طالبت 73 منظمة من جمعيات المجتمع المدني، من بينها “سمكس”، شركة “ميتا” بالتراجع عن قرارها الذي يقضي بإزالة المحتوى الإلكتروني الذي يتضمّن كلمة “صهيوني” باعتبارها تمثّل شكلاً من أشكال خطاب الكراهية، كما أطلقت “أكشن نتوورك” (Action Network) عريضة مفتوحة تطالب فيها “ميتا” بالتوقف عن حرمان الفلسطينيين/ات من حقهم/ن بـ”تسمية الأيديولوجية السياسية التي تؤثر على بقائهم دون خوفٍ من الانتقام”، في إشارة إلى مصطلح “الصهيونية”.
البيان عبّر عن قلق هذه المنظمات بشأن قرار “ميتا” الذي يقضي أيضاً باحتمال معاملة مصطلح “صهيوني” معاملة مصطلحي “يهودي” و”إسرائيلي”، ما يشكّل انحرافاً لغوياً وثقافياً واضحاً سينتج عنه قمعٌ كبير لحرية التعبير وفرض قيودٍ صارمة على الخطاب والنقاش السياسي المطلوب والمحمي دولياً، وسيمنع ملايين المستخدمين/ات من مشاركة أفكارهم/ن وآرائهم حيال القضية الفلسطينية لأسبابٍ غير موجبة وبعيدة عن المنطق.
تصرّ “ميتا”، المالكة لمنصتي “إنستغرام و”فيسبوك”، على دمج مصطلحاتٍ تملك معانٍ ودلالات مختلفة، إذ بخلاف صفة “يهودي” التي تُطلق على معتنق الديانة اليهودية، وصفة “إسرائيلي” التي تُطلق على حاملي جواز السفر الإسرائيلي، لكلمة “صهيوني” دلالة سياسية وأيديولوجية، وتالياً، فإن الخلط ما بين الدين والسياسة بذريعة مكافحة خطاب الكراهية يفتح أبواباً لمزيدٍ من القمع والانتهاك بحقّ حريات المستخدمين/ات.
في هذا الصدد، يقول محلّل السياسات في “سمكس” ميتيهان دورماز إنّه “لا بدّ من فهم القيمة العاطفية والسياسية للكلمات التي توظّف في سياق وصف شخصٍ أو جماعة معينة، فمعظم الكلمات المستخدمة في خطابات الكراهية تترك آثاراً عاطفية تاريخية ضارة، وتُستخدم لأهداف محددة”.
“إنّ مصطلحاتٍ مثل ‘صهيوني’ لا تؤدّي معنى مهيناً أو ضاراً بحدّ ذاتها، وتُستعمل كتوصيفٍ لشخص أو جماعة في بيئةٍ يسودها جدلٌ جيوسياسي وسياسي على حدٍّ سواء، وليست هذه المرة الأولى التي تحاول فيها “ميتا” حماية هذا الفكر المتطرّف الذي لا يمثل أفكار جميع المجتمع اليهودي. قبل اتخاذ مثل هذه القرارات، لا بدّ لـ’ميتا’ من مناقشة قراراتها بوضوحٍ مع المجتمع المدني، إذ لا يُظهر الواقع الذي نشهده اليوم أنّها فعلت ذلك حقاً”.
في حال طُبّق القرار، يُتوقع أن تُزال منشورات وتُعلّق حسابات على خلفية اتهام أصحابها بمعاداة السامية والتطرّف، وبناء حواجز تخنق الانتقادات والاختلاف وتعيق المستخدمين من التواصل.
من جهته، يقول المدير التنفيذ لمنظّمة “سمكس” محمد نجم إنّ “وضع مصطلح الصهيونية أو صهيوني ضمن الحماية المتبعة يفتح الباب أمام المزيد من طلبات الحماية من قبل الأيديولوجيات السياسية المختلفة. فلماذا لا نمنع أيضاً انتقاد الاشتراكية أو الرأسمالية أو ربما الاسلام السياسي؟”
“هذه الخطوة، إن اتخذت، ستؤسس لحجب كبير لحرية التعبير في منطقتنا والعالم”، يضيف نجم، مشيراً إلى أنّ “ما يحصل الآن من حملات مناصرة من مئات المنظمات والحقوقيين في العالم هو خطوة أساسية لوقف هذا المشروع القديم والمتجدد، خصوصاً من مؤسسات يهودية تقدمية تقف ضد هذا المشروع”.
