجاذبات السياسية في كلا الشركتين؟ في جميع الأحوال، وزارة الاتصالات مطالبة بمزيد من العمل والشفافية سواء في معالجة آثار الحرب أم في الإعداد لخطط جديدة.
الصورة الرئيسية من حساب وزير الاتصالات على “إكس”، خلال جولته في جنوب لبنان.