في 8 تموز/يوليو الماضي، ألقت الشرطة العسكرية في محافظة مأرب، الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً والمدعومة خليجياَ، القبض على الناشط على مواقع التواصل مانع سليمان، على خلفيّة منشورٍ له على “فيسبوك”، ينتقد فيه بعض الروايات الدينية التي تتحدث حول مفاهيم “الولاية” و”يوم الغدير”. ظلّ سليمان معتقلاً دون الإفصاح عن مكان احتجازه حتى 14 أيلول/سبتمبر المنصرم، عندما بدأت محاكمته عسكرياً من قبل النيابة العسكرية بمأرب، برفقة الناشط الإعلامي حافظ مطير، الذي اعتقل بسبب منشورٍ على المنصّة نفسها، كشف من خلاله الانتهاكات التي تعرض لها سليمان في المُعتقل.
وبحسب معلوماتٍ خاصة استطعنا الاطلاع عليها، لم يتوفّر أي دليل يُذكر في محضر المحاكمة سوى بعض المنشورات من حساباتهم الشخصية، وهو ما يتعارض مع قيم الحرية الشخصية وحق التعبير التي كفلها الدستور والقانون اليمني.
تنصّ المادة 3 من قانون الصحافة والمطبوعات على أنّ “حرية المعرفة والفكر والصحافة والتعبير والاتصال والحصول على المعلومات حق من حقوق المواطنين لضمان الإعراب عن فكرهم بالقول والكتابة أو التصوير أو الرسم أو بأية وسيلة أخرى من وسائل التعبير وهي مكفولة لجميع المواطنين وفق أحكام الدستور وما تنص عليه أحكام هذا القانون”، ما يجعل هذه المحاكمة غير قانونية، وتمهّد لمزيدٍ من القمع واستهداف المدونين/ات، في ظل عدم وجود أي قوانين يمنيّة خاصة بمواقع التواصل والنشاط على الإنترنت.
مساء 26 أيلول/سبتمبر المنصرم، قامت جماعة الحوثيين بإعتقال أكثر من 1300 شخص بعد مراقبة وتفتيش هواتفهم/ن في مناطق شمال اليمن، والذين كانوا قد خرجوا للاحتفال بالذكرى الـ 61 لثورة 26 سبتمبر، وترفض الجماعة الإفراج عنهم حتى اللحظة، دون توجيه اي تهمة لهم أو مبرر لبقائهم في المعتقلات.
في عدن، جنوبي البلاد، يقضي الصحافي أحمد ماهر عامه الثاني في معتقلات المجلس الانتقالي الجنوبي، بعد أن اعتقل في 6 أغسطس/آب 2022 على خلفية نشاطه الصحافي ومقالاته التي كان ينشرها على مواقع التواصل، إذ قام مسلحو المجلس الإنتقالي بتصوير فيديو يعترف فيه ماهر بارتكاب جرائم ضدهم، في حين كانت ظاهرة عليه آثار التعذيب، بحسب منظمة مراسلون بلا حدود.
تحت المجهر
اختلفت الفصائل المسلحة في اليمن وكذلك القوات الحكومية، إلا أنها اتفقت على تضييق الخناق على الصحافيين/ات والمدونين/ات على مواقع التواصل، ووضعهم/ن تحت المجهر، بالتزامن مع حملات متكررة لتفتيش هواتف المواطنين/ات، تقوم على إثرها باعتقالات واسعة بهدف بث الرعب بين المدنيين/ات.
يقول الناشط الحقوقي اليمني حسام أحمد في مقابلة مع “سمكس” إنّه يحرص عند سفره من مدينة تعز غرب اليمن إلى صنعاء لزيارة اقاربه، على تغيير هاتفه المحمول وحذف حساباته على مواقع التواصل في كل مرة يسافر فيها خارج المدينة. أحمد كان قد أوقف عدة مرات عند نقاط أمنية وفُتّش هاتفه، وتمكّن عناصر تابعون لجماعة الحوثيين من استرجاع كافة المحذوفات من هاتفه في إحدى المرات التي أوقف فيها عند مدخل صنعاء، وجرى التحقيق معه واحتجازه لأكثر من ست ساعات لمجرد وجود صورة كاريكاتير ساخر في إحدى مجموعات “واتساب”، بسحب ما كشف لـ”سمكس”.