ليست المرة الأولى
كانت “ميتا” تجري تقييماً لشروط اعتبار كلمة “صهيوني” بمثابة خطاب كراهية عقب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي بدأ في تشرين الأول/أكتوبر 2023، وأشار متحدّثٌ باسم “ميتا” في تصريحاتٍ صحافية إلى أنّه “وبالنظر إلى تزايد الخطاب العام المستقطب بسبب الأحداث في الشرق الأوسط، نعتقد أنه من المهم تقييم توجيهاتنا لمراجعة المنشورات التي تستخدم مصطلح صهيوني”.
يحفل تاريخُ “ميتا” بالأخطاء وسوء التقدير في ما يخصّ الإشراف على المحتوى المتعلّق بفلسطين، فعلى سبيل المثال، تُظهر أداة “واتساب” للملصقات التي تملكها “ميتا”، والتي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، أطفالاً يحملون بنادق عندما يُطلب منها إنشاء ملصقٍ يمثل أطفالاً فلسطينيين.
كما تحظر الشركة وتعلق حساباتٍ واسعة الانتشار وتنقل الأخبار من داخل غزة، كما سبق وحظرت بالفعل كلماتٍ مثل “الأقصى”، وربطت مصطلح “الحمد لله” بخطابٍ إرهابي، وذلك تطبيقاً لسياسة “الأفراد الخطرين والمنظمات الخطرة”.
في تشرين الأول/أكتوبر 2021، نشر موقع “ذا إنترسبت” (The Intercept) تقريراً كشف عن خوارزميات “فيسبوك” التي تحجب أوتوماتيكياً المنشورات التي تحتوي على كلماتٍ محددة مثل “شهيد” و”قسّام” و”مقاومة” و”عياش” (في إشارة إلى الشهيد يحيى عياش).
ما زالت “ميتا” مصرّةً على انتهاج الأساليب نفسها على الرغم من الانتهاكات الكبيرة التي تسببت بها من خلال قراراتها بشأن الإشراف على المحتوى، وذلك باعتراف مجلس الرقابة في “ميتا”، الذي قال في آذار/مارس 2023 إنه “سيعيد النظر في نهج التعامل مع كلمة “شهيد” باللغة العربيّة، إذ تسبّبت بعمليات إزالة للمحتوى على منصاتها أكثر من أيّ كلمة أو عبارة منفردة أخرى”. كما أكّد رئيس المجلس توماس هيوز إنّ “هذه مسألة معقدة تؤثر على كيفية تعبير ملايين الأشخاص عن أنفسهم عبر الإنترنت وما إذا كانت المجتمعات المسلمة والمتحدثة بالعربية تخضع لتحكم مفرط في محتواها بسبب ممارسات ميتا الإشرافية”.
وكان من المُنتظر أن يُصدر مجلس الرقابة قراراً حول كيفية التعامل مع كلمة “شهيد” بناءً على مقاربة جديدة تراعي الجانب الحقوقي للمستخدمين/ات في أيلول/سبتمبر 2023، إلا أنّها لم تفعل.
علاوة على ذلك، خلُص تقرير أصدره المجلس في كانون الأول/ديسمبر الماضي إلى “ميتا” انتهكت قواعدها الخاصة بإدارة المحتوى عبر إزالة منشورين حول الحرب في غزة من وسائل التواصل في أكتوبر/ تشرين الأول، أظهر أحدهما آثار غارة جوية وقعت بالقرب من مستشفى الشفاء بقطاع غزة بما في ذلك أطفال يبدو أنهم جرحى أو شهداء.
