صرّحت شركة “أم تي إن” (MTN) السودانية، اليوم الجمعة، أن جميع مقسماتها في الخرطوم قد توقفت عن العمل جراء انقطاع الكهرباء وصعوبة نقل الوقود للمولدات. وقبل أيام، أفادت منظمة “نت بلوكس” المختصة بمراقبة حركة الإنترنت حول العالم، أنّ شركة “أم تي إن” صرّحت عن تعطّل الخدمة لمدة بسيطة يوم الجمعة الماضي بسبب نقص في إمدادات الطاقة.
تردّى وضع الاتصالات في السودان سريعاً بعد أقلّ من 48 ساعة من بداية الصراع في 15 من نيسان/أبريل الماضي، بالتزامن مع بروز ملامح كارثة في الكهرباء، حيث تعطّل نظام مبيعات الكهرباء ليغرق المواطنون/ات في ظلامٍ دامس مع نفاذ رصيدهم/ن من ساعات التغذية الكهربائيّة.
تسبّب عدم توفر الوقود والكهرباء، فضلاً عن صعوبة تنقّل العاملين/ات والمهندسين/ات لمعالجة الأعطال، في توقف العديد من الخدمات الأساسيّة مثل الإسعاف وغيرها، وجاء قرار قطع الانترنت ليزيد الطين بلّة على كافة الصعد، حيث يلجأ السودانيون/ات إلى استخدام خدمات الإنترنت لطلب الاستغاثة وطلب الطعام والدواء والبحث عن مفقودين/ات.
انعدام الأمن والإمدادات
بالتوازي، كشف مصدرٌ موثوق لـ”معمل الحقوق الرقمية” (DR lab)، أنّ انقطاع التيار الكهربائي أدّى إلى تذبذب الخدمة في إحدى مراكز البيانات الرئيسة الخاصة بشركة “كنار” للاتصالات، التي تعتبر ثاني موفر رئيس للخدمة في السودان، بسبب امتلاكها لمحطة بحرية، مما أثّر على كفاءة الخدمة عند بقية الشركات، وتوقف خدمة الجيل الرابع (4G) الخاصة بالشركة. ولم يستطع مهندسو الشركة الوصول إلى مركز البيانات الذي يقع ضمن نطاق الاشتباكات الدائرة بالقرب من مقرّ الإذاعة والتلفزيون.
وذكر شهود عيان لـ”سمكس” أنّ محطة الأقمار الصناعية بمنطقة أم حراز جنوب الخرطوم تعرّضت للسرقة، ويسّر ذلك انفلات الوضع الأمني وافتقار المحطّة للحراسة.
أدّى النقص في الإمدادات أيضاً إلى تعطّل جميع التطبيقات المصرفية عبر الإنترنت، ومن ضمنها تطبيق “بنكك” التابع لـ”بنك الخرطوم”، الذي يعتبر شريان الحياة في ما يخصّ المدفوعات في السودان، لمدة أسبوعين تقريباً قبل أن يعود للعمل.
أعطال تقنية
بسبب الحرب، عانى السودانيون/ات من عدم قدرتهم/ن على تفعيل خدمات الإنترنت عبر قناة “يو أس أس دي” (USSD) التي تمثّل بروتوكول اتصالات يُستخدم في نظام “جي إس أم” (GSM) لتفعيل الخدمات مثل شراء رصيد الاتصال. واستمرّ الانقطاع عدّة أيّام إلى أن أمّنت شركة “زين السودان” للاتصالات الوصول إلى تطبيق “واتساب” مجاناً.
علاوة على ذلك، اشتكى بعض مستخدمي/ات وسائل التواصل من تداخلٍ في خطوط الهاتف، مما أثار مخاوف وشكوك حول احتمالية حدوث انتهاكات لخصوصية المستخدمين/ات وتعريض حياتهم/ن للخطر في مثل هذه الظروف. وتجدر الإشارة إلى أنّ “قوات الدعم السريع” تمتلك برمجيات التجسس الإسرائيلية “بريداتور” “The Predator”، التي تعتبر من أحدث برمجيات التجسّس وأخطرها في العالم.
