شكّلت الجريمة التي وقعت في بيروت قبل نحو شهر، وراح ضحيتها عنصرٌ من حرس بلدية بيروت، مادة دسمة لتأجيج العنصرية تجاه اللاجئين/ات السوريين/ات في لبنان، والسبب المباشر الذي دفع نواباً عن مدينة بيروت في البرلمان إلى الإعلان عن تطبيق “تبليغ”.
في مؤتمرٍ صحافي عقده، أطلق النائب غسان حاصباني مبادرة “كل مواطن خفير” التي سوف تمكّن أيّ لبنانيّ من التبليغ عن مخالفات يرتكبها لاجئون سوريون/ات ذوو وجودٍ غير شرعي في بيروت، وذلك من خلال تطبيق “تبليغ”. آلية عمل التطبيق هي كالتالي: يأخذ المُبلّغ صورة للـ”مخالف” باستخدام الهاتف، ثمّ يختار نوع المخالفة من لائحة محددة، ويرسلها إلى مركزٍ يحوّلها بدوره إلى الجهات المختصة التي يقع على عاتقها “تطبيق القانون”.
حاصباني: التطبيق هدفه مساعدة الجهات الأمنية
تلى المؤتمر الصحافي موجة انتقاداتٍ اتهمت الواقفين وراء المبادرة بالعنصرية والعداوة للسوريين/ات. رداً عليها، قال عرّاب فكرة التطبيق وعضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب غسان حاصباني لـ”سمكس”، إن “الغاية الأساسية من “تبليغ” هي “مساعدة الجهات الأمنية في محاسبة المخالفين الأجانب واللبنانيين على حدٍّ سواء وملاحقتهم ضمن نطاق بيروت بالمرحلة الأولى، بحيث إنّنا نتلقّى يومياً مئات الاتصالات والشكاوى من أهالي المنطقة عن تجاوزات معيّنة تحدث خلف الأبواب الموصدة، وبطبيعة الحال يصعب علينا الاستجابة لكلّ تلك الرسائل في لحظتها ومتابعتها”.
وأضاف حاصباني: “سكبت حادثة حرس بيروت الزيت على النار، مع العلم أنّنا كنا أصلاً في صدد إطلاق التطبيق لأنّنا لاحظنا حاجة المجتمع اللبناني إليه، ولأننا ارتأينا أنّه الطريقة الأفضل لتخفيف حدّة الاحتقان بين اللبنانيين واللاجئين السوريين، بعيداً عن الشائعات والأفكار التي تسوّق لها المواقع الإخبارية اليسارية ذات التمويل الخارجي”.
سوف يتولّى مكتب حاصباني الشخصي مهمة استلام المعلومات المدخلة على التطبيق لفلترتها، وفقاً لما قاله لـ”سمكس”، وتحويلها إلى الجهة الأمنية المختصّة، مشيراً إلى أنّه “خلال الأسبوع الأول من إطلاق التطبيق تلقينا سلسلة شكاوى من أهالي دائرة بيروت الأولى، إلّا أن التطبيق تعرّض للقرصنة من قبل جهة نعرفها جيّداً، ونعمل حالياً على استرجاعه”.
في سياق كلامه، يعتبر حاصباني أنّ تطبيق “تبليغ” من شأنّه “ضبط العنصرية المتفشية في دائرة بيروت الأولى، وأشار إلى أنّ “فكرة التبليغ عن المخالف وتسليمه للجهات الأمنية التي تُبدي تعاونها”، فالتطبيق بحسب حاصباني “هدفه تجنب وقوع إشكالات والتبليغ عن المخالفات”.
ملاحقة قانونية في حال استعمال التطبيق
ينظر الحقوقيون إلى التطبيق على أنّه ثمرة “عقيدة متطرّفة” لطالما لجأت إليها الأحزاب منذ الحرب الأهلية اللبنانية.
يرى وديع الأسمر، رئيس “المركز اللبناني لحقوق الإنسان” (CLDH)، وهو منظمة لبنانية محلية غير ربحية وغير حزبية لحقوق الإنسان مقرها بيروت، في حديثه لـ”سمكس”، أنّ تطبيق “تبليغ” ليس إلّا “دليلاً إضافياً ومؤكّداً على إفلاس الدولة واللبنانيّة حكومةً وأحزاباً”، معتبراً أنّ “رؤساء الأحزاب وممثليهم يحاولون استعراض قواهم على حساب الطبقة المجتمعية الأضعف لغايات شعبوية وسياسية لا تمت للإنسانية بصلة، كما أنّها تغذّي العنصرية في مجتمعنا المشرذم أساساً، وتُحرّض المواطنين على بعضهم، وتحثهم على انتهاك خصوصيات الآخرين وتشويه صورتهم”.