لماذا إذاً تستمرّ “ميتا” باتخاذ خطوات مماثلة تعبّد الطريق أمام المزيد من التطرف وكمّ الأفواه؟
في تقرير أصدرته “ھیومن رایتس ووتش” في كانون الأول/ديسمبر الماضي، وثقت المنظمة أكثر من 1,050 عملية إزالة وحجب لمحتوى في “إنستغرام” و”فیسبوك” نشره فلسطینیون/ات وداعمون/ات لھم بين تشرین الأول/أكتوبر وتشرین الثاني/نوفمبر 2023، تشمل محتوى یتعلق بانتھاكات حقوق الإنسان. من بین الـ 1,050 حالة التي تمت مراجعتھا في ھذا التقریر، كانت 1,049 تتعلق بمحتوى سلمي داعم فلسطین تم حظره أو حجبه بشكل غیر مبرر، في حین تضمنت حالة واحدة إزالة محتوى داعم لـ”إسرائيل”.
في مئات الحالات الموثقة، اعتمدت “ميتا” على سياسة التعامل مع لائحة “الأفراد الخطرين والمنظمات الخطرة”، التي تضم بشكل كامل قوائم “المنظمات الإرهابية” التي حددتها الولايات المتحدة، واستندت إليها وطبقتها بشكل شامل لتقييد التعبير المشروع.
“ميتا” تنتهك المعايير التي تعهّدت بالالتزام بها
بصفتها شركة تدّعي الالتزام بشرعات حقوق الإنسان ومبادئ الاتفاقية العالمية للأمم المتحدة وتتبنّى قيم الاتحاد الأوروبي، لذلك، يُتوقّع من “ميتا” مراعاة شروط تأمين وتعزيز بيئة مفتوحة وشاملة عبر الإنترنت.
تشكّل حرية التعبير واحدة من أهم أركان القيم الديمقراطية، وهي محميّة بموجب الاتفاقيات الدولية ومدمجة في التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة التي تتّخذ منها “ميتا” مقراً لها، وعلى الرغم من أنّ التعديل الأول لا يُعتبر ملزماً للشركات الخاصة، إلا أن “ميتا” قررت طوعاً التزامها بمبادئ واسعة لحقوق الإنسان.
يُسلّط الاتحاد الأوروبي، بشكلٍ خاص، الضوء على ضرورة حماية حرية التعبير، ليس على صعيد الدول حصراً، بل على الكيانات الخاصة التي تعمل ضمن نطاق سلطته أيضاً، ومنها “ميتا”. وعليه، تثير التقارير حول المبالغة في الإشراف على المحتوى العربي والنقاشات حول القضية والواقع الفلسطينيين تساؤلاتٍ حول مدى التزام “ميتا” الفعلي بالمبادئ التي تدعي الالتزام بها.
وسبق وأكّد مجلس حقوق الإنسان في قراره بشأن تعزيز وحماية حقوق الإنسان على الإنترنت “أنّ نفس الحقوق التي يتمتع بها الأشخاص خارج الإنترنت يجب أن تحظى بالحماية أيضاً على الإنترنت، ولا سيما حرية التعبير”، الأمر الذي يتناقض تماماً مع الواقع الرقمي الذي نشهده اليوم.
ازدواجيّة في تطبيق السياسات
تشكّل سياسات الإشراف على المحتوى التي تتبعها “ميتا” وتحيزها انتهاكاً لحقوق الفلسطينيين الإنسانية، إذ يخضع خطابهم لمراقبة شديدة تؤدّي بدورها إلى رقابةٍ ورقابة ذاتية في الوقت نفسه. وتستخدم “ميتا” نظاماً مخصصاً لتقدير مدى حدّة الإساءة التي قد يتضمّنها أيّ محتوى، فمنذ 7 تشرينَ الأول/أكتوبر، ضبطت الشركة خوارزمياتها بشكل يضمن الاختفاء التلقائي لأي تعليقاتٍ للمستخدمين الموجودين في فلسطين، والذين تُظهر منشوارتهم احتمالاً بنسبة 25% على الأقل بأنّها تتضمّن خطاباً عدائياً ينتهك المعايير. إلا أنّ النسبةَ هي 80% لباقي المستخدمين حول العالم.