بدوره، يسلّط المحامي المختص بالدفاع عن المعتقلين/ات السياسيين/ات عبدالمجيد صبرة، لـ “سمكس”، الضوء على إنتهاك الأطراف المتصارعة في اليمن بحق القانون اليمني، “وفقا للقاعدة الشرعية، فلا وجود لجريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني، ولا يجوز للقضاء أو جهات إنفاذ قانون تجريم أي فعل لم يرد فيه نص قانوني واضح وصريح ينطبق عليه ويجرمه، لأن مهمة القضاء التطبيق الحرفي لنصوص القانون”.
“إضافة إلى ما سبق، يحظر على القاضي الحكم بالقياس عند تطبيقه لقانون الجرائم والعقوبات، كما حدث في محاكمة مانع سليمان و حافظ مطير، فلا يحق للقضاء تجريم واقعة ومعاقبة شخص على ارتكابها بحجة تطابقها مع واقعه أخرى وردّ النص بتجريمها وتحديد عقوبتها. أي بمعنى آخر، لا يحق للقاضي تطبيق نص قانوني ورد في قانون الصحافة والمطبوعات على واقعه في مواقع التواصل. في الواقع، يحصل هذا كثيراً، وقد حدث فعلاً في محاكمة قررت إعدام 10 صحافيين عام 2020.
غياب القانون
من جهته، يقول مدير مشروع الحقوق الرقمية في “منظمة سام للحقوق والحريات” عمر الكندي، في حديثه لـ “سمكس” أنه وفي مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، يواجه الناشطون/ات والصحافيون/ات اعتقالات ومحاكمات بسبب منشوراتهم/ن على وسائل التواصل. ويتشابه هذا الواقع، بحسب الكندي، مع واقع الصحافيين/ات القاطنين في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين، مشيراً إلى أنّ أيّ انتقادٍ عبر وسائل التواصل قد يؤدّي إلى انتهاكاتٍ واعتقالاتٍ غير مبررة.
ويشير الحقوقي اليمني إلى أنّ الأطراف المتصارعة في اليمن تستفيد من غياب قوانين الجرائم الإلكترونية في تبرير انتهاكاتها، خاصة في ما يخصّ اختراق الخصوصية الرقمية للناشطين/ات والصحافيين/ات.
“تمارس الجماعات الدينية تمارس ضغطاً كبيراً على السلطات، تفضي إلى المزيد من الانتهاكات التي تشتمل على اختراق حسابات الناشطين/ات والصحافيين/ات وتفتيش هواتفهم، في ظلّ عدم وجود قانونٍ للجرائم الإلكترونية في اليمن، ما يمنح السلطات فرصة للانتهاكات دون عواقب. هنا تكمن ضرورة الضغط لإقرار قانون يحمي المواطنين ويضع حداً لهذه الفوضى”، يضيف لـ”سمكس”.
في مطلع تشرين الأول/أكتوبر الجاري، وثّق الشاعر محمد الجرموزي في بثٍ مباشر عبر “فيسبوك”، اقتحام قوة عسكرية تابعة لجماعة الحوثيين لمنزله في صنعاء قبل أن تقتاده إلى جهة مجهولة، على خلفية انتقاده “فساد” مسؤولي الجماعة عبر حسابه على “فيسبوك”. ويُذكر أن هذه الحادثة تلت إجباره على توقيع التزام “كفّ خطاب” في آب/أغسطس الفائت، للامتناع عن النشر على مواقع التواصل.
منذ بداية الهدنة المؤقتة في اليمن وتوقف العمليات العسكرية في نيسان/أبريل 2022، تفرّغت أطراف الصراع لملاحقة الصحافيين/ات والناشطين/ات على مواقع التواصل، إذ ازدادت حدة الملاحقات والاعتقالات خلال الأشهر الماضية في جميع مناطق البلاد.
ويشهد اليمن مواجهات عسكرية منذ مارس 2015، بين جماعة الحوثي والحكومة المعترف بها دولياً بدعم خليجي، والتي تركت الشعب اليمني عامة، والصحافيين/ات خاصة، يعانون تحت وطأة النزاعات والقيود الرقمية التي تفرضها أطراف النزاع.
الصورة الرئيسية من أ ف ب.