في 16 أبريل/ نيسان، نقلت “رويترز” عن مصدر مسؤول من داخل شركة “أم تي أن” (MTN) أنّ هذه الأخيرة تلقت توجيها من السلطات بقطع خدمة الإنترنت، قبل ساعات قليلة من تلقّيها أمراً يلغي التوجيه.
وفي 23 نيسان/أبريل، أعلنت القوات المسلحة أنّ “قوات الدعم السريع” احتلت “دار الهاتف”، وهو أقدم مبنى مخصّص لعمليات الاتصال في السودان، ويحوي إحدى مراكز بيانات شركة “سوداتل” الحكومية (المعروفة بـ”سوداني”)، ما أدّى إلى تعطّل جميع خدمات الاتصالات والإنترنت التي توفّرها الشركة، وعزل المستخدمين/ات عن العالم.
قرارات بقطع الانترنت
ليس انقطاع خدمات الإنترنت والاتصالات أمراً جديداً بالنسبة إلى السودانيين/ات، فخلال السنوات الأربع الأخيرة، اعتاد المواطنون/ات على انقطاع خدمات الانترنت بتوجيه من السلطات خلال فترات الأزمات. عام 2022، قطعت السلطات السودانية الإنترنت في خمس مناسبات. وعليه، توقّع المواطنون/ات انقطاع الخدمة في الساعات الأولى من بداية الأحداث العسكرية الحالية.
لا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ الجهة المخوّلة التحكّم في حركة الاتصالات في السودان هي جهاز تنظيم الاتصالات والبريد، الذي يعمل تحت سلطة وزارة الاتصالات، وكنا كشفنا في “سمكس” أنّ الجهاز يعمل تحت إمرة القوات المسلحة السودانية، خاصّة وأنّ المدير العام للجهاز هو الضابط في القوات المسلحة، اللواء الصادق جمال الدين.
معلومات مضللة وانتهاك للخصوصية
مع بدء النزاع المسلّح، تعطلت الإذاعات السودانية بالكامل وتوقّف بثّ التلفزيون القومي، ورجّح البعض أنّ سبب العطل هو سيطرة قوات الدعم السريع على مباني الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، كما استخدمت القوات تردّد 95 ميغا هيرتز الخاص بالإذاعة القومية لبث أخبار “انتصاراتها”، فيما سيطرت القوات المسلحة على البث الفضائي لقناة السودان.
قطع بثّ الراديو والتلفزيون، بالإضافة إلى غياب الشفافية، واستخدام التضليل الإعلامي كسلاح عسكري، وفّر بيئة خصبة للمعلومات المضللة. خلال الفترة القصيرة الماضية، انتشر عددٌ كبير من الحسابات المزيفة التي عمدت إلى نشر الأخبار الكاذبة، وكان حساب جهاز المخابرات العامة على “تويتر” مثالاً بارزاً عنها، إذ شارك تغريداتٍ تحوي بياناتٍ باسم الجهاز، قبل أن ينفي الجهاز نفسه أي صلة له بهذا الحساب.
يعمل بعض المواطنين/ات على توثيق ما يجري في مناطقهم/ن من إنتهاكات في ظلّ غياب التغطيات الإعلامية الموضوعية، هذا إن تمكّن الصحافيون/ت من الوصول إلى مناطق النزاع. في هذا السياق، وأفادنا شهود عيان أنّ “قوات الدعم السريع” تفتّش محتويات هواتف المواطنين/ات وتمارس العنف ضدّهم/ن.
يرجّح خبيرٌ إعلامي، فضّل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنيّة، أنّ تفتيش هواتف المواطنين/ات سببه حرص القوات على تحسين صورتها العامة، وكانت عدّة تقارير أكّدت تعامل قوات الدعم السريع مع مراكز إعلامية مختصة في نشر الدعاية في الخارج لتلميع سمعتها. ولعلّ هذا ما قد يفسّر حالات عودة الإنترنت لفترات بدلاً من قطعه باستمرار، من دون أيّ احترام لمعاناة الناس.