في تقرير “هاشتاغ فلسطين 2023” الذي نشره مركز “حملة” الذي يُعنى بمتابعة قضايا الحقوق الرقمية الفلسطينية في 17 كانون الثاني/يناير 2024، والذي اعتمد على قاعدة بيانات “المرصد الفلسطيني لانتهاكات الحقوق الرقمية”، جرى توثيق 4400 حالة انتهاك تنوعت ما بين إزالة وتقييد محتوى واختراق الحسابات، وصولا إلى خطابات الكراهية والعنف والتحريض. وأظهر التقرير أن 69% من هذه الحالات وُثّقت بعد تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، أي بعد بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
اللافت في الأمر هو أنّ التقرير رصد ما يقارب ثلاثة ملايين محتوى عنف وكراهية وتحريض كانت كلّها باللغة العبرية وموجهة ضد الفلسطينيين/ات، ولم تجرِ إزالتها أو تعليق حسابات أصحابها.
بحسب دورماز، يعدّ غياب مشرفين ناطقين بالعبرية عاملاً يزيد من حدّة هذا الواقع، خاصة مع كونه مترافقاً مع وجود مشرفين غير مدركين للفروقات بين اللهجات العربية المختلفة، ولا يتعارض ذلك مع كون المشكلة الأساسية كامنة في سياسات “ميتا” نفسها.
في لائحتها وسياستها المتعلقة بـ”الأفراد الخطرين والمنظمات الخطرة” تعترف “ميتا” بصراحة بتبنّيها مواقف الولايات المتحدة السياسية، ومن خلال تصريح بهذا الوضوح، يؤكّد كونور، يمكن لنا أن ندرك السبب وراء التضييق أو إزالة المحتوى العربي بشكل أكبر مقارنة بلغاتٍ أخرى.
“معظم القائمة التي سُربت في السنوات السابقة تتألف من أفراد ومنظمات تصنّفها الولايات المتحدة على أنّها عدوانية أو خطرة، كما أنّنا نشهد في الوقت الحالي، سياسةً أميركية تضرب حقوق الإنسان بعرض الحائط وتدعم مظاهر الإبادة التي تمارسها ‘إسرائيل’، وهو ما ينعكس أيضاً على كيفية إدارة ‘ميتا’ لمحتواها”، يضيف دورماز.
في أيلول/سبتمبر 2022، أظهر تقرير مستقل أن “ميتا” بالغت في تطبيق سياساتِ الإشراف على المحتوى العربي، إلا أنّها تساهلت مع المحتوى العبريّ في الوقت عينه.
تعاون فوق وتحت الطاولة
في كانون الثاني/يناير الماضي، اتهمت باحثة بيانات موظّفة في مركز “ميتا” بنيويورك الشركة بتقييد المحتوى الذي يتناول ما يحدث في غزة من خلال تشديد سياسات وأنظمة الإشراف على المحتوى عندما يتعلق الأمر بدعم الموقف الفلسطيني. وقالت في مقطع فيديو نشرته على وسائل التواصل إنّها جمعت في نصف يوم نحو 450 توقيعاً من زملائها العاملين لدعم رسالة نشرتها وتقول فيها إنّ الشركة تقمع أصوات الموظفين الفلسطينيين/ات، إلا أنّ الشركة “حذفت الرسالة بسرعة” من منتداها الداخلي، ومنعتها من الوصول إلى أنظمتها الداخلية وأخبرتها أنها تحت التحقيق.
في 17 تشرين الأول/أكتوبر، تسبّبت غارة جوية إسرائيلية استهدفت مستشفى الأهلي في غزة باستشهاد أكثر من 500 ضحيّة، بينهم/ن أطباء/ات وموظفون/ات في المستشفى وأغلبيّتهم من المدنيّين/ات، وأصرّت حينها كل من “إنستغرام” و”فيسبوك” على إزالة المقاطع التي توثّق المجزرة، مدّعية أنها تتضمّن لقطات “عري ونشاطٍ جنسي”، ويعني هذا أن “ميتا” لا تطبّق سياسة “المحتوى الذي يتميز بأهمية إخبارية” التي تتبنّاها، والتي تسمح أحياناً بنشر محتوى قد ينتهك معايير المجتمع الخاصة بها.
في شباط/فبراير 2023، كلّف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزير “الأمن القومي” إيتمار بن غفير بتشكيل فريق خاص لمكافحة التحريض على تنفيذ هجمات على مواقع التواصل الاجتماعي الفلسطينية، وقال حينها إنّ بن غفير سيحصل على تعزيزات من المحققين والشرطة وذلك بالتنسيق الكامل مع “وزارة العدل” وبمشاركة مسؤولين من جهاز الأمن العام “الشاباك” والجيش والهيئة الوطنية للأمن السيبراني.