ويضيف: “في النصوص القانونية والمقابلات التلفزيونية، نسمع أنّ كل فرد في المجتمع مهما كان عرقه، لونه، اختلافه أو جنسيته، له الحق في المعاملة الحسنة والعيش الكريم بالحدّ الأدنى. وهذا أساس ما تنصّ عليه الاتفاقية العامة للأمم المتحدة التي تُلزم بموجبها البلدان المضيفة للاجئين أو النازحين بتقديم المعونة والدعم اللازم لهم ضمن أطر معيّنة وافقت عليها تلك الدول طواعية”. ومع ذلك، يأسف الأسمر “لوجود سيناريو (لا إنساني) مغاير على أرض واقع، يتحدّث عن ملاحقة وتجريم وتغريم النازح بسبب ودون سبب لمجرّد كونه سورياً، أيّ نتيجة خلفيات أيديولوجية ترسخت أكثر خلال الحرب الأهلية وفترة الاحتلال السوري، ويبدو أنّ البعض لم يخرج منها بعد”.
ووفقاً للقانون اللبناني، بحسب الأسمر، ليس من واجب أيّ مواطن أن يقوم بعمل “الخفير”، لأن هذه المهام تُسند إليه في حالات معيّنة كالطوارئ والحاجة إلى طلب المساعدة والنجدة، وكلّ ما هو غير ذلك يُعتبر وشاية”.
“في حال نُفّذت فكرة التطبيق التي لا تزال نظرية، سوف نتحرّك كجهات حقوقيّة قضائياً، وسنتقدّم بشكوى لدى قاضي الأمور المستعجلة لملاحقة أيّ شخص يخزّن بيانات الآخرين عن سابق إصرار، وسنقدّم المساعدة القانونية للمتضرّرين، كما سنلاحق القيّمين على التطبيق وكلّ مَن يثبت تورطه في لبنان أو الخارج بما أنّه سيُشكل انتهاكاً للقيم والإنسانية”، يضيف الأسمر.
ثغرات قانونية عديدة تشوب التطبيق
عدا عن التحفظات التي تحوم حول المبادرة لناحية انتهاكها حقوق الإنسان واتخاذها طابعاً عنصرياً يزدري القيم الإنسانية وحقّ كل فردٍ بالحصول على معاملة أخلاقية، استطاع قانونيون/ات وحقوقيون/ات رصد جملة من المخالفات القانونية التي ينطوي عليها التطبيق.
في هذا السياق، ترى محلّلة القانون والسياسات في منظمة “سمكس” نجاح عيتاني، أنّ التطبيق من حيث المبدأ يمثّل أداة تبليغٍ عن المخالفات، ويقول صانعوه إنّه يهدف إلى تعزيز الأمن ومكافحة مظاهر خرق القوانين، إلا أنّ حصر الجهات المستهدفة باللاجئين/ات السوريين/ات من شأنه أن يعزّز العنصرية والتعسف في استخدام هذا الحق.
“في حال كان المبلغ مجهول الهوية أو تقدم ببلاغٍ كاذب أو افترى على أحدهم/ن، فمن يمكنه ملاحقته؟ تبقى الجدوى من التطبيق غير واضحة، فما هو المعيار الذي يسمح للمُبلّغ تمييز اللاجئين السوريين/ات من المواطنين/ات اللبنانيين/ات مثلاً؟ تتساءل عيتاني.
وعن الشوائب القانونية للتطبيق، تؤكّد عيتاني أن التقاط صورة لأيّ شخص، ولا سيما إذا كان يعمل في مكانٍ خاص أو عام، دون إذنٍ منه، هو انتهاك للخصوصية، ويضاف إلى ذلك أنّ الإطار القانوني في لبنان لحماية البيانات ذات الطابع الشخصي غير كافٍ للتأكد من أن البيانات الشخصية تُجمع وتُعالج وتُخزن وفق أفضل المعايير المتبعة في مجال حماية البيانات ذات الطابع الشخصي.
وعلى الرغم من أنّ جوهر وظيفة النائب هو تمثيل الشعب اللبناني، بحسب عيتاني، إلا أنّهم لا يُعتبرون جزءاً من الدولة ولا يملكون لا الصفة ولا المصلحة لاتخاذ تدابير لحماية الأمن مثلاً، وبالتالي لا قيمة رسمية مضافة لصفة النائب أو الحزب، ولا يتعدّى التطبيق كونه مبادرة شخصية فردية. بالاضافة إلى ذلك، فإنّ أيّ شخصٍ يتعرّض للأذى بسبب هذا التطبيق يمكنه ملاحقة النائب الذي أطلقه الذي يتحمّل مسؤولية شخصية جزائية تجاه ذلك.
تختتم عيتاني قولها بالإشارة إلى أنّ التطبيق ليس متاحاً على متاجر التطبيقات الموثوقة حتى الساعة، وبالتالي، نحن لا نمتلك المعلومات الكافية لفهم تفاصيل التطبيق وكيفية معالجته للبيانات.
على الرغم من أن التطبيق أزيل من متاجر التطبيقات “غوغل بلاي” و”آبل ستور”، إلا أنّ المشكلة الحقيقية لا تكمن في التطبيق نفسه، بل بوجود ذهنيّة “كلّ مواطن خفير” نفسها، التي تغذّي المشاحنات المتصاعدة بين المواطنين اللبنانيين/ات واللاجئين السوريين/ات، من خلال مبادرات يطلقها أشخاص ذوو صفات رسمية وحضورٍ في البرلمان تعطي انطباعاً خادعاً بشرعية هذه الانتهاكات بدلاً من التركيز على إيجاد حلولٍ من قبل الدولة لا المواطن.
الصورة الرئيسية من أ ف ب.