ويتكوّن الفريق من ثلاث مجموعات، الأولى مسؤولة عن فتح التحقيق وتقديم المتهمين للمحاكمة، وتتولى الثانية جمع ومراقبة المحتوى التحريضي على شبكات التواصل الفلسطينية، فيما توصي الثالثة بالأدوات القانونية للتعامل مع التحريض عبر الإنترنت. فأين “ميتا” من كلّ هذه القرارات التي تُطبّق في مساحاتها التي تدّعي الشركة هندستها بما يراعي حقوق المستخدمين/ات ويشجّعهم على الانخراط في فضاءاتٍ حرّة ومفتوحة؟
أمّا في 15 أيار/مايو 2021، وبالتزامن مع اشتداد حدّة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، اجتمع “وزير الدفاع” الإسرائيلي بيني غانتس بممثّلين عن “فيسبوك” و”تيكتوك”، قبل أن تعمد “فيسبوك” إلى الاجتماع بممثّلين عن السلطة الفلسطينية، بعد تسريب أخبار اجتماع الشركة مع الجهة الإسرائيلية ممّا تسبّب بإحراجها لكي تجتمع مع الجانب الفلسطيني. ووفي أواخر الشهر نفسه، أعلنت “فيسبوك” عن إنشاء فريق خاص يتابع على مدار الساعة على التساؤلات الخاصة بالمحتوى الذي يتناول “الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”، قبل أن تعتذر المنصّة لرئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتيه في نهاية الشهر نفسه، بسبب “شكاوى حول حجبها
منشورات فلسطينية تناولت الصراع مع إسرائيل”.
خلال عمليات التهجير القسري التي نفذتها إسرائيل للعائلات الفلسطينية في القدس في عام 2021، شهدنا رقابةً واسعة النطاق على الفلسطينيين ومحتواهم عبر منصات “ميتا”، المعروفة آنذاك بـ”فيسبوك”. كانت هذه الرقابة سريعة وممنهجة، وقد تراوحت بين تصنيف الكلمات المفتاحيّة والمنشورات بشكل غير مبرّر وتقديم إشعارات بشأنها، وصولاً إلى إزالة المنشورات التي تتم مشاركتها عبر خاصية القصص على “إنستغرام” (Instagram Stories) في ما يتعلق بالوضع على أرض الواقع.
“ميتا” هي واحدة من المنصات الكبرى التي نتج عن تلكّئها وإصرارها على تكميم أفواه الضحايا وتغذية الدعاية الإسرائيلية مجازرٌ ومأساة كان يمكن تفاديها، ما يجعلها شريكةً في الإبادة التي تُمارس بحقّ الشعب الفلسطيني.
في حال أرادت الشركة تصحيح مواقفها، يجدر بها أولاً اتخاذ تدابير للتحقق من المحتوى الإسرائيلي المنتشر على الإنترنت، نظراً لتَكرار محاولاتِ الواقفين وراءَه التلاعب بالرأي العام من خلال الإعلانات المدفوعة والأخبار الكاذبة، وتطبيق سياسات محايدة لا تتأثر بمواقف الدول أو طلباتها بإزالة أيّ محتوى، خاصة في الأوقات التي تنشب فيها النزاعات وتُرتكب فيها جرائم الحرب والمذابح. أي بمعنى آخر، على “ميتا” إجراء استعراض شامل لسياساتها المتعلّقة بالإشراف على المحتوى لضمان توافقها مع قيم حرية التعبير كما هي معرّفة في إعلانات حقوق الإنسان ومبادئ الاتحاد الأوروبي، والتي أجبرت نفسها أمام المجتمع الدولي على الالتزام بها.
نعلم أنّ “ميتا” تملك القدرةَ على التعامل مع هذا الواقع بطريقة مختلفة، ولعلّ التدابير الطارئة التي اتخذتها عند بدء الحرب في أوكرانيا، ومنها إخفاء معلومات المستخدمين المتعلقة بمتابعة الأشخاص، والحسابات التي تتابعهم، والأشخاص الذين يتابعون بعضهم البعض في حسابات شخصية موجودة في هذين البلدين، خير دليلٍ على ذلك.